حزبيات مغربيةمستجدات

مكتب فرع الاشتراكي الموحد بالرباط ينظم ندوة فكرية وسياسية لنعرف كيف نرتقي بالمغرب إلى مجتمع المعرفة (الجزء الثاني)

أحمد رباص – حرة بريس

في بداية مداخلته، أشار محمد نبيل السريفي إلى أن مفهوم مجتمع المعرفة استعمل لأول مرة عام 1969 بعد أن ابتدعه فيلسوف التدبير الإداري بيتر دراكر (Peter Druceker) الذى قرر أنه لا يمكن تأسيس مجتمع المعرفة إلا إذا تبلور اقتصاد للمعرفة، الذي يعنى استخدام المعرفة لخلق قيم مادية وغير مادية.
وبما أن المفهوم إياه قيد التشكل، فلا يمكن الجزم والتسرع في إعطاء تعريف محدد، لأنه يخضع لتحولات تاريخية خلال مدة 30 أو 40 سنة ويفقد على إثرها ثباته. ويجب أن نكون حذرين إزاء إعطاء تعريف لهذا المفهوم، لعدة اعتبارات منها أن تعريفه يقع فيه اختلاف على حساب الباعث أو الجهة التي تحاول فرض التعريف. مثلا، المهندس ينتصر للاستعمال المكثف للأدوات التكنولوجية ووسائل التواصل الرقمي، ويرى المؤرخ أن مجتمع المعرفة يؤسس لما بعد الحداثة.
إلى هذه المحاذير، يضيف الباحث محمد السريفي صعوبة أخرى تتمثل في وجود مفاهيم أخرى متداولة ومتشعبة من قبيل: مجتمع المعلومات، مجتمع المعارف، المجتمع الرقمي، إلخ…
وأوضخ المتحدث أن هناك تداخلا بين مرجعيتين، إحداهما فكرية فلسفية انطلق منها اناس سعوا إلى إقامة مجتمع المعرفة مع انهم يعيشون في مجتمع متقدم بطبيعة الحال. في حين تركز المرجعية الأخرى على البعد الاقتصادي حيث تفقد المفاهيم حياديتها لخضوغها لنزغة سياسية نيوليبرالية تغلب منطق الاقتصاد ومنطق السوق على سائر جوانب الحياة المرتبطة بمجتمع المعرفة.
بعد ذلك، انتقل أستاذ هندسة أنظمة الاتصالات مباشرة إلى الحديث عن الإشكال الأساسي المطروح: هل لدى المجتمعات المتخلفة، كما هو الحال في المغرب إمكانيات الانتقال إلى مجتمع المعرفة؟ أليست هناك قوانين في التطور التاريخي تمنعنا من ذلك كعدم مرورنا من مرحلة المجتمع الصناعي، فيصبح الأمر بالنسبة لنا إكراها تاريخيا ويغدو التخلف التاريخي قدرنا؟
يعتقد الأستاذ الباحث أن إمكانيات الاندماج في مجتمع العصر الذي هو مجتمع المعرفة متوفرة بشرط توفر الإرادة السياسية، لأن الولوج إلى مجتمع المعرفة ليس مسألة تقتية وحسب، بل هو قرار سياسي. فإذا استحضرنا واقعنا، يقول الأستاذ السريفي، نكون متشائمين ونقول ليس لدينا إمكانيات الولوج إلى مجتمع المعرفة، بالعكس لدينا جميع المتطلبات واللبنات اللازمة للانخراط في مجتمع المعرفة والقطع مع هذا التخلف التاريخي إذا توفرت الإرادة السياسية، خصوصا أن الإيجايي في مجتمع المعرفة هو حديثه عن الإنسان. يمكن تبرير الفشل في الانتقال إلى المجتمع الصناعي بعدم توفر مواد أولية محددة وفرتها الطبيعة لبلاد أخرى، بينما الرأسمال الأساسي في مجتمع المعرفة هو الرأسمال البشري.
في هذا السياق، أثار المتدخل معضلة هجرة الأدمغة والكفاءات، مذكرا بأن ما بين 30 ألف و40 ألف كفاءة تهاجر سنويا من المغرب إلى الخارج، ويتم احتضانها من قبل الدول المتقدمة التي تتبنى استراتيجية لاستقطابها.
في الدول المتخلفة، يبحث الطلبة المتلقون لتكوين معين عن بيئة حياة متميزة في فرنسا أو كندا أو أمريكا سعيا وراء تحسين المستوى وطموحا إلى منظومة حياة أفضل فيجدون في استقبالهم استراتيجية جاهزة لاستقطابهم نابعة من وعي تلك الدول بأن هذه الكفاءات هي الأساس الذي يقوم عليه نجاح مشروع الاندماج في مجتمع المعرفة.، وهذا المطلب في صلب التصور السياسي للحزب الاشتراكي الموحد الذي آمن بمركزية العلم والمعرفة ودافع عنها..
وفي حديثه عن مرتكزات مجتمع المعرفة، حددها الرفيق السريفي في ثلاثة، وهي المرتكز التكنولوجي، بما يعنيه من ثورة المعلومات والاتصال، البيوتكنولوجيا، النانوتكنولوجيا، روزنامة من المستجدات التكنولوجية الدافعة والمحفزة والمؤثرة في الانتقال إلى مجتمع المعرفة. أما المرتكز الثاني فهو مجتمعي يستدعي بعض المقارنات بين المحتمع الصناعي ومجتمع المعرفة، فإذا كنا في المجتمع الأول أمام ديمقراطية تمثيلية من خلال النقابات والأحزاب السياسية، نكون في المجتمع الثاني أمام ديمقراطية مباشرة. من أجل توضيح هذه الفكرة، تحدث السريفي عن حزب في الأرجنتين تأسس افتراضيا عام 2012 وفاز في انتخابات السنة الموالية، ويمارس ديمقراطية مباشرة في الفضاء الرقمي. وكذلك المرتكز الاقتصادي الذي كان في المجتمع الصناعي مبنيا على التنافس وأصبح في مجتمع المعرفة على التعاون. وهذه كلها محددات تجعل نوعا من التمايز والاختلاف بين المجتمع الصناعي الذي تخلفنا عنه وبين مجتمع المعرفة الذي نطمح إليه.
هذا الهدف الاول والأخير، سواء أعددنا له العدة ام لا، لا خيار لنا عنه، وبالتالي هناك مجموعة من الإشكالات تعامل معها الرفيق السريفي بأن تطرق لها في عجالة.
يتمثل الإشكال الأول في مشروع الإصلاح السياسي الذي هو مرتكز أساسي لمشروع بناء مجتمع المعرفة
وما يقتضيه ذلك من تحصين وتوسيع مجال الحريات والديمقراطية والمشاركة السياسية وما إلى ذلك..
ثم هناك إشكال الهوية. بسبب انفتاحه، مجتمع المعرفة يتعارض مع المجتمع المنغلق. وكضرورة أساسية ومستعجلة، ينبغي محاربة الفقر والتهميش العائقين الكبيرين دون الارتقاء إلى مجتمع المعرفة، ذلك أن هذا الأخير يتوفر على ما يسمى بالوعي الجمعي الذي يرحب بمساهمة جميع أفراد المجتمع في بنائه وإنجاح الانتقال إليه. وهنا يعود الرفيق السريفي إلى المقارنة بين المجتمعين ليقول إن التقنية والكفاءة كانتا مطلوبتين في المجتمع الصناعي حيث يتم تكليف إنسان بمهمة بناء على مؤهلاته، أما في مجتمع المعرفة تكون المهام مطروحة للجميع والمساهمة ممكنة لجميع أفراد المجتمع.
ويرى الأستاذ محمد نبيل السريفي أنه يستحيل علينا الانخراط في مجتمع المعرفة وجامعاتنا ومراكزنا البحثية ومؤسسات قطاعنا العام والخاص متخلفة عن مسايرة المستجدات التكنولوجية المتسارغة بوتيرة غريبة جدا، يجب القطع مع منطق كلما ظهر ابتكار جديد ننهض لشرائه، مع ضياع مدة زمنية تقدر بشهور، وينبغي علينا امتلاك التكنولوحيا وتوظيفها، وعلينا أن نتحول من مستهلكين إلى منتجين.
وهناك إشكال آخر مرتبط بمنظومة القيم والأخلاق، خاصة إذا أدركتا أن التكنولوجيا تطرح مجموعة من التحديات على مستوى الهندسة الوراثية، الشيء الذي يدل على أننا في حاجة لمدونة قيم جديدة.
لتحقيق المراد لابد من توسيع الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبل الدولة، ومثل هذه المطالب لم تعد حكرا على الأحزاب السياسية، بل هي من صلب معايير دولية يجب احترامها للانتقال إلى مجتمع المعرفة
يجب كذلك تخليص الإعلام العمومي والإعلام الرقمي من سلطة الدولة، وإقامة بيئة اقتصادية محفزة للإبداع والابتكار، وضمان حرية الأعمال في إطار من المنافسة والشفافية، ومعالجة التفاوتات الطبقية بشكل مستعجل. كما شدد المتحدث في هذا السياق على توفير البنية الحاضنة التي قوامها حريات وقوانين وتشريعات جديدة وسياسات عمومية تشجع على الإبداع والزيادة في الأموال المعبأة في الاستثمار والإتفاق العمومي، دون نسيان توطين المعرفة ونقلها وتملكها.
وفي الجانب المتعلق بمطلب إصلاح نظام التربية والتعليم واهميته في عملية الانتقال إلى مجتمع المعرفة، أشار المتحدث إلى أن هناك معطيين يمنعاننا من تحقيق المبتغى. المعطى الاول أن الكتلة الحرجة على مستوى الشباب عندنا لا تتعدى نسبة 15 %، بينما التسبة المؤهلة هي 75 %، أما المعطى الثاني فيتجلى على مستوى تعليم الكبار ، أي التعليم المستمر، وبالنظر إلى آفة الامية في بلادنا، فهي مطالبة بتحقيق نسبة 96 % من هذا النوع من التعلم إن أرادت أن تكون مؤهلة للانخراط في مجتمع المعرفة.
بهدف الأخير إلى خدمة التنمية، فهو لا بهدف للمعرفة من أجل المعرفة، إذ يلزم أن تصب المعارف ومعالجة المعطيات في الغايات التنموية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد.
وفي الأخير، أنهى محمد نبيل السريفي مداخلته بوضع ثلاثة شروط أساسية بدونها لن تقوم لمجتمع المعرفة قائمة، وهي الحرية، الانفتاح والتواصل، لأن مجتمع المعرفة مجتمع التشبيك، داخليا أوخارجيا، والتعامل الإيجابي مع الحاجيات التنموية للمجتمع، مذكرا، في الأنفاس الأخيرة من مداخلته، بالمعيقات التي حددها في واقع الحريات وأزمة التعليم وهجرة الأدمغة والفقر والتهميش والاستبداد الذي يستحيل في ظله تحقيق الولوج إلى مجتمع المعرفة الذي لا يعيش في بيئة تقمع الحريات..
(يتبع)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube