احمد رباصمجتمعمستجدات

عرض الهوية المغربية في إسرائيل: حالة “تإسرائليت” في الشتات (3/1)

ترجمة أحمد رباص

يتناول هذا النص عرض الهوية المغربية في الفضاء العام الإسرائيلي ويقترح تحليل ظاهرة حج الإسرائيليين إلى المغرب من خلال التركيز على تأكيد انتمائهم، وهو ما سأسميه “تإسرائيليت”.
يتعلق الأمر هنا بفحص قضية تمديد الحدود – في هذه الحالة إلى المغرب – من قبل يهود تركوا أرضهم الأصلية للانضمام إلى إسرائيل، قبل العودة إلى بلدهم الأصلي، عابرين هذه الحدود نفسها في الاتجاه المعاكس. تندرح الملاحظات التالية في إطار أعم لعملية “التشتيت” وتسمح لنا بتحديد طريقة معينة لتأسيس العلاقات الاجتماعية في الشتات حيث تكون الحدود بين المركز والمحيط أقل وضوحا مما قد تبدو عليه للوهلة الأولى.
بهذا المعنى يمكن اعتبار ما يتم تقديمه هنا على أنه حالة “تإسرائيليت في الشتات”. كما أنه يوضح العلاقة المستمرة التي تطورت عبر القرون بين يهود المغرب وسلاطينه وملوكه.
وهكذا استطاع الكاتب اليهودي ذو الجنسية المزدوجة المغربية الإسرائيلية، عامي بوغانم الذي يروي حياة معبرة (مخيم لاجئين) في الستينيات بإسرائيل، أن يصف بمكلمات ساخرة تجنيد الشباب اليهود المغاربة في الجيش الإسرائيلي: “بعد ساعتين، كان المجندون يرتدون الزي الرسمي، ويرتدون قبعات ومسلحين ببنادق يسحبونها مثل المكانس، ولم يجدوا شيئًا آخر يتغنون به، وهم متجهون إلى ميدان القنص، غير ترنيمة لتمجيد جلالة الملك الراحل محمد الخامس وأخرى لتمجيد خليفته الملك الحسن الثاني …”
عندما أعلن الملك الحسن الثاني سنة 1992، أن عددا قليلاً من البلدان يمكن أن تتباهى بوجود 750.000 من ابنائها كسفراء لإسرائيل، مثل المغرب، قاصدا بهم يهود المغرب، لم يكن ذلك مجرد كلام خالص. كان يشير إلى عملية جارية في ذلك الوقت: إدخال الأزمنة والأمكنة والأشياء “المغربية” إلى إسرائيل.
اليهود “سفراء المغرب” لا يقتصرون على سكان إسرائيل فقط: أولئك الذين هاجروا إلى فرنسا وكندا والولايات المتحدة، والذين يشكلون الشتات اليهودي المغربي، يعتبرون أيضا جزء من الأمة المغربية. كما تتم دعوة ممثليهم بانتظام لحضور اجتماعات رسمية تنظمها السفارات المغربية.
إن الانخراط في مصائر البلاد وخاصة التماهي مع ممثلي السلطة، مع العائلة الحاكمة، يميز الشتات اليهودي المغربي. كتبت مؤخرا أسبوعية مغربية عن معرض متنقل لأشياء ثقافية مغربية – يهودية نظم في المدارس البلجيكية: إنهم مثل السفراء المرتجلون للثقافة المغربية. يستمر المغرب في كونه أحد مراكز تحديد الهوية للمهاجرين اليهود المغاربة، الذين يستثمرون هناك بنشاط من خلال إنشاء الجمعيات والمواقع التذكارية، والعودة إلى المغرب بشكل متكرر. وبهذه الطريقة، تحافظ على الذاكرة الجماعية لانتمائها.
في كل عام ، بمناسبة العيد اليهودي يوم الغفران، يقوم السفير المغربي في باريس بزيارة رسمية لصالونات أحد الفنادق التي استأجرتها لهذه المناسبة جمعية اليهود المغاربة لتقديم تحياته إلى ممثلي الجماعة. ويتم اللقاء أحياناً بحضور السفير الإسرائيلي.
يعلق العديد من يهود الشتات صور ملك المغرب على جدران شققهم. يُدعى رئيس جمعية اليهود المغاربة في بريطانيا العظمى بانتظام إلى الاحتفالات في السفارة المغربية، وقد استقبل الملك مؤخرا بمناسبة رحلته إلى إنجلترا.
يندرج إذا عرض الهوية المغربية في إسرائيل (أو “تمغرابيت”) ضمن الظاهرة الأكبر والأكثر تعقيدا للعلاقات المتناقضة التي يمكن الحفاظ عليها مع البلد الذي تمت مغادرته. ومع ذلك، فإنه (العرض) يحتفظ بجوانب محددة للغاية تستحق المساءلة، بالنظر إلى الصراع المستمر بين إسرائيل والعالم العربي، الذي ينتمي إليه المغرب بالفعل.
كان ما يقرب من 250.000 يهودي يعيشون في المغرب في عام 1946. بدأت الهجرة إلى إسرائيل في 1948-1949. شهدت الذروة الأولى (70.000 مغادرة) بين 1954 و1956، وهي فترة عدم استقرار سياسي كبير، وشهدت الذروة الثانية المحصورة بين 1961 (وفاة محمد الخامس) و 1963 80.000 مغادرة .
بحلول عام 1967، لم يتبق سوى 60.000 إلى 70.000 يهودي في المغرب، وذلك بدون أحداث يمكن مقارنتها بخطورة تلك التي وقعت في سوريا أو العراق. كانت المعلومات والإشاعات حول أعمال عنف منعزلة في أجزاء مختلفة من البلاد، حول أعمال النهب التي ارتكبت ضد المنازل والشركات والسلع، مدعاة لأجواء الذعر التي انتهت بهروب جماعي، نظمه الموساد جزئيا (تحت غطاء جمعية الشتات اليهودي، دائرة الهجرة العبرية في نيويورك) بفضل الاتفاقات السرية والمفاوضات المعقدة مع الحسن الثاني.
هاجرت الفئات الأقل تأهيلاً والأكثر فقراً من السكان، فضلاً عن أكثر الفئات ذات الدوافع الأيديولوجية، إلى إسرائيل. استقرت فئات اخرى، وخاصة النخب، في فرنسا وكندا بحكم إتقانها اللغة الفرنسية، في حين استقر في إسبانيا وأمريكا اللاتينية أولئك الذين يتحدثون الإسبانية، أو حتى في الولايات المتحدة.
بقي اليوم 3000 يهودي في المغرب، معظمهم يقيمون في الدار البيضاء، وبالتالي فهم يمثلون أكبر جالية يهودية مقيمة في دولة عربية.
قدر مكتب الإحصاء أن 800000 إسرائيلي ينحدرون من المغرب من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 6.2 مليون نسمة (في 2007 تاريخ صدور هذه الدراسة، أما اليوم فيقدر عدد سكان إسرائيل ب9,217 مليون نسمة – المترجم).
وُلِد 156،500 شخص في المغرب، و336،000 ولدوا في إسرائيل لأب مغربي أو لأبوين مغربيين، ويشكل الباقون الجيل الثالث. ومع ذلك، لم يكتف هؤلاء الإسرائيليون بالحفاظ على ذاكرة فردية وعائلية للبلد الأصلي في الفضاء المنزلي الخاص (مطبخ، موسيقى، قصص، أشياء، صور ملوك المغرب معلقة على الجدران، بمن فيهم محمد السادس، لهجة مغربية عربية)، بل نجدهم كذلك وراء إدخال الرموز التقليدية للسلطة المغربية إلى الفضاء العام الإسرائيلي.
يتواجد العلم المغربي جنبا إلى جنب مع العلم الإسرائيلي في كتيبات مصورة نشرتها اللجنة الوطنية لإحياء ذكرى الحسن الثاني، التي تم إنشاؤها بعد ثلاثة أيام من وفاة الملك الحسن الثاني، يوم 23 يوليو 1999 بالتحديد، ومقرها القدس.
هذه اللجنة المكونة من 70 عضوا انبثقت منها جمعية اقترحت تخليد ذكرى الملك في إسرائيل من خلال إطلاق اسم الحسن الثاني على 70 فضاء عاما: ساحات وشوارع ومراكز مجتمعية ومواقف وحدائق. كما كان الأمر يتعلق بإصدار طابع بريدي بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الملك وتنظيم ندوة دولية حول مساهمته في عملية السلام في الشرق الأوسط وفي التعايش بين اليهود والمسلمين في المغرب.
عندما تم الإعلان عن وفاة الملك، عبّرت تصريحات العديد من ممثلي العالمين الفني والسياسي للجالية اليهودية المغربية عن الألم والعاطفة الجياشة، حتى أنهم ذهبوا إلى حد إعلان أسبوع حداد، وفقا لطقوس التقاليد اليهودية.
عبّرت المغنية ريموند أبيكاسيس، المتخصصة في التراث الشعبي المغربي، عن حزنها بهذه العبارات: “بوفاة ملكنا الحبيب، أشعر كما لو أن أحد أطرافي قد قُطع. لقد مر يومان منذ أن توقفت عن البكاء ولا أستطيع النوم”.
توجد عبارة “ملكنا” في كل مكان تقريبا، في المقابلات، على المواقع الإلكترونية لمغاربة الشتات، في كتيبات الجمعيات. وإذا كان لها مكانها في الخطاب الذي يتم من خلاله بناء “تمغرابيت” اليهود الذين غادروا المغرب، فيمكن رد هذه العبارة جزئيا إلى الحنين إلى بلد الطفولة أو حتى ببساطة أكثر للندم على الشباب المفقود.
على أي حال، يبدو أن هذه العبارة تكتسب في إسرائيل مكانة الدال الموحي. لا يتعلق الأمر، عند أبيكاسيس كما عند آخرين،
بمجرد تعبير عن المشاعر الفردية: لقد تم ترجمة الشعور المعني هنا، في العام الذي أعقب وفاة الملك، من خلال بناء أماكن الذاكرة المخصصة للمغرب بداخل مدن الضواحي التي يسكنها بشكل أساسي السكان المزراحيون (الشرقيون، ويطلق عليهم أيضا “إسرائيل الثانية”.
يمكن بعد ذلك فهم العملية التي بدأت بهذه الطريقة على أنها إحدى الاستراتيجيات الممكنة لبناء ذاكرة شتات أكثر طموحا.
(يتبع)

المصدر: cairn.info

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube