ثقافة وفنونحواراتمستجدات

حرة بريس في حوار مع الروائية اللبنانية نسرين النقوزي عن رواية المنكوح وواقع الكتابة 

من الصعب كتابة أدب أيروتيكي لأسباب تخص المجتمعات

حاورها عبدالحي كريط 

 روائية لبنانية ومدونة أدب ساخر من مواليد مدينة صيدا في لبنان، درست صحافة وإعلام في الجامعة اللبنانية، مدرّسة لغة عربية ومدرّسة لغير الناطقين باللغة العربية، تدرس الكتابة الإبداعية ومادة النقد الأدبي منذ سنوات

ضيفتنا لهذا الحوار  وﻷول مرة هي الروائية اللبنانية نسرين النقوزي  والتي ستتحدث لنا عن أولى وآخر إصداراتها الإبداعية المثيرة للجدل المنكوح  والذي صنفها البعض ضمن الروايات اﻹيروتيكية وهي رواية تعتمد تقنية الرسائل في عصر الإنترنت والثورات التي تجتاح الشرق الأوسط، بين شاب أمازيغي؛ يعاني من كل مشاكل المجتمع الرأسمالي العالمي إضافة لمعاناته الهوياتية كإثنية داخل المجتمع المغاربي، بما تحمله كلمة إثنية من معاني الإبعاد، الفصل والاحتقار… وبين شاب سوري فشلت حياته أثناء تجنيده في جيش لم ولن ينتمي له عقائديا أو نفسيا، سجالات نفسية وتحليل اجتماعي واقتصادي، تطرح من خلاله النقوزي صورة واضحة عن التهميش، الإفقار وزيف المجتمع المتدين الذي يعانيه الشابان وأصدقاؤهم.

 وهي رواية تقع  في فصلين شديدي العمق والسلاسة  اللغوية بأصوات رواة متعددين؛ ففي كل مرة ستجد خيطا جديدا يمكن أن تقرأ من خلاله بنية رواية فارقة

أول ما يلفت انتباه القارئ لروايتكم هو عنوانها، نظرا لتعدد تفسيراتها وحمولتها اللغوية الفكرية، ما سبب تسمية الرواية بالمنكوح؟

سأتحدّث بشكل عام اولًا، كيف يخلق ولماذا، الكاتب العنوان، وبأكثر دقة، هناك طرق متعددة لاختيار العنوان، وبوضوح يكون للعامل الدعائي للمنتج الأدبي نسبة النصف من اختيار العنوان، والنسبة المقابلة يلعبها الكاتب لصالح نصه بكل تأكيد، المنكوح في إحدى مراحل إنتاجها، لم تكن المنكوح، كما كانت من البداية أثناء كتابة النص (خلق العنوان في الثلث الأول من النص أثناء الكتابة)، لكن لظروف إنتاجية تخص الناشر فكر في اسم “مقبول اجتماعيًا ” ولكنه غير ملائم، وافقت عليه على مضض وكنت أنتظر اللحظة التي يقول فيها أنه سينشرها بعنوان المنكوح. هنا خلق العنوان أثناء الكتابة كدافع لها، وتم التلاعب بمصيره في إحدى مراحل تشكيله، غير أنه مع فسخ تعاقدي مع الناشر الأول والموافقة على نشر الكتاب تحت عنوانه الأصلي، تحرر النص وصار أكثر متعة، هناك طرق أخرى لكنها تخص كل كاتب وتخص كل نص، بشكل محدد كان عنوان روايتي الأولى تجسيدا لصورة مجهرية هي الشخوص في الرواية وبعدسة عملاقة، جدا تتسع لأكثر من أفق الحمولات اللغوية والفكرية للعنوان.

ما هي المحددات الرئيسية التي انطلقتِ منها في البناء السردي للرواية؟ 

ليس هناك من محددات ينطلق منها الكاتب، هناك الفكرة تفرض نفسها بكل ثقة ووضوح، ومن ثم نبني ككتاب معمارا، نفكر في تقنيات وهناك تقنيات تفرض نفسها، بنية الرسائل فرضت نفسها، لكن تعاملت معها بطريقة خاصة تنلسب الجو العام، كان يمكن أن يمل منها القارئ، لكن اللعب على الحكاية، المكان ، الشخوص والتقنيات المتعدة، مئات الخبرات والتعاملات تجاوزت البنية التقليدية، هنا أيضا يكمن استمتاع الكاتب والقارئ، أيضا.

ما هي أبرز شخوص المنكوح؟ ولماذا اخترت الشخصية الأمازيغية كمكون أساسي في الرواية؟

مجيد، بالطبع، هو محور اهتمام الخلق هنا، تم بناية شخصيته أولا ومن ثم تم ابتكار عالمه، وتتالت الرواية فيما بعد كفكرة،  أولا، ثم مئات الجمل والمستندات. إذا مجيد هو الشخصية المحورية، عندما كتبت بصوت كلبه الأجرب، الأوفى، كان مجيد؛ من يتحدث، لكنه التبس الكلب، والتبسته لأكتبه، كنت أنا مجيد، لشهور كتابة الرواية، لفترات أكون أنا مجيد مثلما يكون هو متجسدا كشخصية وفكرة داخل بعضنا إن لم يكن جميعنا، يفكر البعض أننا نكتب شخوص نعرفهم بشحمهم ولحمهم، لا! من غير الممكن أن يظل هناك من يفكر بهذه العقلية، بعد، في 2022! سيكون من المحبط أن يظل النقد العربي متصورا وجود هؤلاء الشخوص على هذا النمط المثير للسخرية، نحن نقوم بعملية تركيب شديدة التعقيد لشخوصنا، بل نبتكر، أو لنقل، إننا نخلق عجينة لا مثيل لها، لكن تتشابه ، تتقاطع وتتوازاى أحيانا مع الحقيقة وهذا جانب مهم أيضا، أن تظل هذه الشخصية حقيقية وصادقة، تتحدث بلسانها التحليلي الدقيق، ليصعد الراوي المتكلم،  لا أن تتحدث من الخارج بضمير الـ هو. تتحدث ككاتب وكشخصية وراوي، من العمق أقصد.

عن اختيار مجيد الأمازيغي، باختصار، التهميش كقضية محورية في الرواية، كان يتطلب وضع المجهر حول شخصية من إثنية مهمشة ومقصاة ليزيد تعقيد الشخصية التي ستتسع فوق سطح العدسة المكبرة لتعبر عن الجميع، فيما بعد كصورة للإقصاء والتهميش الممارس ضد الجميع وخصوصا الأقليات العرقية تحديدا، إضافة للكبت الديني المصاحب للتفسيرات غير المنطقية لصميم العبادة؛ كلاحق على التعصب القبلي، هنا تكمن مشكلة الشرق الرئيسية.

ما هي العلاقة الزمكانية للرواية مع ثورات الربيع العربي؟ 

أظن أن العلاقة بين فكرة الثورة والتهميش والإقصاء نسبية جدا، لذا كان من الطبيعي أن تعرج الرواية عليها كحدث يمكن أن يكون هاما في حياة مجيد، والذي عبر عنه بصورة واضحة كمزيغي وسط عرب في دولة تحتضر، هكذا كان ومازال يرى الشارع في منطقة الشرق الأوسط: الثورة عامل فعال في حياة الأجيال التي يموت حلمها، مرارا وتكرارا أمامها في هذه المنطقة. دورنا ككتاب أن نكتب بلسانهم، بلساننا، بصدق ووضوح، لا نتخفى وراء أصابعنا، هكذا أفهم وأكتب.

باعتبارك لبنانية هل الرواية هي جزء من صورة لانعكاس المجتمع اللبناني نظرا للظروف السياسية، الاقتصادية والاجتماعية الذي يمر بها لبنان؟

بالطبع، قلت ذلك ضمنا، وقلته سابقا في معرض حديثي مع الناشرة بيسان عدوان وقت إصدار الكتاب

المنكوح هي من الروايات الإيروتيكية نظرا لمحتواها الجريء الذي يكسر الطابوهات وهي نوع من التحرر من ثقل المكبوت التاريخي الرازخ على فكر المرأة والرجل معا. ماهي التحديات التي واجهتك في إخراج هذا العمل الإبداعي المثير للجدل؟

أولا؛ وبشكل قاطع، الرواية لا تمت للأدب الأيروتيكي، لا أفهم لماذا أخذت هذا المنحى، نعم الرواية تكسر الطابوهات، وسأكمل كتابة على هذا النمط، دون أية قيود، دورنا ككتاب لحماية النص، قبل عرضه أن نمنحه حريته الكاملة، وهنا ينتهي دورنا مع الرواية. عن التحديات؛ كانت فقط في عملية إخراجه ونشره، رفضته دور كثيرة، بدون أسباب، وأخرى لأسباب تخص الإنتاج الثقافي، وتم التحفظ على بعض جمل باعتبارها ازدراء أديان، أو غيرها من التحفظات، لكنه خرج في النهاية كما كان يجب أن يخرج، فقط وصول الرواية الآن لقارئها هو ما أعاني منه، ليس بشكل منفرد لكن كمشكلة عامة في النشر بالمنطقة. كانت التحديات فقط لنشر النص بالصورة التي أرضى عنها.

هل الإيروتيكية مرجعية حقيقة لانحطاط وجودي ولواقع همجي مقشر من انسانيته ، عار إلا من قيمه المزيفة وتناقضاته الهستيريّة؟ تقييمكم لواقع الأدب الإيروتيكي بالعالم العربي؟ 

الإيروتيكية في الكتابة تقنية، شديدة الجمالية، لكنها شديدة التعقيد، لا يمكن أن أكتب نصا إيروتيكيا، أبدا إلا إذا كان يتسم بصفته فعليا، صادق، وواضح؛ المنكوح لم تكن رواية أيروتيكية لأنني لم أقصدها كذلك، لا أمانع في كتابة رواية أيروتيكية، إذا ألحّت الفكرة، ونجحت في بنائها. قديما كان من السهل كتابة أدب أيروتيكي، كان من السهل جدا، الظرف العالمي والعزلات داخل القبليات، المجتمع البطيء كما عبر كونديرا، كل ذلك يؤثر، بالطبع، الآن من الصعب كتابة أدب أيروتيكي لأسباب تخص المجتمعات، الكتاب (ليسوا قلة)، هذا حديث يطول، يمكن التباحث فيه بعيدا عن مقابلة صحافية.

مشاريعك الأدبية القادمة..

في طور الانتهاء من كتابة  رواية، أفكر في نشرها، أفكر بعالم جديد الآن يمكن أن ينبت في شهور طويلة  ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تقديم رائع ولافت .. لفتني إلى الرواية والكاتبة معاً، شكراً أستاذي في إثارة هذا الكم من القضايا وتسليط الضوء عليها..

    معك نكبر، نحلق

    عفاف خلف

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube