حرب الكويت
حرب الكويت .
إذا كانت حرب الخليج الأولى، قد أخرت إلى حد ما تمدد التيار الشيعي بقيادة إيران، ووضعت حدا لاطماع نظام الملالي و توجهات الخميني التوسعية داخل المنطقة العربية، ف إن حرب الكويت سنة 1991 أعطت نفسا جديدا للحلم الإيراني التوسعية داخل الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية.
هذا الحلم ستعمل عليه إيران بنفس طويلة، طيلة عقد من الزمن ، داخل المنطقة العربية و خصوصا في العراق بتفتيت اللحمة الوطنية العراقية و ستكون له نتائج واضحة إبان الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003، هذا التفتيت و الشرخ للجبهة الداخلية المجتمعية، سيساهم بشكل كبير و سيسهل عملية احتلال العراق و إسقاط نظام صدام حسين و بالتالي إسقاط العقل العربي و معه الحلم العربي بتحقيق المناعة الذاتية للأمة العربية والإسلامية و ذلك عبر امتلاك القدرات العلمية و التكنولوجية و التقنية و القوة الردعية لرفع تحديات الصراع الحضاري و تحقيق التحرير و التحرر الشاملين، تحرير فلسطين و التحرر من قيود التبعية السياسية و الثقافية و الاقتصادية ،أي تحرير الأرض وتحررالإنسان،الفكري و العقدي.
كان احتلال العراق بمثابة الطعنة الغادرة التي قصمت ظهر الأمة العربية والإسلامية و بالتالي استباحة كل هذا الحيز الجغرافي الكبير، أي استباحة كل المنطقة العربية بقدها و قديدها، و الغريب هو تسليم ليس العراق فقط لنظام الملالي بإيران، بل تسهيل مد يد إيران لتطال كل المنطقة العربية شرقا و غربا. ف النفوذ الإيراني أصبح واقعا مفروضا من المحيط الأطلسي و حتى دول الخليج العربي.
حرب الكويت، أدخلت المنطقة العربية، في زوابع سياسية داخلية و صراعات هامشية عربية عربية و أخرى داخل القطر الواحد مزقت اللحمة الوطنية داخليا و ادخلتنا في صراعات سياسية و سلطوية أخرت كل نهضة تنموية و اقتصادية واجتماعية لنا، بل الفظيع هو أننا سقطنا في فخ الصهيونية، بتجاهلنا عن قضيتنا الأساسية في صراعنا الوجودي و الحضاري مع الإمبريالية و الصهيونية، تغافلنا عن القضية الفلسطينية، القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية. بل سقطنا في متاهات سياساوية ضيقة و دخلنا مرحلة التطبيع المهين و المجاني مع هذا الكيان المغتصب و الوهمي. تطبيع رخيص و مذل، بل و قاتل .
حرب الكويت ب حيثياتها و تداعياتها و مآلاتها الكارثية على العراق و على الأمة العربية والإسلامية ،كانت فخا و وقيعة سقط فيها النظام العراقي البائد. فخا من تدبير الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و الصهيونية و سقطت فيها النخب السياسية العربية برمتها، أولا لتبعيتها للغرب و ولاءها المطلق له. و قد كان هذا الفخ و المصيدة داميا و قاتلا و مدمرا وسالبا لمقدراتنا البشرية و المادية.
هذه النخب التي استمدت شرعيتها السياسية في الوطن العربي والإسلامي، بعد ظروف الإحتلال الاستعماري التي عاشتها الشعوب العربية في منطقتنا العربية، ظروف قاسية و ترقى إلى مستوى جرائم إبادة جماعية مورست لتطويع الشعوب المتمردة و المقاومة للاحتلال الاستعماري، و لنا في التاريخ عبرة بحيث تم فضح كل تلك الممارسات الفظيعة و الغير إنسانية في حق شعوب مسالمة و تواقة للحرية.
كانت هذه النخب في مجملها ذات وجهين، الوجه الوطني في النهار و الوجه الاستعماري بالليل. و للتاريخ فقد عرفت الساحة الجهادية و السياسية وطنيين حقيقيين، كافحوا من أجل أوطانهم و ادوا ثمنا غاليا من أجل ذلك.
كان المعمر أذكى، بحيث مكن اولائك الذين لهم الولاء المطلق له، فكرا و عقيدة و انتماء من السلطة، بعدما رأى قوة و بسالة الجهاديين و المقاومين الأبطال، الذين ارغموا المحتل على الرحيل . كانت استراتيجية المحتل المغادرة من النافذة لتفادي شر الهزيمة و الخسائر في الأرواح و العتاد، لكن عودته باتت مؤكدة من الباب العريض، بعدما ترك نخبا موالية له فكرا و عقيدة و انتماء.
عاشت المنطقة العربية فصولا جديدة، بين التبعية السياسية و الثقافية و الاقتصادية للمحتل، و قصر الرؤية للنخبة المدجنة و النخب السياسية المتعاقبة على السلطة، في عملية سياسية صورية بالمجمل، لأن السلطة المطلقة و الفعلية في يد الحاكم العربي .
عود على بدء، حرب الكويت، أظهرت ذلك الولاء الخفي لنخبنا المثقفة و السياسية، ولاء جلب للمنطقة العربية الدمار و القتل و الفوضى الخلاقة و الارهاب، إرهاب الآخر المحتل الغربي، الذي استباح بيضتنا و خيراتنا و مقدراتنا المادية و البشرية.
حرب الكويت، جاءت بالمحتل القديم و الجديد، لينوب عنا في حل مشاكلنا البينية و الداخلية لكل قطر على حدى، في غياب الجامعة العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي و الاتحاد الافريقي، و في غياب الإرادة السياسية لنخبنا العربية في رفع التحدي و إيجاد حلول للمعضلات السياسية و النزاعات بين الأقطار العربية والإسلامية و الافريقية، بل في عدم قدرتها على ذلك بسبب التبعية للغرب و الأجندات السياسية الضيقة و الرؤى الكيدية بين الفرقاء السياسيين داخل الأوطان ،
و بين نخبنا العربية في نزاعاتنا البينية بين الأقطار العربية. نزاعات وهمية، خلفتها الحقبة الاستعمارية البغيضة للتفريق بين الأمة العربية والإسلامية، و قد تم استخدامها بدهاء كبير لتيسير مصالح الغرب أولا و كانت ورقة رابحة في يد الحاكم العربي و النخب السياسية و المثقفة المدجنة لاستعمالها في رؤى إيديولوجية ضيقة مثل وتر القومية و الوطنية، و لربطها بالقضايا المصيرية و جعلها أولى الأولويات، فيما يتم تأجيل كل تنمية حقيقية للنهوض بالاوطان.
أزمة الكويت و حرب الكويت، عرت حقيقة الحاكم العربي و النخب السياسية و النخب المثقفة الهجينة و المدجنة و خلقت توترا فكريا عند المفكر العربي الذي بدأ يعيد طرح الأسئلة الصعبة حول الهوية و الانتماء و السلطة و الآخر و حول هذا التقوقع و التخلف عن الركب الحضاري الذي نعيشه، و حول المستقبل و عن السبل الكفيلة لاخراجنا من هذا الهوان و المصير المخزي.
رواسب العهد الاستعماري، تعيق مسارنا، نحو إقلاع حضاري جديد. من دون التجرد و الدعوة إلى مصالحات مع الذات العربية والإسلامية ،لا يمكننا الخروج من المأزق الحضاري الذي وقعنا فيه.
أحمد الونزاني.