مستجداتمقالات الرأي

سجنُ الجسد والروح لايُبيحُ سجنَ العقل والوجدان!

محمد الشرقاوي

هي معادلةٌ غيرُ متسقة بين الغاية من العقاب وآلية السجن في تكريس السلطة من ناحية، ووضع السجين وحقه في المعرفة واستكمال دراسته وفق اتفاقية اليونسكو وبقية المواثيق الدولية لمناهضة التمييز في التعليم من ناحية أخرى. وهذه معادلة تختزل الوضع الراهن لأحد معتقلي الريف نبيل احمجيق الذي يشكو حرمانه من التسجيل في سلك الماستر بجامعة محمد الاول بوجدة “بشكل متعمد”، كما جاء في رسالته إلى الرأي العام.
تنمّ خشية هذا المعتقل عن الحدود التي تمتد إليها العقوبة في تبريرها القانوني، وأين تخرج عن نطاق ما ينص عليه قرار المحكمة والقوانين التي استند إليها والعلاقة بين القانون والسلطة. ويتحدث الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه الشهير Surveiller et punir: Naissance de la prison “المراقبة والعقاب: ميلاد السجن” عن التكنولوجيا السياسية للجسد عندما تتحول العقوبة من الجسد إلى الروح، ليست نتيجة جهود حقوقية ولكنها تقنية من تقنيات السلطة وبعد لتكتيك سياسي. وينبّه فوكو أيضا إلى فرضية الانتقال إلى أسلوب العقوبات اللاجسدية، بمعنى “ألا يكون الجسد هو المقصود باللعبة الطقسية للآلام المبرحة، وبالوسمات البارزة ضمن طقسية التعذيب، بل أن يكون الفكر.”
ينبغي أن يتأمل المرء حقيقة أن أي سجين بسبب جرم معين أو معتقل رأي بسبب محاكمة سياسية لفترة طويلة يعيشان على اثنين من الآمال الكبرى: ١. الحفاظ على صحته الجسدية رغم أهوال السجن والتغذية غير الصحية، و٢. الحلم بتحقيق الذات من خلال الطموح المعرفي الأكاديمي. ويمثل نبيل احمجيق مثالا من نماذج عدة من أصل 11 مليون سجين ومعتقل عبر العالم، ممن يصبح التحصيل الدراسي لديهم من أدوات المقاومة وإدارة سنوات السجن نفسانيا وذهنيا.
في المقابل، “يمكن الحكم على درجة الحضارة في المجتمع من خلال معاينة سجونه”، كما قال دوستويفسكي. وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015 ما أصبح يعرف باسم “قواعد نيلسون مانديلا”. وقد عايش هذا الزعيم الجنوب أفريقي محنة السجن لقرابة 28 عاما، وقال ذات يوم بعد إطلاق سراحه “لا أحد يعرف حقًا أمة حتى يكون داخل أحد سجونها. يجب ألا يتم الحكم على الأمة من خلال معاملتها لأعلى مواطنيها، لكن على معاملتها لأقل مواطنيها.”
تاريخيا، اهتدت أغلب دول العالم إلى الجدوى من فسح المجال أمام السجناء والمعتقلين لاستكمال دراستهم، وأن من شأن ذلك أن “ينظم العقل ويصلح لتلقي الأفكار والمبادئ التي تجعل أصحابها مواطنين صالحين”، وهذا اقتباس مما كتبه زيبولون بروكواي المشرف على إصلاحية إلميرا في نيويورك، وهو أول برنامج تعليمي رئيسي سعى لإعادة تأهيل السجناء في الولايات المتحدة عام 1876.
هناك دول سبقت الولايات المتحدة في هذا المجال ومنها بريطانيا حيث دعا قانون روبرت بيل عام 1823 لتنظيم فصول القراءة والكتابة في جميع سجون البلاد. وكانت السويد رائدة عندما أقرّت أن يكون تعليم السجناء إلزاميا عام 1842. وحتى دول المعسكر الاشتراكي تبنت الفكرة ذاتها. فقرر الاتحاد السوفييتي عام 1918 توفير التعليم للسجين جنبًا إلى جنب مع قضاء العقوبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube