حواراتفضاء الأكادميين

رشيد أيلال…ونهاية أسطورة صحيح البخاري (الجزء الثاني )

«المزج النكد بين الدين والسياسة وصناعة نصوص موازية للقرآن»

د. محمد بدوي مصطفى

< الأستاذ أيلال سعيد بكم في الحلقة الثانية من حوارنا الذي يدور حول حرية الفكر والتفكير والجهر بها، لا سيما فيما يخص مقالاتكم، مداخلاتكم ومؤلفاتكم التي شاعت في كل أنحاء المغرب والدول المجاورة وأود أن أفتتح الحوار بآية قرأتها المستشرقة الألمانية أنّه ماري شيميل في حفل تكريمها كرائدة لنشر الفكر الشرقي، كُرّمت لأنها نقلت قصط وافر من الأدب والشعر والفلسفة إلى اللغة الألمانية، فهي ترجمت ونقلت الكثير الوفير من الفكر العربي والشرقي عمومًا إلى لغة الشاعر جوته. وفي ذاك الحفل المذكور أعلاه، بدأت محاضرتها بقراءة الآية التالية: ( لا إكراه في الدين). ماذا تعني هذه الآية للكاتب والمؤلف والمثقف رشيد أيلال، شخصيًا وعلى الصعيد العام في بلادنا العربية؟

> سعيد بمواصلة الحوار معكم، ففي ثناياه ومن خلاله نعبر عن همومنا الفكرية، وآمالنا الإنسانية، بالنسبة للآية القرآنية ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) أعتبرها برزخا فاصلا بين عالمين، عالم لا مكان فيه للحرية، وبالتالي فهو عالم القهر، والفردانية، والدكتاتورية، والكهنوت، والإكراه، والنفاق، والشقاق، وعالم آخر على النقيض مقابل ومضاد لعالم الإكراه، وهو عالم الحرية والعدل والكرامة والإنسانية.

إذن لدينا نص قرآني واضح، لا لبس فيه ولا التباس، وهو نفي الإكراه في الدين، أو الإكراه على الدين، فالدين بطبيعته اقتناع فإيمان، لذلك تسقط كل الأحكام الفقهية – وما أكثرها – التي بمقتضاها يتم الإكراه في الدين، وبالتالي هذا النص يلغي بشكل آلي أيضا، فكرة أن الإسلام دين ودولة، لأن الدولة تملك سلطة الإكراه، من خلال الدساتير والقوانين، والقضاء، والجيش والأمن وغيرها من السلطات، بينما الدين لا يجب أن يملك هذه السلطات التي تملكها الدولة، لأنه سيتحول فورا إلى امتلاك وسائل الإكراه التي نفاها عن نفسه، وهذا يفسح المجال أمام العلمانية التي بمقتضاها يتم الفصل بين الدين والدولة، فيتخذ الدين في النظام العلماني دوره الطبيعي، في تخليق حياة الفرد المسلم في الدولة، وهنا يبرز سؤال آخر حول الولاء للدين، والولاء للوطن، وسيتعجب القارئ الكريم لمنبركم الإعلامي الموقر المدائن بوست، إذا علم بأن النص القرآني يعطي أولوية قصوى للولاء للوطن، مقابل الولاء للدين، وذلك في سورة الأنفال في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

هذه الآية تتحدث بجلاء عن أن أولئك الذين هم على نفس دينكم، وليسوا جزءا من وطنكم،  مالكم من ولايتهم من شيء، بينما أهل المدينة من أنصار ومهاجرين، باعتبارهم أهل الوطن الواحد وفيهم المسلم والمشرك واليهودي والمسيحي وغيرهم، فهم بعضهم أولياء بعض، وهذا هو المعنى الحقيقي لمبدإ لا إكراه في الدين.

< لقد استمعت بتشوق لمحاضرة لكم في سياق مؤتمر عالمي، فقلتم حينئذ عند تقديمكم للورقة الآتي:

يحار المرء حيرة عظمى، وهو يحاول أن يتناول موضوع حرية المعتقد في الإسلام، لأنه يجد نفسه أمام تجييش كبير لنصوص حديثية وفقهية، تؤسس وتسير كلها في اتجاه رفض حرية المعتقد، ومعاقبة كل مخالف في المعتقد الديني واضطهاده بل يصل المرء في العديد من الأحيان إلى إهدار دم هذا المخالف أو المختلف، الشيء الذي رسخ لدى كثير من فئات المجتمعات المسلمة، فكرة رفض الآخر المختلف عنا دينيا، أو مذهبيا، سيما إذا كان من خلفية مسلمة (مسلم سابق).

هل يمكن أن تفسر لنا خلفيات هذا الرفض وهذا العناد تجاه كل ماهو غير مسلم، علمًا بأن القرآن يقول بلسان المصطفى عليه السلام: (لكم دينكم ولي دين) وفي موضع آخر: (وجادلهم بالتي هي أحسن). تفسيركم يهم القارئ؟

>المزج النكد بين الدين والسياسة، فصناعة نصوص موازية للقرآن، اتخذت دينا، بل وناسخة للقرآن وقاضية عليه، تحت مسمى السنة تارة، وتارة أخرى تحت مسمى فهم السلف الصالح، أدت إلى السطو على مفاهيم التسامح والتعايش والتعارف التي دعا إليها القرآن، وإزاحتها من القاموس الفقهي، لتحل محلها مفاهيم الولاء والبراء، ودارت الحرب ودار السلم، وتكفير الكل حتى أهل الكتاب الذين قال عنهم القرآن (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

حتى هؤلاء كفروهم وأخرجوهم من الدين، بنصوص موازية، غريبة عن عبقرية النص القرآني وما يدعو إليه من حب، وروح تجمع ولا تفرق تحت شعار قوله تعالى ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).

إن مزج الدين بالسياسة جعل رجل السياسة يعمل على تصفية حساباته السياسية باسم الدين مع كل الفرقاء، وهذا أنتج قتل المرتد، وأسس للنص المصنوع والمنسوب للرسول (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى) هذا الحديث الغريب العجيب يتناقض بشكل رأسي وكلي مع كل الآيات الداعية إلا حرية المعتقد في النص القرآني، والدعوة لمجادلة المختلف عنا بالتي هي أحسن

< إنّ النص القرآني الكريم هو مرجعية لنا جميعًا، رغم ذلك فهل هو مصدر لكثير من دعاة الفضائيات لنشر خطاب الكراهية ومؤسسات الاضطهاد الديني لا سيما ضد المرأة والفتاة وهل سبب ذلك هروب الكثيرين من أبناء الأمّة إلى دول الديموقراطية الغربية؟ ما هي الأسباب، والخلفيات، ورأيكم يهمني: هل يمكن أن نصنع خطة مستدامة لمحاربة هذه الكراهية لمشاركة العالم في منظومة السلام والرفاهية وبناء الإنسان؟

> لم يكن القرآن يوما مصدرا للكراهية، لأن النص القرآني لا يترك فرصة بدون أن يكون خطابه عاما ب «يا أيها الناس»، أو إن الإنسان، أو غيرها من الخطابات التي تجمع ولا تفرق كتذكيره لنا بقوله (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا) وقوله ( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) لكن عقل الفقيه التراثي الذي زاوج بين الدين والسياسة، حيث كان في خدمة السلطان عبر قرون، استطاع أن يلغي كل تعاليم القرآن، لصالح نصوص موازية حلت محل الوحي لتصبح هي الوحي، ودعني أنبه لمسألة هامة، وتتعلق بكيف أن ابن العربي وهو رجل دين متصوف استنتج من القرآن بأن الحب هو الدين، والدين هو الحب، بقوله:

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي

إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ

فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ

وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ

وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن

أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ

ركـائـبهُ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني

وكيف تمكن النص الموازي للقرآن من سلب هذه الرؤية وإزاحتها من المشهد الديني، عند ابن حنبل الذي كان يقول:

إذا رأيت النصراني أغمض عيني كراهة أن أرى عدو الله.

هذا هو الفرق بين أهل الله أهل القرآن، وبين أهل الكراهية، أهل النص الموازي، وللقارئ أن يقارن ليحكم بين تصورين ومدرستين ومنهجين.

الأغرب من هذا كما تفضلتم، فإن معظم المسلمين الآن يركبون المخاطر كي يعيشوا في هذه الدول(الكافرة) لينعموا بعلمانيتها وديمقراطيتها، رغم أنهم يرفضون هذه العلمانية وهذه الديمقراطية في بلدانهم الأصلية، في رأيي ليس من تفسير لهذا سوى حالة الفصام في شخصية كثير من المسلمين.

حرية المعتقد وحرية الرأي والجهر به أمر هام وصار من ضروريات الحياة. هل ضمن لنا الشرع والسنة هذه الحريات؟ وهل هناك اختلاف في الشأن بين المدارس والمذاهب المختلفة؟ وكيف يمكن أن نعالج هذه المعضلة، دون أن ندخل إلى متاهات السياسة التي تشكل أيضًا في حدّ ذاتها عائقًا لا يستهان به؟

دعنا نتفق على أن النص القرآني يتحدث عن سنة الله، ولا وجود لشيء اسمه سنة الرسول، ومن جعلوا للرسول سنة، كانوا يشتغلون ضد المفاهيم القرآنية، والأصل أن ينسجموا مع النص القرآني باعتبار أنهم يقدمون أنفسهم على أساس أنهم ينطلقون من خلال النص القرآني كونه في نظرهم هو أول مصدر من مصادر التشريع، ودعنا نتفق أيضا على أن ما تسمى بسنة الرسول لم تكتب إلا بعد وفاته بأزيد من مائتي سنة، وبالتالي فنحن أمام روايات لا مصداقية لها، لأن مدونيها لم يكونوا شاهدي عيان، ولم يروا أو يقابلوا ولا واحد من شهود العيان، بين الرسول وتدوين أفعاله وأقواله وتقريراته، أزيد من خمسة أجيال، لهذا فإن نصوص الكراهية المبثوثة في كتب الحديث والسيرة، هي مجرد أوهام وأكاذيب على سيرة الرسل العطرة، التي لخصها القرآن بقوله: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فأي رحمة في هذا النصوص الحديثية التي سأسردها عليكم بعجالة وهي عينة فقط من كم أكبر  بكثير ( من لم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق) ( لقد جئتكم بالذبح) (أنا الضحوك القتال)( نصرت بالرعب) (وددت أن أغزو ثم أقتل ثم أبعث ثم أغزو ثم أقتل ثم أبعث ثم أغزو ثم أقتل ثم أبعث). هذه الأحاديث وضعها أولئك الذين كانوا مغرمون بالتوسعات الاستعمارية تحت مسمى الفتوحات الإسلامية، والحل الأمثل لهذه الكراهية التي تنتجها هذه النصوص، هو أن تجفف منابع الكراهية، بتنقيح هذه الأحاديث، وإعدامها من كتب الحديث، لأن بقاءها يساوي بقاء تلكم الكراهية، وأن يحل محلها القرآن، لن بتفاسير معاصرة، فمال فهمه الأموات من الإسلام لسنا ملزمين باتباعه، فلكل عصر أهله ورجاله ونساؤه من المجتهدين والمفكرين، الذين لديهم سقف معرفي، يتجاوز بسنوات ضوئية، السقف المعرفي الذي وصل إليه الأجداد.

< كيف ترى التطور في هذه الحريات في بعض البلدان الإسلامية التي تراجعت بصريح العبارة من قبل شيوخها وأئمتها عن ما سموه من قبل النهضة الإسلامية. وقد سمعت بعض الشيوخ يعتذرون، ومنهم من حلل أشياءً كانت لديهم من المحرمات المسلم بها. كيف تقرأ هذا التغيير الجذري في المعاملات وهل هو محمدة أم هو غير ذلك؟

نعم هناك خط ردة عن الفكر السلفي الوهابي حقيقي نشهده في بعض الدول وعلى رأسهم السعودية، فقد أحدث الاختيار الحداثي للأمير محمد سلمان تغييرا واضحا في البنية الفقهية لهذه الدولة، وشهدنا عجبا من شيوخ الفضائيات الذين كانوا يكفرون الكل، وكانوا يحتقرون المرأة، بل منعوها حتى من حقها في قيادة السيارة، وحرموا الفن بكل أنواعه وأضربه، فسرعان ما غيروا النغمة، وعرفوا على أوتار التوبة من التطرف والجهلوت والتشدد، واعترفوا بأن فتاواهم ليست من الدين، ولا تمت إليه بصلة، لكن دعني لا أخفيك خوفي الشديد من أن لا تكتمل عملية التغيير هذه، لأني أرى أن التغيير الذي يأتي به فرد، قد يأتي فرد آخر فيذهب به، وأنا لا أحب أن أشم العبير من الورود البلاستيكير، أنا مع التغيير عندما يكون حقيقيا، تأتي به النخبة المثقفة من متنوري هذه الدولة، ثم بعد ذلك يتبناه الشعب فالدولة.

يتعلق بالسوال السابق:

الانفتاح السريع على حريات لم تكن معهودة في بعض البلاد قد يسبب انفصام في الشخصية وربما يأتي بعواقب وخيمة نرجئها للسرعة المتناهية في التطبيق. رغم أنني من مساندي هذه التحولات في سياق الحريات العامة وانفتاح بلداننا على العالم، لنتمكن من مصاهرة الأجناس الأخرى (إنَّا جعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا) أليس كذلك. كيف تفسر هذا التطور السريع وكيف تقرأه؟

دعني أسميها مظاهر التغيير وليست تغييرا، فعندما يكون التغيير تمظهرات شكلية وليست جوهرية، لا يمكن أن نسميه تغييرا حقيقيا، فلا يكون التغيير حقيقيا، إن لم يستغرق الوقت الكافي في ترسيخ مفاهيمه لدى فئات عريضة من المجتمع، تتزعمها نخبة المفكرين والفلاسفة والمتنورين عموما، ثم ينصهر الشعب بكل فئاته في هذا التغيير، الذي تتبناه الدولة بعد ذلك متمثلة في القائمين على الشأن السياسي للدولة، ليتم ترسيخ التغيير في المناهج الدراسية، والمنابر الإعلامية، والمؤسسات الثقافية، وأيضا الدينية، ليسهم كل واحد من موقعه في هذه العملية، وأرى أن ما ساعد على تسريع وثيرة مظاهر التغيير، هو الانترنيت الذي جعل العالم قرية واحدة، وبات التأثير بين كل الشعوب أمرا أسهل من ذي قبل، كل هذا مكن وسيمكن من تسريع هذه الوثيرة بشكل قوي، لكن علينا أن نكون حذرين، فالتغيير  القوي والحقيقي يجب أن يكون جوهريا ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا كان مؤسسا على قواعد متينة تبدأ من البيت في اتجاه الشارع، عبر مؤسسات الدولة.

< يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى:

(الكفار لا يملكون مالهم ملكا شرعيا ولا يحق لهم التصرف فيما في أيديهم والمسلمون إذا استولوا عليها فغنموها ملكوها شرعا لان الله أباح لهم الغنائم ولم يبحها لغيرهم).

ما تفسيركم لهذا القول ونحن في قلب الألفية الثالثة؟ كيف تقرأه بعين العصر؟

الفكر التيمي عموما يشكل أكبر خطر على الأمة الإسلامية جمعاء، لو كان هذا الفكر قرئ في سياقه التاريخي، وبقي رهين ظروفه التاريخية، لما كان لنا نحن في الألفية الثالثة، أي مشكل مع هذا النص، لكن المصيبة العظمى، في التيارات الإسلاموية التي باتت تتبنى مثل هذه النصوص التي هي غير مقبولة في عصرنا وزماننا، بل تعتبر نشازا وتطرفا غريبا، وتريد أن تطبقها، وهذا ما أنتج الإرهاب الذي عانينا ويعاني منه العالم أجمع، وأنا جد مستغرب، من كثير من الدول الإسلامية، التي تعلن في خطاباتها الرسمية بأنها ضد الإرهاب، لكن لا تزال تعطي هالة كبيرة لابن تيمية وتعتبره شيخ الإسلام، وتطلق اسمه على مدارس ومعاهد وأحياء ومجمعات سكنية، بل وتقام الدراسات وتنجز الأطروحات في فكره، مؤيدة وباعثة لرفاتها، حتى انتعش هذا التيار المتطرف، لذلك دائما أقول بأنه لا يمكن أن نكون إنسانيين، ولا يمكن أن نؤسس للسلم والسلام والمحبة مع باقي العالم، إذا لم نقطع مع مثل هذه الأفكار، وأن تناقش كجزء من تاريخنا يفسر حركيته في راهنيتها وظروفها وأحوالها المرتبطة بهذا التاريخ، لا أن يعتبر دينا وجب تطبيقه، فهذه الأفكار نبتت من الأرض ولم تنزل من السماء.

< نجد الكثير من بنات العرب وأبنائهم يدخلون في ديانات أخرى، أو يتركون دينهم الإسلام، ما حكم هذا في كتب الحديث والسيرة؟ وكيف يمكن أن نجابه هذه القضية برؤى عصرية تتناغم مع ديننا الحنيف. 

ولقد تحدث الإمام النووي عن هذه الأمور باسهاب. عد بنا إلى تلك المراجع واعطنا رؤيتكم عنها وعن كيفية الحلول

> طبعا النصوص الحديثية والنصوص المسماة شرعية كلها تسير في اتجاه قتل ابنائنا وبناتنا الذين يغيرون الدين الإسلامي الموروث إلى معتقدات أخرى، ضدا على القرآن الكريم، وهنا يمكن أن نتحدث عن أحاديث من مثل ( من بدل دينه فاقتلوه) أو ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) وكانت هذه ىالنصوص مرتعا خصبا لخيال الشيوخ في الإفتاء العجيب والغريب، ومحفلا خاصا لبث الكثير من السموم، وفي هذا يندرج ما قاله النووي عن قتل المرتد: ( وقد أجمعوا على قتله لكن اختلفوا في استتابته هل هي واجبة أم مستحبة وفي قدرها وفي قبول توبته وفي أن المرأة كالرجل في ذلك أم لا فقال مالك والشافعي وأحمد والجماهير من السلف والخلف يستتاب ونقل بن القصار المالكي إجماع الصحابة عليه وقال طاوس والحسن والماجشون المالكي وأبو يوسف وأهل الظاهر لا يستتاب ولو تاب نفعته توبته عند الله تعالى ولا يسقط قتله لقوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه وقال عطاء إن كان ولد مسلما لم يستتب وإن كان ولد كافرا فأسلم ثم ارتد يستتاب واختلفوا في أن الاستتابة واجبة أم مستحبة والأصح عند الشافعي وأصحابه أنها واجبة وأنها في الحال وله قول أنها ثلاثة أيام وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد إسحاق وعن علي أيضا أنه يستثاب شهرا قال الجمهور والمرأة كالرجل في أنها تقتل إذا لم تتب ولا يجوز استرقاقها هذا مذهب الشافعي ومالك والجماهير وقال أبو حنيفة وطائفة تسجن المرأة ولا تقتل وعن الحسن وقتادة أنها تسترق)

الأبدان تقشعر لسماع هذه الفتاوى التي اختزنتها كتب التراث، وتعامل معها شيوخنا ومن يدور في فلكهم على أساس أنها هي الدين، فكانت مخرجات هذه النصوص إرهاب القاعدة وداعش وطالبان وحركات الجهاد الإسلامي وبوكو حرام، والأنظمة الشمولية الدكتاتورية في كثير من البلدان الإسلامية.

< ختام:

كلمة أخيرة لنختم الحلقتين

> أدعو من خلالكم إلى ضرورة أن نتصالح مع أنفسنا والعالم، من خلال أعادة اكتشاف النص القرآني وقراءته على ضوء المواثيق الدولية، وعلى ضوء العلوم المتطورة، وعلى ضوء قوله تعالى (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) لأن أسوأ القول هو ما ورد في تراثنا الإسلامي القروسطي، مع كامل الأسف، كفانا تقديسا للأموات الذين باتوا يحكموننا من قبورهم، عبر منتوجاتهم الفكرية والفقهية، والتي تحاكي روح عصورهم، والتي تجافي تماما عصورنا، دعونا نستلهم من النص القرآني ما نخلق به حياتنا الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، دعونا نجدد خطابنا على أرضية القيم المشتركة بيننا وبين بني الإنسان فلقد خلقنا الله من أجناس عدّة ولنتعارف فنحن أمامه وأمام القانون سواسية كأسنان المشط، وحتى لو وقف الواحد منّا أمام ضوء الشمس بسحنته أيًّا كانت، فسوف يكون لكل منّا نفس الظل، بسحنته السوداء. ولله في خلقه شؤون.

أشكركم صديقي السي بدوي على اتاحة الفرصة لي لأتحدث عن هذه الأمور الملّحة والتي أعتبرها الأهم في بناء الإنسان الحضاري المسلم على الإطلاق، والشكر موصولًا لصحيفتكم الغراء المدائن بوست لفسح المجال لي لطرح أفكاري وإيماني بهذه القضايا، فأنتم تعملون بمبدأ الرأي والرأي الآخر. وفقكم الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube