احمد رباصمستجدات

الفلسفة اللاعقلانية.. مبادؤها، نشأتها وتطورها

أحمد رباص – حرة بريس

مذهب اللاعقلانية في الفلسفة حركة فلسفية ظهرت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وافترضت أنها جاءت لتغني إدراك الحياة البشرية من خلال توسيعها إلى ما وراء العقلاني في سائر أبعاده.
باعتبارها متجذرة إما في الميتافيزيقيا أو في الوعي بفرادة التجربة الإنسانية، شددت الفلسفة اللاعقلانية على أبعاد الغريزة والشعور والإرادة التي تتجاوز العقل وتعاكسه.
كان هناك فلاسفة لاعقلانيون قبل القرن التاسع عشر. في الثقافة اليونانية القديمة – التي يتم تقييمها عادة على أنها عقلانية – يمكن تمييز إرهاصات ديونيسية (أي غريزية) في أعمال الشاعر بندار، لدى المسرحيين، وحتى لدى فلاسفة مثل فيثاغورس وإمبيدوكليس وأفلاطون.
في الفلسفة الحديثة المبكرة – حتى أثناء صعود العقلانية الديكارتية – تحول بليز باسكال من العقل إلى الإيمان الأوغسطيني، مقتنعًا بأن “للقلب أسبابه” التي لا يعرفها العقل على هذا النحو.
جاء المد الرئيسي لللاعقلانية، مثله مثل الرومانسية الأدبية التي هي في حد ذاتها شكل من أشكال اللاعقلانية، بعد عصر العقل وكان رد فعل عليه. وجدت اللاعقلانية أن جوانب كثيرة في حياة الروح وفي تاريخ البشرية لا يمكن التعامل معها من خلال الأساليب العقلانية للعلم. تحت تأثير تشارلز داروين ولاحقا سيغموند فرويد، بدأت اللاعقلانية في استكشاف الجذور البيولوجية واللاشعورية للتجربة. ظهرت البراغماتية، الوجودية والحيوية (أو “فلسفة الحياة”) كلها كتعبير عن هذه النظرة الموسعة للحياة والفكر البشري.
بالنسبة لآرثر شوبنهاور، الفيلسوف اللاعقلاني النموذجي في القرن التاسع عشر، تعبر الإرادوية عن جوهر الواقع – إرادة عمياء بلا هدف تتغلغل في الوجود كله. إذا كان العقل، إذا، ناشئا عن عملية بيولوجية صامتة، فمن الطبيعي أن نستنتج، كما فعل البراغماتيون، أنه تطور كأداة للتكيف العملي – وليس كعضو مسؤول عن السباكة العقلانية في الميتافيزيقا. وهكذا جادل تشارلز ساندرز بيرس وويليام جيمس بأن الأفكار يجب تقييمها ليس من منظور المنطق ولكن من حيث نتائجها العملية عند وضعها على المحك.
تم التعبير عن اللاعقلانية كذلك في النزعة التاريخية والنسبية لفيلهلم ديلثي، الذي رأى كل المعرفة مشروطة بالمنظور التاريخي الخاص بالفرد ومن ثم حث على أهمية Geisteswissenschaften (العلوم الإنسانية). كما سعى يوهان جورج هامان، رافضا التكهنات، إلى الحقيقة في الشعور والإيمان والخبرة، وجعل القناعات الشخصية معيارها النهائي. وقام فريدريش هاينريش جاكوبي بتمجيد اليقين والوضوح في الإيمان على حساب المعرفة الفكرية والإحساس.
اتجه فريدريك شيلينج وهنري بيرجسون، اللذان كانا منشغلين بفرادة التجربة الإنسانية، إلى النزعة الحدسية، التي “ترى الأشياء غير المرئية للعلم”. لم يتم التنصل من العقل نفسه؛ بل كل ما هناك أنه فقد دوره القيادي لأن الرؤى الشخصية لا تخضع للاختبار.
في مظهرها كنزعة حيوية، كانت فلسفة برجسون – وكذلك فلسفة فريدريك نيتشه – غير عقلانية من خلال التمسك بهذا الدافع الغريزي، أو الديونيسي، في قلب الوجود. نظر نيتشه إلى القواعد الأخلاقية على أنها أساطير وأكاذيب وعمليات احتيال تم إنشاؤها لإخفاء القوى العاملة تحت السطح للتأثير على الفكر والسلوك. فبالنسبة له، الله مات، وبالتالي فالبشر أحرار في صياغة قيم جديدة.
وسع لودفيج كلاجس من نطاق فلسفة الحياة في ألمانيا من خلال حثه على أن الينابيع اللاعقلانية للحياة البشرية “طبيعية”، ويجب اتباعها في جهد متعمد لاستئصال العقل العرضي؛ وجاء أوزوالد شبنجلر ليفتح فلسفة الحياة على التاريخ، الذي اعتبره حدسيا عملية غير عقلانية للنمو العضوي والانحلال.
في الفلسفة الوجودية، يئس كل من سورين كيركيغارد وجان بول سارتر وألبير كامو من إضفاء دلالة على العالم غير المنسجم. واختار كل منهم بديله الخاص عن العقل – طفرة إيمان، حرية راديكالية، وثورة بطولية، على التوالي.
بصفة عامة، تعني اللاعقلانية إما (في علم الوجود) أن العالم خالٍ من البنية العقلانية والمعنى والغرض؛ أو (في نظرية المعرفة) أن العقل معيب بطبيعته وغير قادر على معرفة الكون دون تشويه؛ أو (في الأخلاق) أن اللجوء إلى المعايير الموضوعية لا طائل من ورائه؛ أو (في الأنثروبولوجيا) أن الأبعاد السائدة في الطبيعة البشرية نفسها غير عقلانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube