مستجداتمقالات الرأي

“محاربة التسول، قضية الجميع”

نزهة الكوشي كاتبة راي ومدونة

لكل من هاجم السيدة هند العايدي رئيسة جمعية “جود” و   التي طالبت بعدم مد الأموال   للأطفال المتسولين متهمين إياها أنها تمنع الصدقة و الإحسان. هل أعطيتم لنفسكم مهلة الإستماع بتمعن كي تفهموا قصدها و مغزى شريطها النبيل؟إلى متى نقتات من الصدقة ؟ إلى متى نمد الأيادي السفلى اليائسة؟ متى الإنطلاقة الفعلية نحو مجتمع الكرامة و توزيع الثروات بعدل؟ إلى متى نغطي شمس استغلال الأطفال بالغربال و نسقي نبتة اللامبالاة القاتلة؟ إلى متى نصفق ببلاهة لكل من يعطينا مالنا بالتقسيط و هو منا و إلينا؟ و نحن أحق به كي نعيش بكرامة و لأجل أن  يدرس أبناؤنا في مدارس تحترم عقلهم و تأتي بإجابات مباشرة لمتطلباتهم بشتى أنواعها؟كيف يعقل ألا تستيقظ ضمائرنا إزاء ظاهرة اجتماعية قيل و كتب عنها الكثير لكن لا حياة لمن تنادي؟لماذا ننتظر دائما قتل حمزة و اغتصاب لبنى و عائشة و مريم و   نوفل و كل الأسماء الممكنة  كي نندد؟ و نطالب بحقوق الطفل؟ و نولول؟ و نغير صور بروفايلاتنا بالمواقع الإجتماعية لمدة أسبوع أبله  مطالبين بالقصاص و حق الطفولة المهدور؟أليس بمدنا درهما أو درهمين لطفل لا نعرف من هو ومن أين أتى و أين ينام و كم مرة يغتصب في كل الأماكن المتاحة ،أليس بفعلنا ذلك نضع أنفسنا -بحسن نية- في موقع المساهم في الجريمة ؟
هل تعرفون حسب أحصائيات اليونسيف عدد الأطفال المتشردين بالمملكة المغربية؟ 25000 طفلة و طفل معرضين يوميا  للإستغلال البشع بشتى أنواعه، و مجبرين على التسول بالشارع تحت إمرة مجرمين، رجالا و نساءا ، يختبئون  تحت جلباب التسول و ما هم إلا شياطين في هيئة بشر.كم مهولة هذه النسبة: 66 بالمئة من الأطفال الممتهنين التسول -دائما حسب الإحصائيات الرسمية -عمرهم أقل من أربع سنوات. تخيلوا مصير هؤلاء بعد عقد من الزمن. تخيلوا المآسي التي سيعانون منها و كيف سيولد ذلك مركب حقد لمجتمع برمته!هل يعلم من نعتوا  مخطئين السيدة العايدي بانعدام الإنسانية أن 27  بالمئة من هؤلاء الأطفال المستغلين بالتسول  سنهم أقل من سنة؟ هل تستطيعون تخيل هذه المأساة الإنسانية التي ترجعنا كصفعة على الخد لشخصيات” البؤساء” ونحن  في القرن الواحد و العشرين؟ كم مرة مررتم أمام أبواب  المخابز و الحلويات  و المساجد و الصيدليات و الأسواق بشتى أنواعها بالقرية و المدينة  و رأيتم بأم عينكم متسولات عجائز -و أحيانا شابات-  تحملن رضيعا نائما؟ ألا تعرفون أن المسكين مخدر أربع و عشرين ساعة على أربع و عشرين ساعة  بأدوية منومة  بدون أكل و لا شرب و لا نظافة؟ألم تتساءلوا  مثلا أن هذا  الطفل المتسول ذي العشر سنوات هو نفسه  ذاك  الرضيع لكن بعض مرور سنوات من الإستغلال و الظلم و الإغتصاب المتكرر و الضرب و العنف؟ و هو نفس الشاب الذي سيعترض طريقكم  يوما ما ؟ إذا كنا عاجزين عن فهم أن متسولة عجوز لا يمكنها أن تكون أما  و مرضعة لأسباب علمية محضة ، فلا يجب علينا أن  نتستر  تحت دوافع دينية واهية على جريمة نكراء تؤثت لمجتمع فاشل بكل المقاييس مستقبلا.المطلوب من كل ذي رجاحة  عقل و اتزان  ألا يساهم في عالم الفرجة الهزلي و المقيت الذي شرع في الإستحواذ و   الإنتشار أخيرا و الذي نزع منا روح النضج و الوعي حتى بتنا ندافع عن شاب مجرم قبض عليه ،مهاجمين بشراسة  رجل الشرطة الذي لم يقم إلا بواجبه المهني. نزع الفكر و المنطق  منا و وضعت مكانهما عاطفة مهزوزة ، مريضة،  تصفق ليوتيوبر تعيش من مدخول مؤخرتها و نتابعها بالملايين و نهاجم مواطنة واعية قامت بدورها الحضاري و نشرت شريطا تسائل من خلاله الضمائر الحية النادرة و الباقية في مجتمع اللامبالاة و الفرجة الغبية و إبهامات الإعجاب لأسرة تفضح بعضها البعض . مجتمع انقسم إلى قسمين ، هذا يؤيد الطرف الأول و يشجعه بالمتابعة و اللايكات و تلك تدافع عن الطرف التالي بكل ما أوتيت من قوة. و الباقي ضائع بين شرائط فتاة مغرورة تحمل رضيعتها أينما حلت و ارتحلت و تصور العشرات من الشرائط التي تدر عليها بالملايين شهريا بسبب فراغنا الروحي و الحسي. ما معنى كل هذا؟ معناه الواضح و  المبكي أننا لن نفلح في العيش في كنف مجتمع منتج يربح ماله قليله و كثيره بعرق الجبين. معناه أننا سنغرق في مستنقع الجريمة بكل أنواعها و سنقبل بجني أموال بعرق آخر نضيع فيه إنسانية ما فتئت تشحب و تئن بل تموت  تحت وطأة النفاق و الرياء و المسكنة ، مجتمع الدمى المتحركة و الكراكيز الغبية ، مجتمع “هنا و الآن” و من بعدي الطوفان، مجتمع الربح السريع بشتى الطرق، حتى لو كان ذلك على حساب شرفنا و عزة نفسنا.و إلا ، فكيف نتقبل وجود الآلاف من الأطفال المشردين بين ظهرانينا بدون أن نحرك جفنا و بدون المساهمة في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة ، الموجودة في كل مجتمع ، نعم أكيد، لكن بإمكاننا بمجهودات بسيطة الوقوف سدا منيعا  ضد كل من يستبيح إنسانيتنا و يسلب منا كرامتنا ؟علينا كلنا و بدون استثناء مساءلة وزارة الأسرة التي تتعامل مع كذا إشكاليات بطريقة موسمية شعارها ” نحن هنا ، ابتسم كي تطلع الصورة جميلة”. أجل، دورنا الحقيقي هو طلب تفسيرات من كل مسؤول  غض الطرف أمام استغلال الأطفال في الشوارع و المنازل.دورنا أن نطالب بالعدالة الإجتماعية لكل المواطنين كي نغير ما يمكن تغييره بسلاسة و بالقوانين. علينا أن نقتنع أولا قبل  إقناع الآخر أن الدولة -بجميع أجهزتها- مسؤولة عن عيشنا الكريم رضعا و شبابا و كهولا و شيوخا. علينا أن نتصرف مع الأجنة في بطون أمهاتهم كمواطنين كاملي الحقوق قبل مجيئهم للحياة بيننا. علينا أن نعرف أن طفل اليوم هو رجل الغد ….إذا ضيعنا حقه اليوم، فسينتشله غدا بالسيوف و السكاكين.إذا كان جزء منا غير قادر على تقبل أن تبوح مواطنة شجاعة بالمسكوت عنه، فأضعف الإيمان ألا يضع العصا في عجلة برنامجها ، هي و كل الشرفاء الذين يؤمنون أشد الإيمان أن الإقلاع الحقيقي لكل مجتمع يبدأ بالإنسان و ينتهي بالإنسان، و أي إغفال لهذه الحقيقة هو باب مشرع أمام الفوضى و الجريمة و الفتن.في انتظار يوم يقتنع به الباقون أن المجتمع الذي يقسم بين أيادي عليا و أخرى سفلى  هو مجتمع يحتضر ، مجتمع قاصر غير قادر على الخلق و الإبداع و الإنطلاقة الفعلية نحو النمو بكل أشكاله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube