مراد العمراني الزكاري

ربيع اللاهوت بين البروتيستانية و الوهابية

بقلم : مراد العمراني الزكاري برشلونة

ربيع اللاهوت بين البروتيستانية و الوهابية

الحرب على الإرهاب ومواجهة الأفكار المتطرفة، ليست هي الرواية الصحيحة كما يظن البعض، ويمكن أن نقرأ الرواية الأصلية لإمبراطورية الفوضى الغربية في منطقة الشرق الأوسط من التاريخ.
تلك الرواية المستنسخة من حرب الثلاثين عامًا في أوروبا، والتي اندلعت مع نهايات القرن السابع عشر، حينما انشق مارتن لوثر عن المذهب الكاثوليكي، وأسس للمذهب البروتستانتب، بدعوته للعودة إلى الكتاب المقدس، وقام بتشييد كنائس للبروتستانت، وبدأ الزحف على مناطق نفوذ الكاثوليك، ودخل لوثر في صراع مذهبي مع الإمبراطور الروماني المقدس فرديناند الثاني بصفته ملكًا بوهيميًا، الذي قام بدوره بفرض استبدادية الكاثوليكية الرومانية المطلقة على المناطق التى يسيطر عليها، مما أدى إلى ثورة النبلاء البروتستانت في بوهيميا والنمسا، فاندلعت حرب الثلاثين عامًا فى أوروبا.
جيوش من المرتزقة، قتلت وأبادت وحرقت وذبحت واغتصبت شعوبًا باسم الدين، ودمرت وخربت مناطق وأحياء بذريعة الكتاب المقدس، وسرعان ما انتشرت الحرب بتغلغل معظم القوى الكبرى في أوروبا، والتي إما اعتقدت أن هناك فرصة لقهر القوى المجاورة، أو تم سحبها إلى الصراع من قبل قوة غزو أراضيهم.
سجل المؤرخون هذه الحقبة، كواحدة من أكثر الفترات المدمرة في أوروبا، التي أتت لتدمير القارة العجوز، حتى تم التوقيع على سلسلة من المعاهدات سنة 1648، والمعروفة باسم صُلح ويستفاليا، التي أنهت الحرب، وأقامت نظامًا سياسيًا جديدًا بأوروبا، فى شكل دول ذات سيادة، عرفت بالأسماء الحالية للدول الأوروبية الموجودة على الخريطة العالمية.
أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، ومن قبله أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري زعيما تنظيم القاعدة، رفعوا نفس شعارات مارتن لوثر.. دين جديد لآبائنا المقدسين.. دولة الخلافة الإسلامية وفق أدبيات علم اللاهوت.. خلق إسلام يناسب الغرب.. ثورات ملونة على غرار حرب الثلاثين عامًا فى أوروبا. هذه المرة في الشرق الأوسط، ثم ويستفاليا جديدة تمحو دولًا عربية من الخريطة العالمية، وتؤسس لدول عربية جديدة.
عملية بلقنة الشرق الأوسط هذه، أفصح عنها المستشرق الداهية البريطاني الأمريكي برنارد لويس في مقال نُشر سنة 1992 بعدد من مجلة «مجلس الشئون الخارجية»، بعنوان «إعادة التفكير في الشرق الأوسط». وضع لويس تصورات عن احتمال تفكيك المنطقة إلى صراع واقتتال فوضوي بين الطوائف والقبائل والمناطق والأحزاب.
ويمكن تسميتها بعملية لبننة الشرق الأوسط، كما أطلق عليها لويس قائلًا: «نتيجة لذلك؛ تتفكك الدولة، كما حدث في لبنان، وتنخرط في صراعات واقتتال فوضوي بين الطوائف والقبائل والمناطق والأحزاب. وإذا سارت الأمور بشكل سيئ وانهارت الحكومات المركزية، يمكن أن يحدث الشيء نفسه ليس فقط فى بلدان الشرق الأوسط الحالية،
ولكن أيضًا في الجمهوريات السوفياتية المستقلة حديثًا؛ حيث الحدود المصطنعة التي رسمها سادة الاستعمار السابقون الذين تركوا كل جمهورية مع مجموعة من الأقليات والمزاعم من جيرانها».
كما تحدث الثعلب العجوز هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وعضو لجنة العلاقات الخارجية، في مدرسة فورد عن رغبته في رؤية سوريا «مناطق مستقلة ذاتيًا»، بالإضافة إلى مقارنة المنطقة بـ«حرب الثلاثين عامًا» في أوروبا. إذ يقول كيسنجر: «هناك ثلاث نتائج محتملة: انتصار الأسد – انتصار سني – أو نتيجة تتفق فيها مختلف الجنسيات على التعايش معًا، ولكن فى مناطق مستقلة نوعًا ما، حتى لا يمكنها أن تضطهد بعضها البعض».
هذه هي النتيجة التي أفضل رؤيتها، ولكن هذا ليس الرأي الشعبي. وأعتقد أيضًا أن الأسد يجب أن يذهب، ولكن لا أعتقد أنه هو المفتاح. المفتاح هو أنها مثل أوروبا بعد حرب الثلاثين عامًا، عندما كانت الجماعات المسيحية المختلفة تقتل بعضها البعض إلى أن قررت أخيرًا أن عليها أن تعيش معًا ولكن في وحدات منفصلة.
هذه أصل الرواية، إنه المستشرق الداهية برنارد لويس، كهنوت الحرب على الإسلام، وصانع الإسلاموفوبيا في عقول الشعوب العربية، وأيضًا الإسلامية، هذا الداهية الذي حدد أدبيات حرب الثلاثين عامًا في منطقة الشرق الأوسط، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تفكيك المنطقة إلى صراع واقتتال فوضوى بين الطوائف والقبائل والمناطق والأحزاب.
ومثلما حدث فى أوروبا من اقتتال، ثم معاهدة صلح ويستفاليا التى فككت الدول الأوروبية إلى شكلها الحالي، فالشرق الأوسط أيضًا يجب أن يكون على موعد مع ويستفاليا جديدة، بعد القتال والخراب والدمار كما أشار «هنرب كيسنجر»، والمفتاح هو أنها مثل أوروبا بعد حرب الثلاثين عامًا.
فهل نحن العرب نحتاج إلى “صلح ويستفاليا” الذي تمخض عنه مفهوم الدولة الوطنية والحفاظ على ما تبقى من الجيوش للعربية لمواجهة الفرس احفاذ المجوس؟,

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube