ديانات وعقائدمستجدات

الإعلام الديني بالمغرب: التجربة والمجال والسياق المغربي في العهد المحمدي;1

  • الحلقة الاولى –

محمد أكعبور

باحث في الخطاب والإعلام الديني

تقديم:

الإعلام صانع الخطاب المتداول بين الناس بامتياز بمختلف طبقاتهم ،وقد كان هذا الدور تؤديه النصوص الأدبية الشعرية منها في البلاد العربية والنثرية منها في البلاد غير العربية.

فالشعر ثقافة عربية فيما النثر ثقافة غربية وبتلاقح الثقافات اقتبست الأجناس من بعضها فصار الناس يبدعون في تلك الأجناس الأدبية وهي الأخرى شعب وأقسام للنقاد في تقسيماتها الإجرائية النصيب الأوفى والأوفر .

وقد أقول يحضر الإعلام بقوة قاهرة لصناعة خطاب متداول رسميا أو مدنيا والإعلام جنس واحد إنما تختلف رسائله وهي التي تحدد هويته.

في زمننا هذا أصبح التنافس على صناعة الخطاب مشروعا عبر قنوات عديدة ، الغلبة فيها للسياق والإقناع والإمتاع والسبق الإعلامي والصحفي .

ترى إذن ما دور الإعلام ؟هل فعلا صناعة الخطاب فقط، أم له أدوار ومهمات أخرى ؟

الأمر إليكم للتداول والنقاش.

من أجل بلورة إعلام ملتزم بالقضايا الكبرى للوطن ،إعلام هادف وقاصد ومهني صرف إعلام القرب من المواطنين من أجل استيضاح امور دينهم وشأن وطنهم في تلازم تام بين الهوية الوطنية والدينية للمغاربة والممثلة في الثوابت الدينية والوطنية

يظل الإعلام خاصية بشرية للإخبار والتوعية والتصحيح والترسيخ لقيم دينية ومجتمعية وحضارية ثقافية وبشرية عمرانية وجمالية مؤثرة على السلوك اليومي للفرد والمجتمع من أجل بلورة معارف وأفكار من إنتاج ثقافة بشرية، في إطار تفاعلي داخل محيط إنساني مختلف المشارب الدينية والثقافية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفنية والرياضية والإعلامية .

ويأتي الإعلام الديني ،جنسا من الأجناس التواصلية والإعلامية في زمن متأخر بالمقارنة مع الأجناس والشعب الإعلامية الأخرى السياسة والثقافية والدرامية والفنية والسينمائية والرياضية والإشهارية على مختلف الحوامل الثقافية من القرائي والسمعي والسمعي البصري والتواصل الاجتماعي- مواقع السوشيال ميديا- والرقمي الإليكتروني السريعة باستهدافها كتلة بشرية ضخمة وعريضة من مختلف المستويات المدرسية والتعليمية والعمرية والجنسية .

والإعلام الديني ،شعبة من الشعب الإعلامية ذات العمل الإخباري والتوعوي والتنويري والتنموي لبناء القيم المجتمعية بمقومات جمالية وتقنية وبخطاب وجداني وعاطفي بحمولة غيبية إيميانية وحيية إلهية ،وبفلسفة ترغيبية في الجزاء والثواب والأجر لدى الملقي والمتلقي –المرسل والمرسل اليه-.

وإذ المغرب فاعل نشيط في المحيط الإنساني والبشري بحوامل دينية وثقافية وحضارية وعمرانية واجتماعية واقتصادية وسياسية مشتركة مع المنتظم الكوني ،وأكثره خواص مغربية في الحوامل والأداء والإجراء والإنجاز والعمل والمقاصد والغايات النبيلة والهادفة في خدمة الإنسان المغربي والكوني أداء لواجب التبليغ السوي الناجي من الموبقات .

إذن ما هو مفهوم الإعلام الديني بالمغرب؟

ما سياق ظهور الإعلام الديني بالمغرب ؟

تلك إذن ،أسئلة كثيرة جوهرية وعميقة ،وبوعي باحث وباحترافية ومهنية كبيرة ،سنحاول الإجابة عنها سؤالا سؤالا.

1-مفهوم الإعلام الديني بالمغرب: وضع المفاهيم والتعريفات من مهام أهل اللغة والمعاجم والقواميس، أما تعريفنا لمفهوم الإعلام الديني بالمغرب ،فسنحاول أن نخضعه للقاعدة الجامعة المانعة في التحديدات والتعريفات.

ويعني المفهوم ما يعنيه في الاصطلاح الذي وضعناه له، ذاك الإعلام المتدخل في الإخبار والتنوير والتوعية الدينية لبث الأمن الروحي والمعنوي في نفوس المغاربة وذلك بربطهم بثقافتهم وحضارتهم وتقاليدهم وأعرافهم في العمل الديني الوظيفي- الشعائري والروحي والسلوكي ،في إطار الثوابت الوطنية والدينية، والتعريف بالمؤسسات الدينية والأنشطة والفعاليات المقامة انتظاما أو ظرفيا -موسميا –مناسبتيا بإشراف الفاعلين الدينيين الرسمين والمدنيين في تكامل وظيفي وتنسيق تام أداء للواجب الديني بما هو ميراث نبوي تولاه العلماء بالعلم والأمراء بالسياسة والعلم .

2- سياق ظهور الإعلام الديني بالمغرب: حسبما أدركنا ،فإن السياق محكم ومأول للخطاب، ما يعني أنه لا مجال لتأويلات أخر .وعليه، فإن سياق ظهور الإعلام الديني بالمغرب لا يخرج وبكل موضوعية عن هذه القناعات التي ترسخت لدينا منذ البدايات الأولى للمشروع.

نجمل هذا السياق في هذا الرباعي أسفله، على أن نفصل القول في كل عنصر على حدة:

الضبط والحاجة والقرب والتوازن .

الضبط : ضبط الشأن الديني بما هو أمر خاص وأمر عام.

خاص، باعتبار الإصدار والتوجيه بخصوصه بناء على مقتضيات البيعة الشريفة باعتبارها تقليدا وعرفا مغربيا لكون جلالة الملك أميرا للمؤمنين بمقتضى الفصل 41 من دستور المملكة 2011،(الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.

يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.

……………. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر)

عام ،باعتبار الممارسة من كونه شعائر يتولى أمرها والقيام بها الفاعلون الدينيون الرسميون والفاعلون الدينيون المدنيون المأذون لهم في إنابة عن الإمام الأعظم ،ويتولى أولئك النواب المقدمة في أداء هذه الشعائر ليقتدي بهم من خلفهم ويستمع إليهم إنصاتا عبر القنوات المعدة لذلك.

مواكبة لإصلاح الحقل الديني وهيكلته المعلن عنه يوم : 30 أبريل 2004 :خطاب جلالة الملك حول إعادة هيكلة الحقل الديني ،باعتبار الإصلاح سنة كونية يتولاها الأمراء باستشارة العلماء المنفذين للسياسة الدينية بالمغرب والمبلغين عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من في حكمهم ،والمأذون لهم بشهادات وتزكيات وهذه الأخيرة أصبحت تخضع لقانون جديد ينظمها تحت مسمى شهادة التأهيل من لدن مؤسسة العلماء –المجلس العلمي الأعلى –الذي أذن للمجالس العلمية المحلية بالتصرف في الأمر وفقا لتوجيهات مؤسسة إمارة المؤمنين وبتنسيق مع ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بحكم كونها قطاعا حكوميا ،المسؤول المباشر عن تنفيذ السياسة الدينية بالمملكة.

الحاجة : لقد ظهرت حاجة المجتمع المغربي لهذا النوع من الإعلام في إطار التنوع والتنويع الذي يطمح لأهدافه المجتمع البشري ،خصوصا في ظل ظهور التخصص الهادف للتدقيق والضبط وحصر الإشكالات قصد معالجتها ،والإعلام الديني حاجة مجتمعية ملحة كان لابد من سد هذه الحاجة ذات الطابع الاستعجالي فكان الموعد والتاريخ وتم :

*تدشين موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على الأنترنت يوم : 02 نونبر 2005 .

يعتبر بحق موقع وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية من ارقى المواقع الدينية الجامعة النافعة في كل باب اتيته ،من توفير المعلومة الدينية والمعلومة الصحفية الأخبارية وهو موقع مرجع في الشأن الديني بالمغرب الحبيب متجدد على مدار اليوم أو ساعات في اليوم وقد بكون فاصل التجديد ست ساعات تقريبا يديره صحفي مقتدر يمتلك من القدرات ما يجعله مشرف على موقع انيق يسهل البحث في دهاليزه العنكبوتية بما هو مؤسس على هندسة معلوماتية اعلامية تواصلية معرفية عبر اعمدة تؤدي بك إلى بحوث ومقالات إخبارية تأسيسية تأصيلية للمعرفة الدينية بالصيغة المغربية وفقا لما جرى به العمل على مستوى تدين المغاربة المبني على العمل في إطار الثوابت الوطنية والدينية والاختيارات المنهجية الدينية المغربية .

كما أنه يضم الظهائر الشريفة والقوانين والتشريعات والقرارات المنظمة للشأن الديني ببلادنا في إطار الضبط الجيد والهادف لموضوع حساس له رابطة تاريخية قوية بالمجتمع المغربي كما وأنه موقع يترجم عددا من المفاهيم الدستورية 2011كالجهوية المتقدمة والحكامة الجيدة وغيرها مما يفيد الباحث .

موقع لا يمكن إلا إن يستهويك طوعا أو كرها لأناقته وجدته وجديته في التعامل مع التوظيف الديني والتشريعات المنظمة له في ظل الإصلاح المنشود والمستمر للحقل الديني بالمغرب بما رسمه جلالة الملك أمير المؤمنين محمد السادس حفظه في خطابه التاريخي يوم 30 أبريل 2004 الذي يعتبر بحق وأمانة خارطة الطريق لمعالم السياسة الدينية للمشروع المجتمعي الذي ينشده جلالة الملك محمد السادس نصره الله .

*إعطاء الانطلاقة لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، يوم: 16 أكتوبر 2004

* إعطاء الانطلاقة لبث قناة محمد السادس للقرآن الكريم(السادسة) يوم: 02 نونبر2005

قناة محمد السادس أو السادسة ،وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، إعلام ديني رسمي متنور ،برامج للتوعية الدينية والتثقيفية والتوعوية والتعليمية .

قناة لنقل الحدث الديني بأدق تفاصيله ، وفي حينه ،قناة بخطاب إعلامي ديني معتدل ووسطي ومتسامح ،خطاب تربط المغاربة بدينهم وأصالتهم وثقافتهم وحضارتهم.

خطاب متنوع وأصيل وحداثي، خطاب لا يأتيه الزلل والملل والخلل والكلل، لأصالته وتأصيله بفضل التوجيهات الرسمية للمؤسسات الدينية ببلادنا، وتشبث السادة العلماء (بتمغربيتهم ) وبتنشيط شبابي مثقف من كلا الجنسين من حاملي شهادات عليا وشهادات مهنية في المجال .

خطاب متفرد بخصائص مغربية على مستوى التدين المعهود لدى المغاربة على مر الأزمان.

قناة متطورة ومتجددة وشاملة لمجالات المعرفة الدينية .

1-قناة نقل المسيرة القرآنية الرمضانية ،بل على مدار العام ودون انقطاع كما بمساجدنا المباركة على طول وعرض الأرض المغربية بكرة وأصيلا.

2-قناة نقل الدروس الحسنية الرمضانية المتنورة بحضرة أمير المؤمنين أعز الله أمره وحفظ شأنه.

3-قناة نقل صلاتي العشاء والتراويح بقراءة الإمام ورش عن الإمام نافع وبلباس مغربي أصيل، وبحفظ وختم للقرآن الكريم حفظا غير مهلهل، صلاة لافيها قصر مخل ولا طول ممل، من معلمة المغرب الكبير ،من مسجد الحسن الثاني أكرم الله مثواه.

4-قناة نقل الكراسي العلمية من مختلف جهات الوطن الحبيبة ومن إلقاء خيرة السادة العلماء المغاربة فخرا بهم، وفي مختلف الفنون والمعارف اللغوية والبلاغية والحديثية والعلوم القراءاتية-القرءان الكريم- واللغوية والسيرة النبوية العطرة والفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي.

كل ذلك بأدلة ساطعة وحجة بالغة من الكتاب والسنة والعمل تأسيسا وتأصيلا لهذا الخطاب الديني المغربي المتفرد والمتراكم والمنتظم في موسوعة معرفية وعلمية مؤرخة بشواهد وأسناد عالية جدا جدا .

وليس يصح سند خطاب إلا أن يكون في مستوى سند السيد الكبير ،والأستاذ الخبير والعالم البصير من طينة ابن عبد البر ،البر بشيوخه العظام ،البر بوطنه ،البر بأهل وطنه عمومهم وخصوصهم ولا تكون الخاصة إلا قلة قليلة مهداة ومرضية ،إنهم العلماء حماة الدين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

هذه سادستنا تلفزة وإذاعة ،وهذه ثقافتنا وحضارتنا وتلك هويتنا أولئك علماؤنا وهكذا نحن ،مغاربة يحبون دينهم ووطنهم وملكهم ويدعون له بالنصر والتمكين والحفظ دبر كل صلاة وفي كل مناسبة بل وفي خلواتهم وجلواتهم .

* إعطاء انطلاقة برنامج محو الأمية بواسطة التلفاز والإنترنيت يوم: 4 أبريل 2014،

*إصدار نشرة الأئمة والخطباء غشت 2003،ويندرج هذا النوع من الإعلام ضمن التوجيهات الوزارية الكبرى لمعالم إصلاح الحقل الديني ،الورش الكبير الذي سيعلن عنه لاحقا في الخطاب الملكي المذكور أعلاه.

وهو إعلام خاص لفئة خاصة من المجتمع المغربي توزع مجانا على المعنيين بها ،وفي قناعتنا الخاصة وحسب ما وقفنا عليه فمضامين هذه النشرات هي التي سيتم الرقي بها أسلوبا ومنهجا ومضمونا وحجما مع البقاء على امتياز المجانية والتعميم والإلزامية ،لتصبح مقدمة كبرى أو قل صغرى لمشروعين كبيرين لهما طابع الاستمرارية والتوجيه والمساعدة واعتبارهما فاعلا مرجعا للفاعل الديني المدني فيما بعد ،ألا وهما :

* دليل الإمام والخطيب والواعظ الذي تم إصدار يوم: 17 مارس 2006.

*مشروع ميثاق العلماء والذي تفضل أمير المؤمنين بإعطائه الانطلاقة له يوم:29 أبريل 2009 بمسجد السنة بالرباط ،حيث أعلن عن تدشينه يوم:27 شتنبر 2008بمسجد محمد السادس بتطوان.

هذا الورش الذي بلورة السياسة الدينية للمغرب في شقها التأهيلي والتكويني والتأطيري للفاعلين الدينيين المدنيين في سياق محاربة التطرف والفكر الخشن والإرهاب الدامي القاتل الفاحش الفظيع الذي يهلك الحرث والنسل، وذلك نهجا من هذا المشروع المولوي الكبير لنشر الفكر الناعم- فكر الوسطية والاعتدال والانفتاح بما يدل عليه من تسامح، ما جعل الإعلام الديني المغربي ينطلق بسرعة ثانية وثالثة لمواكبة المشروع الرامي تلبية حاجيات المغاربة جميعهم في إطار تقديم خدمة دينية جيدة .

القرب: إذا كان مفهوم القرب يعني فيما يعنيه من تنزيل الخطاب فعلا وأجرأة، باعتباره أسلوبا حديثا في التدبير الخدماتي ذات الشأن العام، فهذا هو المنحى الذي اتخذه الإعلام الديني ببلادنا مؤسساتيا وخطابيا.

فاعتبار الخدمات الدينية خدمة عمومية في إدراك من الدولة عن وعي، يقتضي منها تقريبها إلى المرتفقين عبر السبل الممكنة والمتاحة في زمن التواصل السريع بامتياز، وبحوامله الدلالية .

من هنا إذن نقول ،إن سياسة القرب للإعلام الديني بالمغرب ينظر إليها رسميا ومؤسساتيا بنفس الرؤية والاهتمام الذي تعالج به القضايا المجتمعية والاقتصادية والسياسية والتنموية، وأنه لا يقل الشأن الديني عن الشأن العام أهمية البتة، وذلك في إطار من التنسيق ووفق منهج علمي يقتضي المقاربة بالأهداف وبمقاربة تشاركية مؤسساتية.

التوازن: التوازن مؤشر على الاستقرار والاستمرار والإنتاج وهو مصطلح ينتمي إلى مجال الاقتصاد نستعيره لأداء دلالة وظيفية في مجال بحثنا ،ذلك أنا نقصد به الحظوظ الإعلامية المجتمعية في إطار توازن إعلامي مجتمعي بحث يجد فيه المتتبع رغبته ،علما أن هذا المتتبع بصيغة جمعية أي ذوات جماعية والذي-المتتبع- قد تكون له قصدية المشاهدة ووعي المتابعة وقد تحصل لدى البعض بالصدفة ،هو إذن نوع جديد من الإعلام حامل لمضامين جديدة لم تعهد من قبل .

وقد دخل الإعلام الديني بالمغرب خط تماس لمعالجة الإشكالات الكبرى العاطفية والوجدانية والأسرية بأسلوب أكاديمي أو مدرسي بهدف ضبط التوازن النفسي الفردي والجماعي وتصحيح الاختلالات التي قد تحصل فتشوب التدين المغربي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube