أخبار العربمستجدات

اليوم العربي للبيئة “ماذا أعدَّت الدول العربية للانخراط في مفاهيم «السيادة الطاقية» و«منظومة الاقتصاد الأخضر»..؟”

ـ عبدالعالي الطاهري.

الحديث عن الشأن البيئي لم يعد مسألة أو إشكالية دولة أو منطقة من ربوع العالم دون أخرى، إذ يتعلق الأمر بمعضلة كونية ومسؤولية مشتركة نتحملها جميعا، أفراداً وحكومات ومؤسسات ومجتمع مدني وإعلام….

إلى ذلك، فإن ال14 عشر من شهر أكتوبر من كل سنة يحلينا على اليوم الذي اجتمع فيه وزراء البيئة العرب في العاصمة التونسية سنة 1986، عقب إصدار مجلس جامعة الدول العربية للقرار رقم 4738، الذي نص على تأسيس مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، بهدف تنمية التعاون العربي في المجالات ذات الصلة، وتحديد المشكلات البيئية الرئيسية في الوطن العربي، وأولويات العمل اللازمة لمواجهتها، وكذا العلاقة القائمة بين البيئة والتنمية. وفي ظل كل هذه التحديات يبقى السؤال مطروحا حول الإمكانيات والفرص المتاحة للأقطار العربية لمواجهتها بشكل تشاوري ومستدام، وكيف يمكن للموارد الزراعية المتوافرة على مستوى البلدان منفردة والمنطقة بشكل عام أن تفي بالطلب على الغذاء في العالم العربي، بالإضافة إلى فرص تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي في ظل التزايد السكاني وآثر التغير المناخي، والخيارات البديلة المتاحة للبلدان العربية لضمان أمنها البيئي وسيادتها الطاقية.

يمثل اليوم العربي للبيئة، الذي يخلد في الرابع عشر من أكتوبر كل سنة، مناسبة للوقوف عند أهم المنجزات التي تحققت والتحديات التي تواجهها الأقطار العربية، في وقت بات للتغير المناخي والاحتباس الحراري آثار سلبية على المنظومة البيئية والطبيعية بالمنطقة.

وتبرز مخاطر هذه الظواهر البيئية في منطقة عربية لا تتحرك بالسرعة المطلوبة لمواجهة سلوكيات تهدد وتضر بالمجال البيئي، لا سيما الفرشة المائية والواحات والنطاق الغابوي والأنهار والبحار، وهو ما يتطلب تنسيقا وتعاونا عربيا وثيقا خاصة في ما يتعلق بالاستعمال الأمثل لهذه الموارد وتوزيعها بشكل متوازن وعادل اجتماعيا ومجاليا.

ويبقى اختلال التوازن البيئي من الظواهر التي تؤرق بال غالبية الدول العربية، خاصة الصناعية منها، والتي ساهمت إلى حد كبير في تلوث البيئة، عن طريق التحولات الصناعية التي رافقها توسع في الصناعات الكيماوية والنووية وغيرها من الأصناف التي تثقل كاهل البيئة.

ومن بين مظاهر اختلال التوازن الطبيعي والبيئي بالمنطقة العربية، ندرة الأمطار والارتفاع المفرط في درجات الحرارة وتراجع الموارد الطبيعية وتلوثها بسبب المخلفات الكيماوية والتطور الصناعي، وهو ما يطرح إشكالية العلاقة بين ما هو بيئي وما هو تنموي، والحاجة إلى استحضار البعد البيئي في المخططات التنموية.

كما زاد من تفاقم هذه المشكلات وتنوعها اعتماد معظم الدول العربية على أساليب التنمية السريعة، المرتكزة بدورها على الاستغلال المكثف للموارد الطبيعية، واستخدام تقنيات الإنتاج الحديثة التي لا تلائم، في كثير من الأحيان، الظروف البيئية، بالإضافة إلى العادات الاستهلاكية غير الصحية.

وزاد من تفاقم هذه المشاكل وتنوعها بشكل كبير، اعتماد معظم الدول العربية على أساليب التنمية السريعة، المرتكزة بدورها على الاستغلال المفرط وغير العلمي ولا العقلاني والمكثف للموارد والثروات الطبيعية، واستخدام تقنيات الإنتاج الحديثة التي لا تلائم، في كثير من الأحيان، الظروف البيئية.

بدورها، أدت الزيادة الكبيرة في عدد السكان والنمو الحضري المتسارع في كثير من الأقطار العربية علاوة على تغير نمط العيش، إلى استنزاف الموارد الطبيعية والبيئية، وذلك نتيجة تردي خدمات النظافة وجمع النفايات، ناهيك عن التطاول على المساحات الخضراء بسبب التمدد العمراني. ونتج هذا التدهور، بالأساس، عن عدم بلورة سياسات وبرامج تهتم بالتوزنات البيئية والحفاظ على مواردها، وعدم إدماج البعد البيئي في السياسات العمومية الحضرية والاقتصادية والاجتماعية وكذا المقررات الدراسية، ناهيك عن تجاهل عنصر الاهتمام بالتقويم البيئي ودمج مشروعات البيئة في عمليات ومخططات التنمية. وأمام كل هذه التحديات التي باتت تشكل عائقا للتنمية المستدامة بالمنطقة العربية، يبقى من الضروري توحيد الجهود العربية وتعزيز تبادل الخبرات فيما بينها في مجال التصدي للتغيرات المناخية، والعمل على إقرار خطة محكمة تنزيلا لاستراتيجية عربية خاصة بمنظومة«الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر»، ووضع أجهزة مؤسساتية متخصصة تُعنى بقضايا البيئة والحكامة الإيكولوجية للتنسيق مع القطاعات والدوائر الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، إلى جانب دعم برامج توعية المواطنين وحثهم على حماية بيئتهم وتفادي السلوكيات التي تضر بالبيئة، ثم وضع قوانين داخلية لحمايتها. وقد شكلت قمة المناخ (كوب22) التي احضنتها عاصمة السياحة المغربية مراكش، محطة مفصلية لتسليط الضوء على المشاكل التي تجابه البيئة بالعالم العربي والعالم بشكل عام، ومنصة لتجديد التزام هذه الأخيرة بالحفاظ عليها وإبراز جهودها في التحفيف من انبعاثات الغازات والتصدي للتغيرات المناخية، كما كانت منعطفا حاسما لتطوير آليات تنفيذ اتفاق باريس التاريخي. ويعكس احتضان المغرب لهذا المؤتمر العالمي، تموقعه في مركز الريادة بالعالم العربي وإفريقيا، في ما يتعلق بالتصدي للتغيرات المناخية والطاقات المتجددة والنظيفة في أفق إقرار منظومة متوازنة عنوانها الكبير «بيئة سليمة ومتوازنة كحق أساسي للإنسانية»، سواء من خلال المشاريع الواعدة التي أطلقها، أو بعد إعلان جلالة الملك محمد السادس، في خطابه خلال الجلسة الافتتاحية ل(كوب 21) بباريس، عن طموح المملكة إلى بلوغ نسبة 42 في المائة من الطاقات المتجددة لسد الحاجيات الوطنية في أفق سنة 2020، وهي نسبة تم رفعها مؤخرا لتصل إلى 52 في المائة بحلول سنة 2030. وبذلت المملكة، التي واجهت تداعيات الاحتباس الحراري، خاصة على مستوى انخفاض التساقطات المطرية وزيادة حدة الطلب على المياه، وكذا الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، جهودا كبيرة منذ ستينيات القرن الماضي، وهو ما أثمر نتائج فوق المتميزة، تجلت بالخصوص في دخول المغرب نادي «الدول الخضراء»، الشيء الذي أكدته العديد من التقارير الدولية الصادرة عن هيئات دولية وازنة من قبيل «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» وكذا منظمات غير حكومية عالمية.

وارتباطا بعامل العادات الاستهلاكية في المنطقة العربية، فإن الأمر يتطلب جهودا حثيثة في التربية والتوعية، تترافق مع مزيج من السياسات الحكومية واستراتيجيات قطاع الأعمال ومبادرات المجتمع المدني والأكاديمي ووسائل الإعلام، غير أن قبول المستهلكين يبقى الأساس لوضع السياسات موضع التنفيذ.

ويشكل الأمن الغذائي، من جهته، مصدر قلق كبير للبلدان العربية، فقد كانت تسعى إلى تحقيق نسبة أعلى من الاكتفاء الذاتي الغذائي، لكن هذا الهدف ما يزال بعيد المنال، وعلى الرغم من محدودية الأراضي الزراعية وشح الموارد المائية لم تستخدم البلدان العربية إمكاناتها الزراعية بطريقة فعالة وناجعة، كما أدت السياسات والممارسات الزراعية غير الملائمة إلى تراجع قدرة الموارد البيولوجية على تجديد خدماتها وتهديد الاستدامة الزراعية.

ودفعت أزمة الغذاء في السنوات الأخيرة، والارتفاع الحاد وغير المسبوق في أسعار الغذاء، بموازاة القيود المفروضة على الصادرات من قبل بعض البلدان المنتجة للغذاء، إلى تجديد الدعوة لضمان مصادر غذائية موثوقة في دول تعتمد على واردات الغذاء مثل البلدان العربية، خاصة منطقة الخليج العربي.

وتشكل هذه المناسبة (اليوم العربي للبيئة) فرصة لإبراز الجهود التي بذلها المغرب، الذي واجه تداعيات الاحتباس الحراري، خاصة على مستوى انخفاض التساقطات المطرية وزيادة حدة الطلب على المياه، وكذا الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، جهودا كبيرة منذ ستينيات القرن الماضي، لتعبئة المياه السطحية من خلال بناء السدود، وتحلية مياه البحار، وزيادة حجم مياه الصرف الصحي القابلة للمعالجة، وإعادة تأهيل شبكات التوزيع وترشيد الاستهلاك، في إطار تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube