حواراتمستجدات

حرة بريس في حوار مع الكاتب والروائي المغربي الدكتور أمحمد أشقر

منفي موكادور: إعادة الإعتبار لذاكرة الريف التاريخية 

حاوره عبدالحي كريط 

كاتب وروائي مغربي ولج عالم التأليف من بابه الواسع رغم مزاولته لمهنة الطب كطبيب جراح،  وكانت أعماله الإبداعية المكتوبة بلغة موليير من الأعمال التي لاقت صدى واسعا في البانوراما الثقافية  والادبية والفكرية داخل المغرب وخارجه هو من مواليد مدينة الحسيمة الواقعة شمال المملكة المغربية

 تابع دراسته الجامعية بكلية الطب بالرباط وحصل على شهادة الدكتوراه إختصاص في  الجراحة العامة سنة 1980.

ثم عاد بعد ذلك الى مسقط رأسه الحسيمة ليمارس مهنته كطبيب جراح بمستشفى عمومي في البداية ثم في مصحته الخاصة بنفس المدينة.

انتقل الى طنجة في سنة 2011 حيث يقيم حاليا ويمارس مهنة الجراحة ويدير مصحة خاصة. 

وبموازاة مهنته كطبيب فهو معروف كفاعل مدني وجمعوي وعضو نشيط في العديد من الشبكات الحمعوية الوطنية والدولية. 

ينشر بانتظام وبالفرنسية مقالات رأي وتحليل في الجريدة الباريسية  ميديا بار ( Mediapart ). 

-اصدر كتابه الأول سنة 2010: كوربيس، طريقي نحو  الحقيقة والصفح والذي ترجم الى العربية سنة 2012

  في 2015 سيصدر روايته الثانية : على طريق الممانعين

 في 2018 سيصدر رايته الثالثة؛ هذه الحرب لم تكن حربنا

   وفي يوليوز 2121: الرواية الاخيرة:”منفي موگادور موضوع حوارنا،  ضيف هذا الحوار الاستثنائي ولأول مرة هو الدكتور أمحمد أشقر لكي يتحدث لنا عن عمله الروائي الأخير L’EXILÉ DE MOGADOR / منفي موكادور وهي رواية تاريخية يعطي فيها الكاتب الكلمة لشخصيته الرئيسية التي هي  القائد حدو ، أحد القادة الكبار في حرب الريف إلى جانب عبد الكريم الخطابي من عام 1921 إلى عام 1926 .إضافة إلى محاور أخرى. 

1-منفي موكادور هي آخر إصداراتك الروائية والتي تدخل في خانة الرواية التاريخية ماهو الدافع الرئيسي الذي دفعك إلى تأليف هذا الكتاب؟

يمكن القول أن الكتاب يدخل في اطار مشروع متكامل يهدف الى الاشتغال على الذاكرة الجماعية للريف من اجل إعادة قراءة لاحداث تاريخية مفصلية عاشتها المنطقة، فبعد الكتابة على احداث للريف والحرب الأهلية الإسبانية جاء دور المرحلة التي طبعت بالدم والحديد وهي ثورة الريف تحت قيادة الامير عبدالكريم الخطابي ضد اﻹستعمار الإسباني والفرنسي.

وللخروج من كل الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع والتي كانت تسلط الضوء فقط على شخصية الأمير وفي بعض الأحيان على أخيه، إخترت طريقا آخر وهو أن أذكر الدور الذي قام به أبطال آخرون ليسوا معروفين بما فيه الكفاية. وفي هذه الرواية بالضبط حاولت ان أسلط الضوء على شخصية كبيرة ومتفردة وأعيد الإعتبار إليها بحكم أنها لعبت أدوارا جد مهمة اثناء هذه الثورة.

2- ماهي المنهجية العلمية التي اعتمدتها في بناء أحداث روايتك ؟

لقد حاولت ان أجمع كل العناصر المتناثرة في حياة هذه الشخصية الفريدة من نوعها وذلك من أجل تتبع رحلته في حياة تثير رغبة التتبع واﻹكتشاف وذلك من اليوم الذي رأى فيه النور في ازمورن في قبيلة بقيوة حتى وفاته في موكادور. لقد زرت الصويرة وتعرفت على الأماكن التي عاش فيها ثم المقبرة التي ترقد فيها روحه الطاهرة.

كم تمنيت لو سمحت لي الظروف بالذهاب إلى بور ساي في الجزائر حيث نشأ وكبر.

لقد اجريت العديد من اللقاءات مع كل من عرفه من قريب او بعيد.

قرأت كل ما كتب عنه. لقد كان بالفعل رجل أسطوري وكنت منذ البداية مقتنعا أن أسطورته تحمل الكثير من الأسرار والألغاز. بحثت في الأرشيفات فلم أجد ما يشفي غليلي. راجعت الصحافة وكل ما كتبته عنه فوجدت أنها تعطي عنه صورة قاتمة مشوهة.

3-الكتاب تطرق إلى أحداث تاريخية هامة بالريف وهو يعتبر مرجعا أكاديميا متميزا نظرا للكثير من التفاصيل والجزئيات التاريخية الهامة التي ضمنتها في كتابك ،ماهي المحددات الرئيسية التي إنطلقت منها في بلورة هذه الأحداث وإخراجها في قالب الرواية التاريخية؟ 

كما قلت سابقا فكتابة هذه الرواية تطلب مني مجهودا مضاعفا، مجهودا على مستوى البحث إختيار ما هو مناسب على قلته في الأرشيفات والمستندات والصحف، ومجهودا آخر على مستوى الكتابة الأدبية من أجل خلق توازن وإنسجام من جهة ما بين المحتوى المفيد أي إختيار الوقائع والأحداث التاريخية الحقيقية المهمة والمثيرة أحيانا وتسلسلها المنسجم والإبداع في السرد والحكي من جهة أخرى. دون ان ننسى دور إختيار الكلمات المناسبة لخلق نوع من الشهية تدفع الناس إلى قراءة الرواية ومتابعة فصولها بشغف وحب الإستطلاع.

تجديل (tresssge) هاته الكلمات بتفان وإتقان لبناء نصوص هذه الرواية هو الذي أعطى لﻷحداث إنسجامها ووفر لها قدرة على الصدى واﻹنتشار.

لقد كان علي أن أروض الكلمات وأقوم بهندسة الجمل والعبارات للبحث عن الطريق اﻷنسب لتنظيم كل هذا في اﻹتجاه الصحيح واﻷنسب.

لقد حاولت كما هو الحال في كتبي السابقة إعطاء الأهمية الكافية للاحداث التاريخية الحقيقية حتى لا يطغى الخيال في الرواية فتتحول إلى إنتاج روائي مفبرك دون أن ننسى أن الخيال هو الذي سمح لي بإعادة تركيب أحداث تلك المرحلة ليتم تحويلها لمهارة الى رواية تاريخية مشوقة.

4-شخوص روايتك تمحورت بين شخصيتين تاريخيتين من منطقة الريف القائد حدو بطل الرواية الرئيسية وعبدالكريم الخطابي؟هل هناك أي أوجه تشابه بين الشخصيتين؟ 

ما يمكن ان يميز هذه الرواية هو أن هناك ولأول مرة إقتراب ملفت للنظر من شخصية عبد الكريم الخطابي التي بصفها وبتكلم عنها البطل المفترض والراوي في نفس الوقت. هناك تفاصيل عن الأمير لم يسبق أن أشار إليها احد من قبل.

لرسم هذه اللوحة كان علي ان أقر كل ما كتب عنه خاصة الصحفيون  الذين سبق لهم ان قابلوا اﻷمير.اظن ان اوجه الشبه بين الشخصيتين ضعيفة بل يمكن القول انها متكاملة.

القايد حدو: مغامر، متأكد من نفسه، جريء، شجاع، صريح، مغرور

في المقابل الامير : ذكي، غير متسرع، محترز. يحسب خطواته, متردد، واقعي.

5-للمكان تأثيره خارج النص الروائي, إذ يلعب ؛دور المفجر لطاقات المبدع ويعبر عن مقاصد المؤلف ماهي دلالة رمزية المكان في منفي موكادور؟

اذا كانت رمزية الأزمنة التي تتناولها الرواية ذات أهمية تاريخية كبرى، فإن اﻷمكنة التي تجري فيها هذه الاحداث لا تقل أهمية وقوة رمزيتها. رمزية هذه المواقع لها دلالتها وتقوم بلعب دور رئيسي في تركيبة هذه الأحداث وتسلسلها ومجرياتها وكذلك مسارات أشخاصها،

سأكتفي هنا فقط ببعض النماذج المركزية:

مدينة الصويرة Mogador, تثير إنتباه القارئ منذ البداية أولا لأنها تفرض نفسها كعنوان الكتاب مع كل ما يعني ذلك من دلالة وإيحاءات.

مدينة الصويرة ذات الرمزية الكبيرة بحمولتها التاريخية واﻹجتماعية والثقافية، تبدأ منها أحداث الرواية وتنتهي بها. هذه التقنية تسمح للقارئ عند نهاية قراءة الكتاب من التأكد أن الدائرة مكتملة (la boucle est bouclée ) مما يسمح لهذا القارئ في النهاية الشعور بالارتياح لأنه إطلع على كل شيء.

كذلك الشأن بالنسبة لمكان آخر مهم إنها قرية إزمورن حيث تبدأ فيها نشأة الطفل/ البطل. هذا المكان يحيلنا في البداية إلى كيف كانت الحياة في الريف في نهاية القرن التاسع عشر بكل تفاصيلها. ثم يأتي من بعد ذلك فصل آخر في الرواية فيها البطل إليها بعد أكثر من ثلاثين سنة بعد أن غادرها هروبا إلى الجزائر، فيفاجأ بكل  ما حصل من متغيرات ليس على مستوى البنايات فلا شيء تغير إنما التغيير الجذري في علاقة السكان فيما بينهم بسبب إلتحاقهم بالمقاومة ضد إحتلال أرضهم من طرف المستعمر.

هناك أماكن أخرى عديدة تأخذ نفس الرمزية وتلعب دور مهم في تأثيث الرواية كمدينة بورساي الجزائرية التي نشأ وكبر فيها الراوي، قرية توفيست التي إستقر فيها لحماية السجناء الأجانب وأخيرا مدينة تارجيست حيث كانت آخر محطة ونهاية الثورة / الحلم واﻹستسلام لﻹستعمار الفرنسي ونفيه إلى مدينة الصويرة فيما نفي الأمير الى جزيرة لارينيون.

6- ماهي الأسباب التي جعلتكم أن تكتبوا هذه الرواية بلغة موليير بدل لغة الضاد؟

شخصيا لم اطرح كثيرا هذا السؤال على نفسي ﻷنني أعتبر أن الإبداع لا لغته كما أظن بل يجب أن يكون الإهتمام منصبا أكثر على الأبعاد الجمالية والإبداعية لنصوصي بدلا من الوقوف فقط عند وسيلة التعبير

مع الأسف كل روايتي كتبتها بالفرنسية وذلك لسببين إثنين

-باستعمال اللغة الفرنسية أحس أنني أعبر بطلاقة أكثر وبدون خوف من إستعمال بعض الكلمات. يمكن القول كذلك باستعمال هذه اللغة أشعر بإحساس أنه لدي حرية أكثر في التفكير والإبداع.

-باستعمال هذه اللغة ابحث على مجال اوسع لجمهور قرائي حتى خارج الوطن وخاصة أن المواضيع والأحداث التي تناولتها وإن ظهرت للبعض أنها تدور في محيط جهوي صغير فهي تعني كذلك دولا اخرى كاسبانيا وفرنسا، وﻷن الأحداث التي أتناولها فيما أكتبه كان لها ولا يزال تأثير قوي على مجريات الأحداث التاريخية في هاتين البلدين ومع كامل الاسف مواطنوا هاته البلدان لا علم لهم بكل تفاصيل ما جرى من أحداث في الريف بسبب تدخل قواهم العسكرية المحتلة .

7-هل تدرج نفسك ضمن خانة الكتاب والمبدعين الفرانكفونيين؟

اقول لك بكل تواضع انا لا أكتب إلا من باب الهواية ﻷنني ممارس لمهنتي كطبيب جراح ومدير مصحة كبيرة، وهذا العمل الشاق يأخذ مني تقريبا كل وقتي. وعليه فأنا لست كاتبا بالمفهوم الأكاديمي. أما هذا التصنيف فأنا أرفضه لما له من حمولة ثقافة التبعية للآخر. أقول هذا مع العلم أن اللغة الفرنسية وإن كانت هي لغة الآخر فهي ليست علي غريبة. لقد كان لها تاثير كبير علي منذ طفولتي وذلك عن طريق قراءاتي المكثفة والمتنوعة. لقد عشت هذه الإزدواجية منذ الطفولة ولم تفارقني إلى اليوم ولكني أؤكد أنّني لا أعاني من إستلاب أو تناقض ثقافي.

8 -كيف تنظرون إلى الدعوات التي تطلق على وسائل التواصل الاجتماعي وأيضا من خلال نقاشات النخبة  بضرورة التخلي عن الهيمنة اللغوية الفرنسية بالمغرب في ظل تنامي الثقافة الإسبانية والإنجليزية؟ 

انا مع كل المبادرات التي تصب في إتجاه خلق شخصية مؤمنة بانتمائها وبهويتها وثقافتها وبحقها في الحياة تضمن لها الكرامة والحرية والعدالة. المكون اللغوي ضروري في بناء هذه الشخصية التي يمكن لها ان تنفتح على الاخر بدون عقدة نقص وتشارك في بناء عالم آخر متضامن وعادل ومتنوع. وهنا يمكن التأكيد بأن اﻹنفتاح على اللغات الأخرى ضروري وحيوي دون أن يعني ذلك التبعية الفكرية  أوالإقتصادية علينا أن نفكر بجد عن أي مغرب نريد بالفعل، عن أي مشروع مجتمعي نريد بناؤه والبقية ليست إلا وسائل و أدوات لتحقيق هذا الهدف الكبير .

9-كيف إستطعت التوفيق بين مهنتك كطبيب جراحي وككاتب وروائي ؟

بالنسبة لي التعاطي مع الأدب وممارسة الكتابة الإبداعية لا يتعارضان مع مهنتي كطبيب وجراح. الكتابة ما هي إلا امتداد طبيعي للجراحة.

الاشتغال والاهتمام بالتاريخ والادب ما هو الا جزء من القيام بدوري كمواطن واعي بدوره ومكمل لالتزامي الفكري والمجتمعي والإنساني.

10-كلمة ختامية؟ 

أريد ان اشكركم على الفرصة التي أعطيتم لي للحديث عن تجربتي الإبداعية وأتوجه بالشكر  الى متابعي موقعكم.

كل ما أتمناه هو أن أكون قد توفقت إلى حد ما في الإجابة والإحاطة بكل ما أردتم تبليغه الى قرائكم.

اتمنى ان التقي بهم في فرصة اخرى.

وأعدهم أنني سأتوجه إلى كل المدن المغربية لتقديم كتابي الأخير وتوقيعه عندما ستتحسن أحوالنا في مواجهة هذا الوباء

اتمنى الشفاء للمصابين به وأترحم على كل الأرواح التي فقدناها بسببه.

شكرا مع تحياتي لكم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube