اقواسسياسةمستجدات

علاقة الاتحاد الأوربي بالمغرب : شراكة تعاون وتبادل مصالح أم شراكة تركيع ؟

بقلم: عبد المجيد بن شاوية

توطئة : المغرب وفضاء الاتحاد الأوربي .
من حين لآخر، تطلع قصاصات الأنباء في علاقة المغرب بالاتحاد الأوربي وبدوله بما لا يبعث على الاطمئنان لدى المغرب شعبا وحكومة، لنتساءل عن دلالات الخطاب المتداول من قبل الاتحاد ودوله ال28 من جهة والمغرب كدولة من جهة أخرى، كون هذا الأخير شريكا استراتيجي وحليفا هاما للاتحاد، الذي منح بموجبه المغرب صفة “الوضع المتقدم” سنة 2008 إضافة إلى الاتفاقيات الثنائية، وعن مضامين العلاقات التي تربطه به، حيث نجد العديد من التداولات الخطابية السياسية والإستراتيجية تؤكد على مفهوم الشراكة والتعاون والتبادل والتفاعل في كثير من القضايا المشتركة تهم الأمن، الهجرة، الإرهاب، الجريمة المنظمة، المخدرات، التهريب، تبييض الأموال، وأخرى تجارية، اقتصادية، علمية، فلاحية، سياسية، ومؤسساتية، والقضايا الخاصة بالنزاعات المحلية والإقليمية والدولية، ومن ثمة توقيع العديد من الاتفاقيات الهامة في الميادين ذات الاهتمام والتفاعل المشتركين.
غير أنه يلاحظ على سياسات الاتحاد الأوربي ودوله ما يمكن الاصطلاح عليه ب “الزئبقية أو الحر بائية” في مواقف سياسية عديدة، تجعلنا نتساءل عن كيفيات اشتغال العقل الأوربي بشكل لا يدع مجالا للشك، خاصة وأن ميزان القوة ليس في صالح المغرب عبر كل المحطات، وأن التاريخ لا زال يفعل فعلته النكراء بعقلية المركزية الذاتية الأوروبية، ليطرح السؤال من جديد، من يؤدي تكاليف هاته العلاقات غير المتكافئة كليا في علاقات المغرب بالاتحاد الأوربي ودوله معا؟ .

الشراكات المغربية الأوربية وأهدافها:

لقد أقام المغرب شراكات مع وحدات الفضاء الأوربي وعقد الاتفاقيات بشأنها في مستويات عدة، سياسية، اقتصادية، أمنية، ثقافية، واجتماعية، بحكم الموقع الاستراتيجي الذي يحظى به المغرب، فدخل في علاقات متشابكة، إذ لم يتم استبعاد أي جانب من جوانب العلاقات الممكنة، على ضوء مجموعة من المعطيات الجغرافية والإستراتيجية التي تجعل من المغرب والفضاء الأوربي في تماس الخيوط المشتركة وتقاطع مجموعة من المصالح فيما بينهما، لذا نجد أن المغرب له موقع هام في جدول أعمال المخططات الإستراتيجية في سياسات ودبلوماسية مكونات الفضاء الأوربي، اتحادا ودولا .
فالمغرب يحتل مركزا مهما في بناء الشراكة الأور- متوسطية ووحدات الفضاء الأوربي عموما، حيث كانت ولا زالت رهانات كبرى على المغرب في العديد من المجالات، سيما بعد ما عرف بثورات الربيع العربي وما أفرزه من معطيات وتداعيات على الفضاء المتوسطي، في سياقات  جيو-استراتيجيات وسياسات الاتحاد الأوربي ودوله في مواجهتها لقضايا شائكة تقض مضجع الأوربيين، إضافة إلى مقومات أخرى تسمح بتفعيل الجانب التعاقدي وتمتينه مع المغرب، والعمل على ترسيم العلاقات الفعالة لصالح الفضاء الأوربي تحديدا، تسمح بدفع العلاقات الأوربية المغربية نحو الأمام بحسب تصورات العقل الأوربي في ارتباطاته التعاقدية والتشاركية من خلال تسطير مجموعة من الأهداف :  
  • الحوار السياسي،
  • التعاون الاقتصادي والمالي، الاجتماعي والثقافي،
  • العمل على التقارب التشريعي والقانوني،
  • تحرير السوق التجارية وتبادل البضائع والخدمات،
  • الأمن والقضاء،
  • النقل والطاقة والبيئة،
  • العلاقات مع البرلمان
  • العمل على مواجهة التطرف، والإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب والمخدرات والهجرة
  • احترام وتعزيز حقوق الإنسان،
  • تفعيل شروط الديمقراطية،

وضعيات المغرب والاتحاد الأوربي:

إن بنود تفعيل الوضعية المتقدمة للمغرب في علاقات تبادلات الشراكة جعلت المغرب في وضعية الشريك المملى عليه من زاوية الاتحاد وكل دول الفضاء الأوربي، بفعل مجموعة من الاعتبارات الداخلية والإقليمية والجهوية التي تجعل المغرب في وضعيات تتعالق فيما بينها، حيث كل هاته الاعتبارات جملة لا تفي بالمصالح المأمولة للكيان المغربي دولة وشعبا، ولا تسهم في وضع العجلة على السكة بشكل صحيح نحو الرقي والازدهار وفق ما يطمح إليه المغرب، إذ لا تعمل على تجاوز القضايا المطروحة والشائكة في نفس الآن :
داخليا: تعتبر قضية الوحدة الترابية حجر الزاوية في انشغالات المغرب الدبلوماسية والسياسية، بفعل الاحتضان والدعم اللذين تحظى بهما جبهة البوليساريو من طرف البعض، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر بمواقف غير واضحة المعالم، مع تعالق اللوبيات المتناثرة هنا وهناك بالدبلوماسية الجزائرية، علاوة على قضايا تهم حقوق الإنسان ومسارات الديمقراطية الداخلية .
إقليميا: فشل الرهان على بناء اتحاد مغاربي قوي، الذي ولد ولم يحقق أية خطوة إلى الأمام فيما نصت عليه بنود تأسيسه، حيث بقيت في الرفوف ولم تتجاوز حجرة الأحلام التي راودت المغاربيين منذ عقود من الزمن، بفعل الخلافات بين التوجهات السياسية والأيديولوجية بين أعضائه .
جهويا: إن ارتباط المغرب بالدائرة العربية والإسلامية هو ارتباط تاريخي وحضاري، إلا أن كل آليات اللحمة العلائقية مترهلة وغير فعالة بحكم الاختلافات والمزايدات والتواطؤات وانشطارية المواقف والتحيزات كل بحسب هواه، ضاربة عرض الحائط كل مقومات الوحدة الممكنة ولو في حدودها الدنيا، حيث تفاقمت الأوضاع المأزومة مع أول شرارة للثورات والانتفاضات في العالم العربي .
تداعيات وضعيات المغرب والتوجه نحو الوجهة الأوربية.

ففي ظل هاته الوضعيات التي تتقاسم المغرب سلبيا، ينجذب المغرب نحو تعزيز علاقاته مع الفضاء الأوربي، إلا أن هذا الانجذاب يأتي في ظل شروط غير متكافئة وغير متوازنة، مما يخلق له متاعب سياسية ودبلوماسية مع الاتحاد الأوربي ودوله في شراكاته الثنائية، انطلاقا من موقع قوة الذي تحرزه الكيانات الأوربية، مع العلم أن هذه الأخيرة تريد من المغرب أن يكون صمام أمان من كل التأثيرات السلبية في المنطقة المتوسطية من جهة الجنوب، وأنها في حاجة ماسة إليه في الكثير من النقط ذات المصالح المشتركة، إلا أنه ما يثير الانتباه هو سياسة لي الذراع اتجاه المغرب، تارة من قبل أطراف الاتحاد، وتارة أخرى من قبل الاتحاد ذاته، وذلك بمواقف تتداخل فيما بينها عموديا وأفقيا، على خلفية قراءة ما يعتمل بالمغرب داخليا وعلى مستوى  محيطه الخارجي كذلك، مادام أنه ليس في وضعية قوة من حيث مقوماته الذاتية، إذ في كل الأحوال، اتفاقات الشراكة بينه وبين المنظومة الأوربية بوحداتها في غالبية بنودها واشتراطاتها هي في صالحها على الدوام، لذا فانطلاقا من هاته الوضعيات تعمل القوى الأوربية على جر الأذن وجس نبض المغرب بمواقف تبعث على الشك في مصداقية العلاقات بوحدات الفضاء الأوربي، لاستدراجه إلى تنازلات أكثر براجماتية في علاقاتها بإستراتيجية مصالحها الدائمة، لنستحضر هنا على سبيل المثال ما أثير سابقا حول اعتزام حكومة السويد في محاولتها السعي لتقديم مشروع يعترف بالجمهورية الوهمية للبوليساريو، مما خلق جوا مشحونا بردود أفعال دبلوماسية بين المغرب والسويد، وتجندت له كل فعاليات المجتمع المدني والسياسي على السواء بالمغرب لمواجهته، وما يؤشر أكثر على سياسة لي الذراع والزئبقية  في علاقات المغرب بالاتحاد الأوربي، هو  ما تقضي به المحكمة الأوربية، غير ما مرة، بالدعوة إلى إيقاف كل المنتجات الفلاحية والبحرية للمناطق الجنوبية المغربية، على خلفية قيام البوليساريو بالطعن في اتفاقية الشراكة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوربي أمام محكمة لوكسمبورغ، مما يفرض على المغرب تعليق التواصل مع الاتحاد الأوربي في مواجهته لازدواجية المواقف الأوربية حيال القضايا المغربية الداخلية كما حدث في25 فبراير/شباط 2016 ، أو استئناف ومعاودة مسلسل اللقاءات والمشاورات مع الاتحاد الأوربي ووحداته المكونة له.
ما يجعلنا نستغرب على ضوء هذه المواقف هو حينما تؤول بتأويلات لا تستشعر الحس العقلاني من قبل المحللين والباحثين والسياسيين والمهتمين في كونها تارة توصف من قبل البعض منهم على أنها " مفاجئة "،  "غريبة " ، " غير مستندة على أسس" ، "غير متماسكة " ، " متاه سياسية "، " عبثية " ، الخ ، من جهة، وما يعتمل بأروقة الأجهزة الدبلوماسية الأوربيةوتصريحها بكونها تقف إلى جانب المغرب، في بعض منها، في دعواته وتصوراته اتجاه بعض قضاياه السياسية والدبلوماسي، ومواقف أخرى تشوبها الضبابية والتذبذب، من جهة أخرى.

ختاما، نحن، بالمحصلة، ليس أمام اتفاقيات ملزمة لكلا الجانبين بصورة أخلاقية ومبدئية وخاصة من جانب الأوربيين، بل نحن أمام اتفاقيات تركيع لا تعاون، فالمغرب يجد نفسه في خانة المملى عليه بناء على معطياته الداخلية وعلاقاته الإقليمية المغاربية وكذا علاقاته بما هو عربي وإسلامي، وأيضا بناء على ما يسطر في بنود الاتفاقيات التي تعكس قوة مكاييل المصالح الأوربية في ميزان الشراكات المغربية الأوربية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube