برعلا زكريامستجداتمقالات الرأي

متى يتخلى كبار المسؤولين عن “البيروقراطية ” ؟

برعلا زكريا

من المفارقات العجيبة أن يحظى المسؤولون الكبار بالامتيازات المادية والمعنوية في الوقت الذي يعاني فيه العامل المباشر المتواجد بالميدان من الويلات والصعوبات.

وفي قطاع التعليم مثلا يتوفر كبار الموظفين على سيارات النقل من ميزانية القطاع، بالإضافة للأجرة الضخمة والزيادات السنوية والتعويضات عن الاجتماعات والندوات ومواسم الامتحانات . في حين يصرف الأستاذ من ماله الخاص أعباء تنقله من وإلى مقر العمل، بالإضافة لمستلزمات أخرى مرتبطة بالإعداد للدروس، الأمر الذي ينقص من أجرته الهزيلة أصلا مبلغا مهما. مع العلم أن المهمة الشاقة تقع على عاتقه، فهو الموجود بالخط الأمامي في الميدان حيث يلتقي يوميا بالتلاميذ.

لنتصور لوهلة أن الأساتذة جميعا لم يلتحقوا بالعمل، فالأكيد أن التلميذ لن يحصل على أي تعليم ولن يتمكن المسؤولون بالمكاتب من تعويض الأستاذ. وإذا افترضنا العكس وهو غياب كل المسؤولين الإداريين مع حضور الأساتذة، في هذه الحالة سيحظى التلميذ بالخدمة وغياب المسؤول ليس مؤثرا على التلميذ بالقسم مادام الأستاذ حاضرا.

ومن خلال الاستدلال المذكور سلفا فلن يستفيد التلميذ من مكاتب الوزارة و أقسام المديريات الجهوية والإقليمية إذا غاب جميع الأساتذة. بالرغم من أن كل هذه المصالح “البيروقراطية” تستنزف أموالا ضخمة من المال العام.

مع ذلك فالمسؤولون بالمكاتب لا يعملون على تحسين ظروف عمل الأستاذ بالميدان، مع علمهم أن غيابه عن القسم يفقد المسؤولين أهميتهم للتلميذ وجدوى وجودهم في المكاتب بالأساس.

وفي بعض الدول المتقدمة والتي تتميز بتعليم جيد يدخل في أوائل الترتيب العالمي، نجد أن هرم أجور الموظفين مقلوب عن ما يوجد عندنا، بمعنى أن الذي يوجد بالميدان يتلقى الأجر الأكبر وكلما ابتعدت عن الارتباط المباشر بالتلميذ تتقاضى أجرا أقل. وهو أمر معقول إلى حد ما.
ولعل أحد أسباب عدم إقلاع التعليم ببلادنا بالشكل المطلوب بالرغم من رصد إمكانيات هامة له، يتمثل في “البيروقراطية” ومقاومة المسؤولين التخلي عن الامتيازات والبرج العاجي الذين يوجدون به مع وجود هوة شاسعة بين المكاتب الإدارية والميدان.

ناهيك على أن المسؤول بمكتبه يعلم أن الأستاذ يعاني الويلات لبلوغ مقر العمل وأن الأقسام و البنى التحتية في بعض المناطق لا تزال متأخرة جدا، ونسبة كبيرة من المدارس لا تتوفر على مراحيض أو ربط بالكهرباء أو شبكة الأنترنيت. كما أن المسؤول يرفض أن يتحمل المسؤولية في الأخطاء الإدارية التي تحصل كمشكل الفائض في الأساتذة أو الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية وغيرها من مشاكل التدبير والتخطيط.
وعوض التواجد المستمر قرب الأستاذ والتلميذ للوقوف على التعثرات يكتفي المسؤول بالتواجد في المكتب وإصدار التعليمات، وأحيانا يقوم بزيارات خاطفة لبعض الأقسام المزينة والتي لا تعكس الصورة العامة، مع حرصه الشديد على التقاط الصور خلال هذه الزيارات الموسمية لكي يظهر أنه مواكب لما يجري.

أما الحساب والعقاب والاقتطاع من الأجرة الهزيلة فيخص العامل بالميدان، لأنه مع الأسف تعودنا أن الحائط القصير من يؤدي ضريبة الفشل، وأن المسؤول لا يحاسب ولا يخرج من المكتب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube