اقواسمستجدات

ابتسامة من خلف الكمامة (54): “الفتوحات الإرنية” للشبح الأكبر أبي خنشش الحمَامي

مصطفى الزِّيـــن

“واتفق لشيخنا أبي مدين ، وكان وقته التجريد وعدم الادخار، فنسي في جيبه ديناراً، وكان كثيراً ما يترب منقطعاً في جبل الكواكب. وكانت هناك غزالة تأتي إليه فتدرّ عليه، فيكون ذلك قُوتُه. فلما جاء إلى الجبل جاءت الغزالة وهو محتاج إلى الطعام. فمد يده على عادته إليها ليشرب من لبنها. فنفرت عنه. ومازالت تنطحه بقرونها. وكلما مد يده إليها نفرت منه. ففكر في سبب ذلك. فتذكر الدينار فأخرجه من جيبه ورمى به في موضع فقده ولا يجده فجاءت إليه الغزالة وآنست به ودرّت عليه.”
نشر هذه الحكاية الصديق الشاعر الزجال الشاب عادل لطفي على صفحته ،دونما أي تقديم أو تعليق؛ اكتفى بنشر نص الحكاية وتوثيق مصدرها (الفتوحات المكية: محيي الدين بن عربي-ج2/9 ص123-دار صادر.
فدفعتني نفسي الأمارة بالطنز إلى أن أتفاعل مع منشور صديقي الشاعر ،فكتبت:
كأني بأبي مدين[520–594هـ] ، في حكاية تلميذه الشيخ الأكبر بن عربي[560-638هـ] ؛ كأني به هو “أبو مخشن”، قد نسي في جيبه تلك السبعة عشر(17) مليارا، وهو في وقت التجريد..؛ وكأني بتلك الغزالة التي ألِف حلبها ودرها ، هي الشعب المغربي الذي ينفر وينطح أبا مخشن؛ ولا يريد أن يعود إلى الإيناس إليه والدر عليه حتى يرمي بتلك السبعة عشر من جيبه ..

 هكذا دفعتني نفسي الأمارة بالطنز العكري أن أصرفها عن عمق هذه الحكاية الصوفية  العرفانية ، وعما فيها من كرامة التجرد والزهد في المال والانقطاع عن الدنيا الدنية، و أنصرف عن الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي  الأندلسي و "فتوحاته المكية" التي تقبع بين رفوف مكتبتي بمجلداتها  الأربعة  الضخمة (في طبعة دار صادر) ، منذ ثلاثين سنة ، وقد كنت أدمنت قراءتها ، ومحاولة السير بين شعابها الصعبة ،كما قرأت له "فصوص الحكم"، وديوانه الغزلي  "ترجمان الأشواق"في (النظام )، محبوبته ابنة شيخه بمكة، كما قرأت من ديوانه الشعري، ومن تفسيره القرآن الكريم ؛ قرأت له هذا وغيره ، وقرأت عنه ما قرأت..ولكني انصرفت عنه في تعليقي التفاعلي مع عمق ما في منشور صديقي الشاعر الشاب.

كما انصرفت ،مدفوعا بولعي بالطنز ، عن علاقة محيي الدين بن عربي بشيخه أبي مدين شعيب دفين تلمسان بالجزائر، بعدما مات في طريقه الى مراكش ، وكان طلبه إليه سلطانُها يعقوب الموحدي.
كان سياق قطع العلاقة المقطوعة مع نظام جيراننا، يمكن أن يدفعني إلى اتخاذ أبي مدين ذريعة للحديث عن الدولة المغربية ، واتخاذه نموذجا للتفاعل الثقافي ، ليس فقط بين مغرب المغارب وامتداده شرقا، وإنما بين هذه المغارب والأندلس،سيما وأن دولتي الموحدين والمرابطين المغربيتين حكمتا أيضا عُدوة الأندلس ، بعدما أدركها يوسف بن تاشفين من السقوط والضياع مبكرا جدا عن ضياعها المحتوم.. وكان ابو مدين تنقل طويلا بين عواصم المغرب ،سبتة وطنجة وفاس ومراكش، قبل بجاية وتلمسان،بالمغرب الأوسط.
السياق الراهن ، وضغط ما يعتمل فيه من خطر “أزرق” هو ما جعلني أربط ما بين كرامة الصوفي أبي مدين الأندلسي التلمساني و”حرامة” “الزوفي”أبي مخشن مول الحمامة والغاز، وأربط بين دينار الأول المنسي في جيبه، و مقدار سبعة عشر مليارا المنهوب المحشو( المحشي) في قب أبي مخشن ، أو أبي خشنن،-وملايير وريوع أخرى كثيرة ، احتسبها وقررها المحتسبون المقررون دون جدوى – وهو يريد ، بعدأن تناساه في جيبه ، أو ظن أن الغزالة التي يريد -هو وطغمته -يريد المزيد من احتلابها وامتصاص واعتصار ضرعها خالصا ، بزعم الديموقراطية ، وبزعم الأهلية والكرم و التضحية ..،والحال ، أن البلد تسير إلى ما كان صديقي الشاعر الشاب نفسه شبهه ، في إحدى قفشاه ، ب”القيسارية” الموكول تدبيرها والإشراف عليها إلى “سي لامين”، وكنت علقت عليه مضيفا أن القوميسارية توجد في ظهر هذه القيسارية وبينهما ممر أو منفذ سري/ معلوم، يشرف عليهما معا محتسب وظاهر شبيهان بأولائك المحتسبين المماليك الذين تناولتهم رواية “الزيني بركات” لجمال الغيطاني الجميلة الشهيرة ،والمسلسل التلفزيوني الرائع المأخوذ عنها بنفس العنوان..
لقد تلبسني جني أحمر قبيل الحملة الإنتخابية ، وفي إبانها ، ولا يزال يتلبسني ، يزين إلي هذا الطنز العكري ، فيقبع تحت لساني ممليا نصوصا ،وأشعارا و أزجالا، ومنشورات فيما يشبه حملة مضادة ساخرة ، سواء باسمي مجردا أو مقرونا بصفتي ناطقا (زغبيا) باسم “حزب المحكة” الافتراضي الساخر ، لا أبالي بمن طار ولا بمن وقع، بمن ابتسم وضحك، أو بمن عبس وتجهم وغضب، بل إني لم أنتبه ،ربما، لبعض من استهجنوا طنزي وسخريتي وغضبوا مني ، من أصدقائي الذين كانوا يتابعون ما أنشره جادا، أو هازلا هازئا، حتى نبهني أحد أصدقائي الخلص ، على الخاص، في رسالة جاءت بعدما نشرت هذا النص “الشعري” القصير:

     هَذَا الْكُرْسِيُّ الْجَذَّابُ الشَّائِكُ
   -لَوْ تَدْرِي-
    هُوَ مَا يَتَهَيَّبُهُ  حَقاًّ
     قَلْبُ الْحُكَمَاءِ  الْفُضَلاَءِ ..الأَحْرَارْ
       وَتَعُضُّ أَمَانَتُهُ حَيَّ ضَمَائِرِهِمْ
        إِنْ جَلَسُوا قَامُوا
        لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مِنْ أَعْذَارْ.
       وَيَتَهَافَتُهُ
       وَيَتَبَنَّكُهُ
       الجُوفُ الْأَشْرَارْ
      "الْأَحْرَارُ"- بُهْتَاناً
       فَتَغُورُ الْأَشْوَاكُ فِي شَحْمِ
       عَجِيزَتِهِمْ
         وَفِي حَشْوِ بَرَادِعِهِمْ..
        فَتَمُوتُ ضَمَائِرُهُمْ
        فِي ِزحَافِاتِ الْخَبْنِ -وفي الْغَبْنِ-
        وَفِي الإضْمَارْ.
كتب إلي صديقي ناصحا  منبها ( هذا بعض نصه بتصرف):
    [أي نعم ؛ للكراسي هيبة ، ولها في النفوس رغبة ؛ لكن ،إن نبذناها جميعا، فمن يكون لها؟
   كقارئ متتبع شغوف ،أهمس في أذنك : لا تدع مواقفك السياسية أو غيرها تغلب على
   شاعريتك ،فتجرك إلى الخطاب التقريري المباشر ؛ لأن لقرّائك مشارب مختلفة ، وقد تفقد
   كل مرة أحدهم أو مجموعة منهم. أنت سيد العارفين أن السخرية عدو الخطاب التقريري
   فأمتعنا بسخريتك اللاذعة. دمت للسخرية الهادفة قلما لا يهادن.]

 والحقيقة أن ليس في هذا النص بالذات ما أغضب بعض أصدقائي وقرائي ، إلا إذا كان بينهم من رأى نفسه في أولائك "الأحرار" بهتانا، الذين تحفظت على "أحراريتهم" ،أو كانوا من المتهافتين على تلك الكراسي ممن لا يرون أشواكها، وربما أن ليس هذا النص بالذات هو ما دفع صديقي لتنبيهي، وإنما ما سبقه في حملتي الموازية الساخرة الواخزة وخزا،  وبالخصوص ما نشرته سلسلةً تحت عنوان "مركادو ومرحاضو" ؛ ولهذا بعدما عبرت لصديقي -الذي  ما فتئ يواكب منشوراتي على الفايس بتفاعلاتك الكريمة الدقيقة النقدية الحصيفة،إن بلغة المتنبي أو بلغة موليير- بعدما عبرت له عن جزيل شكري وعميق امتناني للفته نظري إلى شطط جنيِّي الأحمر الساخر، ودفعه إياي الى التقريرية الفجة  ربما، فاني ذكَّرْتُه بما يقرره المقررون بشأن هؤلاء الأحرار المتهافتين ، وقلت له صراحة أنه لا يهمني أن يغضب مني هؤلاء الزرق الحماميون الجدد ، وبالخصوص من المطبعين مع الفساد والمفسدين ، ومع أبي مخشن،أو أبي خشنن ، الذي لن تأنس له غزالة ،أو بقرة ، الشعب المغربي ، فتسمح له بالمزيد من احتلابها واعتصارها ،حتى لو رمى من قبه وجيبه وخزائنه وصناديقه ، بتلك الملايير السبعة عشر ، وعشرات الملايير الأخرى مما نهبه ممتصا معتصرا  من ضروعها،  بل وحتى من الأكسجين في رئتيها  وحواليها..ولن تستريح هذه الغزالة الشَّموس إلا بعدما ترى كبير المفسدين الناهبين ينفض كل جيوبه أمام المحكمة ؛      فعن أية ديمقراطية وصناديق ونتائج ونزاهة وشفافية  ونجاح يتحدث أبو خنشش وأتباعه ؟! والأصل في الانتخابات الديموقراطية أن تستبعد الفاسدين المجرمين ، أوالمتهمين بالفساد ،أو من تحوم حولهم ولو شبهة الفساد وجرائمه؛ تستبعدهم ، أصلا  ومطلقا، عن الترشح و المنافسة.
    فويل لمن كثرت صناديقه ومفاتحيه.
    وويل لمن  فاحت روائحه وكثرث  من حوله الشبهات .
     وويل لحداثة "التجڤي"  الخنششية وفتوحاتها  التي قلت فيها  مقررا تقريري الشعري :
                              حداثةُ "التِّجِڤي" تُجَّارٌ وآلاتُ
                                              ألْقَاطِرُ يَجْرِي وَالْمَقْطُورُ أشْتَاتُ
                              اسْتَثْمَرُوا كَـلَأً وَاسْتَضْمَرُوا كَمَأً 
                                               تَحْتَ الضَّمِيرِ بِهِ الْأَحْيَاءُ أَمْوَاتُ .

صفرو- السبت 18 شتنبر 2021.

.

..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube