مراد العمراني الزكاريمستجدات

لماذا عنون أوباما كتابه ‘بالأرض الموعودة’؟

مراد العمراني الزكاري محلل استراتيجي ومحاضر بمؤسسة رافايل كامبلانس برشلونة
الولايات المتحدة الأمريكية مجرد دولة وظيفية نشأت على أساس مذهبي ومعتقد ديني؛ على أعتبار أن الأراضي الأمريكية هي أرض الله الموعودة، وشعبها هو شعب الله المختار، وفقًا للعقيدة البوريتانية للمتطهرين، كنسخة راديكالية من البروتستانتية الكالفينية، من أجل الوصول إلى الثورة العالمية لآدم وايسهاوبت. 

هذه العقيدة الذي فرضت نفسها مع كل دورة من دورات الزمن، جعلت الأمة الأمريكية تظن أنها تجسيد لحقيقة سياسية واجتماعية في كل مكان، وظلت فكرة تأسيس إمبراطورية كونية، والحفاظ عليها هي الفكرة المسيطرة على سلوك وتوجهات جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة. 

وظل الارتباط العقائدي بين البوريتانية الكالفينية المسيحية، والرأسمالية اليهودية، كفكرة تغذت على التلمود، يسير وفق مسار أيديولوجي تاريخي يمثل وجهي العملة لهذه الدولة الوظيفية؛ حيث التوسع الإمبريالي بالجيش الأمريكي الذي وصفه بوش الابن بـ”جيش الرب”، كوجه العملة المتصوف والمتعلق بفكرة الأمور السماوية، وهذا الوجه يمهد الطريق لوجه العملة الآخر، حيث الانتشار والتوغل داخل شرايين وأوردة الكرة الأرضية باقتصاد السوق الحرة، أي الرأسمالية المتوحشة تحت شعارات نموذج الديمقراطية الكونية. 

قال عنها ديفيد روكفلر في مذكراته الشخصية: يعتقد البعض أننا “عائلة روكفلر” جزء من عصابة سرية تعمل ضد المصالح الفضلى للولايات المتحدة، وتصف عائلتي وأنا، بالأممية، وبالتآمر مع الآخرين حول العالم، لبناء هيكل سياسي واقتصادي عالمي متكامل – عالم واحد، إذا كانت هذه هي التهمة، فأنا مذنب، وأنا فخور بذلك كشفنا أسرار هذه الإمبراطورية الكونية التي تمثل مجموعة من الشركات الكوربوقراطية العابرة للقومية والدولة الوطنية، وكيف تحكمت في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والثقافي وحتى العسكري، لجميع إدارات البيت الأبيض المتعاقبة، بفلسفة الباب الدوار. 

نستكمل مما سبق؛ إلقاء الضوء على الحقبة ما بعد السوفياتية، حيث بدأت حقبة جديدة ترتكز على النموذج الكوني للأباء المؤسسين، وشهدت السنوات التالية تغيير حاد في هويات الشعوب، استلزم معه إعادة تشكل السياسه الكونية على خطوط ثقافية مختلفة، وتطويعها داخل “النظام العالمي الجديد” الذي أعلن عنه بوش الأب، بعد سقوط جدار برلين سنة 1991. 

كما نكشف المزيد من أسرار هذه الإمبراطورية الكونية ما بعد الحقبة السوفياتية، وكيف عملت من أجل استمرار الهيمنة الأمريكية على رقعة الأوراسيا، بأبعادها الأربع “الثقافية – العسكرية – الاقتصادية-السياسية”، عبر سلسلة لا تنتهي من تغيير الأنظمة الحاكمة التي تقاوم، أو ترفض الدوران في فلك اقتصاد السوق الحرة، بأسلوب التنافر المعرفي، الذي يسوق للشعوب عبارات: “الثورة هي الاستقرار – الديكتاتورية هي الديمقراطية – هدم الأوطان هو البناء”.

استراتيجية لـ”حرب الأفكار”، تحدث عنها ويليام إنكدال في كتاب جديد بعنوان “المصير المشهود”، صدرع سنة 2018، حيث قيام وكالات الاستخبارات، ووزارة الخارجية الأمريكية، بالتعاون مع منظمات غير حكومية، بتطوير تقنيات دقيقة لنكهة جورج أورويل المزدوجة “التنافر المعرفي”، من أجل خلق سلسلة من تغيير الأنظمة في جميع أنحاء العالم، والتي بدت نبيلة في ظاهرها، وفي حقيقة الأمر، هو استبداد عالمي لشركات وول ستريت، يستخدم عبارات الحرية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، من أجل جلب الحرب والعنف والإرهاب.

نتجول بين قارات العالم، ونكشف دور الولايات المتحدة في خلق جيوش من جحافل القوات الناعمة، داخل بلدان الأوراسيا، التي يمكن تحريكها في الزمان والمكان، وتحويلها، إلى أرقام تُعد وتحصى في ميادين وساحات  الخيانة للأوطان، تشعل ثورات ملونة، من أجل زعزعة استقرار الدول، وتغيير الأنظمة، أو بالآحرى، تحقيق مشروع القرن الأمريكي الجديد.

وأخيرا كيف تغيرت الخريطة العالمية مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سنة 2016؟ وما هي موازين القوة الجديدة التي بدأت تتشكل على أنقاض الربيع العربي الصهيوني؟ وعلى أي أساس من القوى ترتكز؟ وما هو مستقبل العالم القادم في ظل الضمور الإستراتيجي للبنتاكون، وتقوقع الولايات المتحدة الأمريكية داخل حدودها، والسعي إلى بناء أمريكا الصناعية بلعبة التنافس الإستراتيجي مع قطبي الشرق الأوراسي “الصين – روسيا”؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube