الألغام بمنطقة كارباخ الأذربيجانية المحررة

هاجس إنساني يطالب بمزيد من دعم المجتمع الدولي
ذ. شعيب بغادي
منذ بداية التسعينات حيث أعلن الاستعمار
الأرميني وجوده على منطقة كارباخ، وجمهورية أذربيجان تقاوم بكل إمكانياتها، وبكل
الوسائل القانونية من أجل التخلص من وباء هذا الاحتلال الذي دام لحوالي ثلاثة
عقود.
واستمرت المقاومة المشروعة إلى
حين استرجاع المنطقة المسلوبة في معركة 44 يوما، التي كانت كافية لطرد المستعمر واحتضان
جمهورية أذربيجان لأراضي كارباخ.
خروج المستعمر لم يكن نهاية
المقاومة والصمود، حيث وجدت أذربيجان نفسها أمام معاناة أخرى من جراء مخلفات
الحرب، ز المتعلقة بما تختزنه الأرض من ألغام بدرجة جعلت منها أكثر الأراضي
الملوثة بالمتفجرات، حيث يوجد
ما يقدر بنحو 1.5 مليون لغم أرضي وعدد غير معروف من مخلفات الحرب المتفجرة التي
تلوث أكثر من 13٪ من الأراضي الوطنية، مما يشكل مخاطر جسيمة على المدنيين ويعوق
التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويشير المسح الأخير إلى أن إجمالي المساحة الملوثة في الأراضي
الأذربيجانية المحررة تبلغ حوالي 11667 كيلومترا مربعا. تشكل هذه المساحة حوالي
13.47% من إجمالي مساحة البلاد (الرقم السابق كان 11.88%)، أي 86.600 كيلومتر مربع
ومنذ نهاية الحرب في عام 2020 حتى 30 يونيو 2024، وقع 219 حادث
انفجار ألغام أرضية، مما أدى إلى سقوط أكثر 369 ضحية، بما في ذلك الأطفال والنساء،
الشيء الذي يفرض بإلحاح مساعدة الضحايا واعتماد عمليات إزالة الألغام.
وتجدر الإشارة أنه على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، بلغ العدد
التراكمي لضحايا الألغام الأرضية في أذربيجان 448 3 شخصا.
في عام 2020، تم إعلان نهاية الحرب،
لكنها أيضا كانت بداية حرب أخرى وصراع ومقاومة ضد الساعة من أجل ضمان السلم والأمان
والطمأنينة الكاملة للمنطقة، عبر التخلص أولا، مما تركه المستعمر من ألغام ومتفرجات
هو وحده يعلم بخريطة مكانها وحيث تستقر، وأيضا من أجل إعادة تعمير المنطقة التي
تحولت لخراب مس كل جوانبها العمرانية، من منشآت إدارية ومساجد، ومن مرافق سكانية
وبنيات ثقافية وغيرها من المرافق التي باتت في حاجة إلى ترميم كلي تستعيد به نسمة
الحياة والوجود.
هي حرب لغاية إنسانية، تقاوم
عبرها جمهورية أذربيجان كل الصعاب والتحديات من أجل المجتمع والوطن، لتعلن
احتفالية العودة الكبرى للديار وقد تخلصت من كل مخلفات الحرب وما أنتجت من صور
مؤلمة ومحزنة.
وما يزيد الوضع حزنا، هو رفض
أرمينيا تقديم خرائط دقيقة للألغام الأرضية التي زرعتها في الأراضي الأذربيجانية،
مما يزيد من تعقيد جهود إزالة الألغام ويعيق عودة 800 ألف نازح سابق إلى ديارهم، وأيضا
يساهم بشكل مباشر في تعقيد جهود المصالحة وبالتالي تحقيق السلام الكلي في المنطقة.
إن تلوث أراضي منطقة كارباخ
بالألغام وغيرها من المتفجرات، تشكل تحديا كبيرا لجمهورية أذربيجان التي تحظى بالتضامن الإنساني من خلال دعم المجتمع الدولي بكافة أركانه
السياسية والمدنية لجهودها في إزالة
الألغام والتخلص من هذه الآفة العظمى.
لكن، يظل رقم الدعم منخفض بشكل بارز، نظراً لخطورة تحديات إزالة الألغام
التي تواجه أذربيجان، حيث ومنذ أن بدأت عملية إزالة الألغام للأغراض الإنسانية على
نطاق واسع في عام 2020، شكلت المساعدات الخارجية 5% فقط من الموارد المخصصة لإزالة
الألغام.
إن الوضع في مجمله الآن لا
يتعلق بنزاع حول منطقة أو أرض معينة، ولكنه تحول ليجسد حالات إنسانية تستدعي
التخلص من كل التعابير العدوانية، حماية للمدنيين الأبرياء، واحتراما لما تنص عليه
الأعراف الدولية من بنود تفرض عدم تعريض أفراد المجتمع المدني من نساء وأطفال
وشيوخ ز كل من ليس له دور في حمل السلاخ والقتال.
ومعلوم
أن جمهورية أذربيجان تعرضت للتأثير المدمر للألغام الأرضية، حيث تم تدمير جزء كبير
من تراثها الثقافي أثناء الاحتلال، ولا يزال الوصول إلى المواقع المتبقية غير ممكن
بسبب وجود نسبة هامة من الألغام والمتفجرات.
وفي هذا الإطار، تكون كل
الأطراف وفي مقدمتها تلك التي خرجت من دائرة حرب ومن صراعات جمعت بينها، ملزمة على
التعاون من منطلق التزام بالشرف وبعيدا عن كل سلوك يقوم على الانتقام.
من جانب أذربيجان، فهي تعمل جاهدة في مختلف المحافل الدولية على
تنوير الرأي العام بمخاطر الآثار البيئية السلبية للألغام الأرضية، حيث تم إدراج القضية
البيئية في المؤتمر الدولي حول الألغام الأرضية لهذا العام والذي عقد في مايو 2024
في أذربيجان.
بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من التزامها بمعالجة المخاطر
البيئية المتعلقة بالألغام الأرضية التي تهدد أيضا الممتلكات الثقافية، تخطط
أذربيجان لتنظيم حدث جانبي يركز على العواقب البيئية للألغام الأرضية على هامش
اجتماع COP29 في نوفمبر 2024.