شخصياتمستجدات

الدروش:يارفيقي نبيل ….لسنا بقطيع

يارفيقاتي ورفاقي..
لم يكن يوماً حزبنا ينهج ثقافة القطيع..
بينما كان أستاذ يلقي محاضرة أمامنا ، منتصف التسعينات، فاجأه أحد الحاضرين، بالسؤال عن مفهوم عقلية القطيع.
أطلق المحاضر ابتسامة ، لا تخلو من إعجاب بنباهة الرجل ، ثم باشر جوابه بحكاية عن راع استعصى عليه قيادة قطيع غنمه، فما كان أمامه إلا أن يعلق جرس أو أكثر في رقبة المرياع ( كبش تحبه وتتبعه باقي الأغنام) يحركه فيحدث صوتا أثناء الحركه والمشي فيسمعه باقي أفراد القطيع فيستمرون في تبعيته والمشي خلفه أينما توجه وإن كان ذاهبا الى أماكن ذبح أفراد القطيع.
في أحد الأيام فكر الراعي في تغيير وجهة المرعى فعبأ خرفانه في قارب، حتى يصل إلى الضفة الأخرى من نهر ، و بينما انشغل الراعي بالتجديف أصيب المرياع برهاب التيار المائي فقفز في النهر و تبعه القطيع دون أن يتخلف واحد منهم.
قال المحاضر مخاطبا باقي الحضور: تلك هي عقلية القطيع، فلا تكونوا قطيعا يقرر مصيركم مرياع بليد مرتعب.
فنصيحة الأستاد المحاضر ظلت تحاصرني مدى مسيرتي الحزبية، حتى استعصى علي التمييز في بعض المحطات بين السلوك القطيعي و الوفاء للجماعة، خصوصا عندما أضطر إلى الانصياع لقرارات الجماعة و أنا غير مقتنع بمخرجاتها، بيد أنني أفضل الانضباط مادام القرار قد اتخذ بشكل ديمقراطي.
لكن بعد توالي التجارب تبين لي أن هناك فرق كبير بين قطيع يؤتمر بأمر المرياع و جماعة يقودها قائد أو أكثر تقرر في مصيرها فردا فردا .
تأكد لي أن هذا الميل السلوكي الذي يؤطر توجهاتي الحزبية، هو قوة منبعها الإيمان بالإختلاف و الانضباط لقرارات الرفاق يتداولون نازلة فيما بينهم فيناقشونها و يخلصون إلى مخرج يفترض أخلاقيا أن ننضبط له، اللهم إذا كان ذاك المخرج سيؤدي بنا إلى إداية الغير أو الإساءة له و إثارة الفتن و قطع أرزاق الناس أو إتخاذ مواقف ضد قناعاتي و مبادئي، ففي هذه الحالة سأكون ملزما بما يمليه علي ضميري و مبادئ لا سلطة أخلاقية للجماعة علي.
لا ضير في تكثل الجماهير الواعية بما يجمعها، فهي نادرا ما تتخلف عن الصواب و حتى إن حدث ذلك، فإنها تتحمل التبعات بشكل جماعي، إيمانا منها أن “قانون الوحدة العقلية للجماهير” هو بالأساس التزام و مسؤولية…هو قانون لا وجود فيه للسيد و العبد أو الشيخ و المريد، عكس ما يحدث للتجمعات التي تدين لمنطق عقلية القطيع .
في أحزابنا السياسية بما فيها حزب التقدم والإشتراكية، تتشكل إطارات تبدو ظاهريا على شكل تكثلات أو توجهات، و هي في الحقيقة “قطيع” وضع إرادته و مصيره بين يدي مرياع … و المرياع في حد ذاته يرعاه و يوجهه راع يسود و يحكم .
في أحزابنا، القرارات أضحت تصاغ و تحاك سناريوهاتها ليلا و على القطيع أن يصفق و يمأمأ .
في أحزابنا، رأي الجماعة لا يأخذ به … ضعفت الفردانية المبدئية…وأهمل بعض الأعضاء الحزبيين تفكيرهم وقرارهم الشخصي….سلموا مفاتيح غرف نومهم لقواد وهميين…..باختصارالبعض-اقول البعض- لاوجود في قاموسه الحزبي سوى لكلمتي الشا و الرا..
لا أوجه السهام هنا لشخص أو جماعة و إنما أريد ،و الله مطلع على النوايا ، أن أشير إلى أن تفشي ظاهرة” القطيع “هي ما جعلت الأحزاب السياسية تفقد استقلالية قراراتها، فهاته الثقافة تجعل ضعفاء الشخصية يسيرون بجهلهم خلف محترفي الشائعات و أصحاب المصالح الشخصية، بعد أن تشل عقولهم ويعمي الحماس والاندفاع بصيرتهم.
عزيز الدروش
عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والأشتراكية
مرشح سابق للأمانة العامة للحزب
نائب الرئيس الجمعية المغربية لدفاع عن كرامة المواطن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube