اقواسمستجدات

ســرد ونقــد(6) :الأفعى وقرن الثور

مصطفى الزِّيـــن

مقدمة لاعلاقة لها بالنص:

علق أحد الظرفاء على خبر إلتحاق حميد شباط بحزب جبهة القوى.. بقوله: ” حزب جبهة القوى..” يعلن التحاقه بحميد شباط. قالت أمي تخاطبني : أتدري، ما تفعل الأفعى إذا بتر أحدهم ذيلها أو نصفها الأسفل بضربة فأس أوبضربة بلطة مثلا..؟ ما تفعل حتى لا يفترسها النمل ؟ قلت : أظنها تختبئ.. واستدركتٌ قائلا : ولكن النمل شمام ؛ يستطيع أن يدركها أينما اختفت واختبأت.. يجب -يا أمي- أن أكون قد جربت ورطة أفعى جريحة ، فقدت نصفها الأسفل حتى أخبرك. ضحكت أمي ، وقالت : إذن ، أقول لك – أنا التي سمعتُ ، ثم رأيتُ – ما تفعله الأفعى في تلك الحالة : تبحث عن شيء ، جسم ما ، كأن يكون قرن ثور مرميا، فتحشر فيه ما تبقى من نصفها الأسفل، وتنتفخ حتى تنسد جميع الثغرات ، فيصبح نصفها قرنا والباقي أفعى.. قلت: سبحان من أوحى وعلم ..يقولون إن الحاجة أم الاختراع. ولكن، يا أمي ، كيف يكون سير الأفعى في هذه الحالة؟ هي التي كانت تنساب وتتسلل لا يسمع لها حس إلا إذا فحَّت، أو إذا جلجلت ، إن كانت من ذوات الأجراس ،وتسمى هكذا،أو تسمى الأفعى المجلجة، وما أظن هذا النوع عندنا! قالت أمي : بلى، عندنا جميع أنواع الأفاعي تقريبا، وسمعت من يحكي عن هذا النوع ويسميه الحية الشنشانة ، تسمع لها شنشنة كتلك اللعبة التي تعطى للأطفال الرضع، وقد كانت لك واحدة..ولكن أخطر الأفاعي فتكا أفعى قصيرة لا يتعدى طولها مترا واحدا، تكون غير مزوقة كثيرا،سوداء أو شهباء ..حرشاء.. محرشفة قليلا ،هي التي رأيتها تسكن قرن ثور وتجره: حكت ،قالت: عندما كنت طفلة في نحو العاشرة ، وكان الفصل صيفا والليلة مقمرة، كنا آوينا أنا وأمي للنوم، فسمعت صوتا يشبه القرقعة ، نبهت جدتك فأصغت..حتى اعتقدنا أن لصا، ربما، تسلل إلى غرفة المطبخ القائمة في الجهة الأخرى من الفِناء، ولكننا أحسسنا أن خالي الذي كان ضيفا علينا في تلك الليلة ، خرج إلى الفناء ينظر ما أمر هذا الصوت، ..أوقدتْ أمي المصباح، وخرجت تتبعه وأنا خلفها ممسكة بأهداب ثوبها..ولكن خالي كان أنهى كل شيء .. وحمل القرن ورأس الأفعى يتدلى مدموغا بضربات حديدته .. وهو من كان حكى لنا مثل هذا الأمر منذ أشهر، وهو الذي أوقفنا عند حقيقته رأي العين.. لا أذكر المناسبة، أو الحدث الذي كان جعل أمي -رحمها الله – تثير حديث وذكرى الأفعى مقطوعة الذيل، ولكن لا بد أنها كانت تعلق على حدث ما، تريد أن تضرب مثلا، فتحدث وتقنع بالرمز، أو بالحكاية الرمزية كما كانت عادتها؛ ربما كان أحد رجال بلدتنا ، أو إحدى النساء ، قد قطع ذيله أو ذيلها، طلاقا أو طردا من حضن أو نعمة، فلجأ المطرود يبحث عن ملجإ لدى أرملة عجوز مثلا ، يخفي نصفه المقطوع في بيتها /قرنها الحقير..خوفا من النمل.. * * * * * * ولكني تذكرت هذه الحكاية ، أياما قليلة عندما رأيت أفعى آدمية خطيرة، من أفاعي السياسةالمتقلبة عندنا ؛ تلك التي يكمن تحت أنيابها وتقلباتها العطب ، كما يقال ؛ أفعى قصيرة خشنة حرشاء ملساء ، وفدت على سياسة المدينة من أحراش البادية ووديانها وجحورها، وأصبح هذا الأفعى أو الأفعوان كبير أفاعي وزواحف وسحليات المدينة والبلاد ..أفعى تكش على رأس واحد من أكبر وأعتد الأحزاب ،بعدما لدغت أفاعيَ كبيرة وصغيرة، وعطبتها، أو حلبت سمها ونزعت أنيابها ، وتركتها تحت رحمة النمل المفترس.. كثيرا ما تقلب هذا الأفعوان وراغ وزاغ ، وتحالف مع أفعوان آخر من حزب طفحت به الأحداث إلى السطح، ثم تحانف وتجانف عنه متهما ،يكاد يكون له ملتهما..ولكن بلطة بلطجي قطعت ذيل الأفعوان المشاكس حول “فأس” غير مهموزة، فقطعت ذيله ،أو بترت نصفه الأسفل..فزحف الأفعوان الجريح مبتور الذيل بعيدا خارج المدينة والبلاد بكاملها ،خائفا من النمل المفترس الشمام، متخفيا في هوية عُصيَّة أو أو حيوان أليف كالقط أو الكلب.. ربما بحث هناك عن قرن ثور مرمي فلم يجد القرن الذي يناسبه ويندغم عليه تماما ..، ثم عاد.. لأن الأفاعي ،كما يبدو ، تحن إلى أوطانها ومتقلباتها وروغانها في التراب أو الرمل ؛ ربما ظن أفعواننا الخطير أن جرحه قد التأم، وذيله قد استطال مرة أخرى، فعاد يزحف يريد أن يكش مرة أخرى على رأس الكثبان الذي كان يتربع عليه ..ولكنه وجد أفعوانا آخر قد عظم بأسه هناك ، تربع وكش، تخفره أفاعي وثعابين ، منها المجلجلة المصلصلة الشنشانة من ذوات الأجراس، ومنها من ذوات القرون ،ومن حنش بوسكة ، فوجد أنه خف وهان في ميزان هذه الأفاعي، فنُكِئ جرحه ،الذي ظنه اندمل، وتجدد، فخاف من أن يفترسه النمل الوردي ، ومن كل الألوان ، فبحث عن قرن ثور يحشر فيه مؤخرته الجريحة ، فسرعان ما وجده.. كان قرن ثور، يسمى “بوجبهة” نفق من سنوات، مرميا ،فارغا إلا من بعض الحشرات غير المؤذية، رحبت بأن تنسحب منه، وتعطيه للأفعوان المبتور الموتور ، يحشر فيه مؤخرته، فتركب هي ،ظهر القرن والأفعوان، فتمشي في موكبه بين أفاعي الجحيم إلى الفردوس الموعود.. ها هو أفعوان “فأس” بوسكة معتصم بقرن الثور بوجبهة ،في مأمن من النمل ، سيخرج يجر القرن بين الأفاعي والثعابين في ساحة جامع الفناء، في العرض الفلوكلوري الموسمي بهرجه ومرجه بمزامير ودفوف الحواة والحلايقية ، ربما سينتخب من بين الأفاعي والثعابين الأكثر فرجة ورهبة ،والأغرب المَغْرَب..ولكن سيره لن يكون انسيابيا كما باقي الأفاعي الملساء الباردة؛ سيثير قرقبة مزعجة ،وبخاصة في أثناء الليالي ، لأنه سيضطر أن لا يخرج إلا بالليل حتى لا تحمي شمس النهار عليه القرن فتلسع مؤخرته المحشورة، ولأن الحشرات والهوام التي تركب ظهره وظهر القرن ، لا تحب الخروج إلا بالليل..ولكن قرقبة القرن ستزعج الناس وتقلق نومهم، فلا بد أن يخرج إليه أحدهم ببلطته أو حديدته أو بحجر فيشج رأسه ويدمغه بضربة قاضية،فيجتمع عليه النمل من كل الألوان.

صفرو- الإثنين 16 غشت 2021 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube