فضاء الأكادميينمستجدات

أهمية العيد بالنسبة للمسلمين في إسبانيا.

الدكتور عبد الرفيع التليدي (جامعة ليريدا/كطالونيا/إسبانيا)

من المعروف أن جميع المهاجرين المسلمين و خصوصا المغاربة منهم و الذين يشكلون الأغلبية بدأوا يأتون إلى إسبانيا منذ ستينات القرن الماضي بنية العيش و الإستقرار بها و لم يفرطوا في دينهم الإسلامي ولم يتركوا ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم و لم ينصهروا و يذوبوا في هذا المجتمع الجديد الذي يغري الوافدين الجدد بشتى أنواع الإغراءات و خصوصا طريقة العيش المبنية على الإستهلاك و تسهيل سبل الحياة وتوفير كل الإحتياجات الضرورية. والجدير بالذكر أن من بين الأمور التي لها أولوية عند أغلب هؤلاء المسلمون في هذا البلد هو أنه بمجرد ما يصلوا و يستقروا في أي حي من الأحياء، سواء داخل المدن أو خارجها، حتى يبدأوا في البحث عن مكان لإستعماله كمسجد لممارسة حقهم الدستوري في القيام بالواجبات الدينية و التي تأتي فيها الصلاة في المقام الأول.

وتعتبر المساجد والتي تقع في أغلبها تحت تسيير المغاربة سواء كأشخاص أو كفديراليات مختصة في الشأن الديني مثلا: ( UCIDE, FERRY, CIE, CIC) و غيرهم، نقطة إلتقاء وتجمع للمسلمين من مختلف ألأصول وألأجناس في المدن والقرى الإسبانية من أجل أداء الصلوات الخمس و إلقاء خطب الجمعة و الأعياد والتعريف بأسس و مبادىء الدين الإسلامي عن طريق تنظيم نقاشات و محاضرات و كذلك إستدعاء علماء دين من بلدان أخرى ليشرحوا كل ما هو مرتبط بأداء الواجبات الدينية على أحسن وجه. إضافة إلى القيام بالأبواب المفتوحة في بعض المساجد لفتح المجال لغير المسلمين للدخول إليها والتعرف على مرافقها بطريقة مباشرة، وكذلك تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية لأبناء المهاجرين في هذه المساجد. كما يلاحظ أنه في شهر رمضان تكون المساجد مملوءة بشكل ملحوظ لتأدية صلاة التراويح وإحياء ليلة القدر، وكذلك الشأن بالنسبة لعيد الفطر حيث يحج عدد كبير من المصلين سواء إلى المساجد أو المصلاة لأداء صلاة العيد.

أما فيما يتعلق بعيد الأضحى فتبدأ الإستعدادات قبل أسابيع في بعض المساجد حيث يتم تكوين لجن خاصة تتكلف بتوجيه طلبات الحصول على الرخص من البلديات أو السلطات المسؤولة و تحديد أماكن الصلاة كالملاعب أو القاعات الرياضية، وكذلك التكلف بتنظيم وتسهيل عملية الذبح في الأماكن المخصصة لها و السهر على أن تتم العملية في أحسن الظروف وبدون مشاكل ومحاولة إيصال أضاحي العيد إلى أصحابها في نفس اليوم. و يعتبر يوم العيد مناسبة يجتمع فيها المسلمون من مختلف الأجناس والأعراق ليؤدوا الشعائر الدينية، فتراهم يمشون في الصباح الباكر في كل الشوارع والطرقات متجهين إلى المساجد و إلى المصلاة حاملين سجاداتهم في أيديهم وقد تزينوا بأحسن الثياب. و عند وصولهم إلى مكان الصلاة تتشكل صورة رائعة من مختلف الألوان و التي يغلب عليها اللون الأبيض و تزينها السجادات المفروشة على الأرض، ثم تبدأ التكبيرات وبعدها يقوم الجميع للصلاة. و عند الإنتهاء يحيون ويهنئون بعضهم البعض آخذين بعين الإعتبار الظروف الحالية المتعلقة بوباء كورونا، ثم تراهم يسرعون في العودة إلى منازلهم لكي يعدوا العدة و يتوجهوا إلى ألأماكن التي تتواجد فيها اضاحيهم لذبحها أو لإستيلامها و العودة بها إلى منازلهم ليبدأوا الإحتفال مع أبنائهم و زوجاتهم وذويهم. و قد يختلف موعد بداية الإحتفال من أسرة لأخرى حسب ظروف و توقيت الحصول على الأضحية التي تعتبر من شعائر الإسلام كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الكوثر ” فصلي لربك وأنحر”.

و في هذا الشأن، يلاحظ، من جهة، أن بعض مربي المواشي يستغلون فترة العيد لرفع أثمان الأكباش لتحسين مداخيلهم، بل أصبحوا معتادين عليها. و يمكن القول ان أثمنة الأضاحي هذا العام قد تراوحت بين 140 و 240 أورو للكبش الواحد. و غالبا ما يتم تحديد ثمن الخروف الذي تتوفر فيه شروط الأضحية ( و الذي يجب أن يكون عمره من ستة شهور إلى ما فوق) حسب ظروف العرض والطلب، علما بأن هذه السنة كان الطلب أكثر من العرض في بعض المناطق و لهذا السبب إرتفع الثمن. و بطبيعة الحال فبمجرد ما يمر العيد تعود الأثمنة إلى حالتها الطبيعية. و من جهة أخرى، و بسبب ظروف العمل يلاحظ أن هناك بعض المسلمين الذين يرغمون على إقتناء الأضاحي من محلات الجزارة لأن يوم العيد يعتبر يوم عمل وليس يوم عطلة بالنسبة إليهم و ليس لهم بديل آخر. و بالمناسبة فقط سكان مدينتي سبتة ومليلية لهم الحق في العطلة خلال هذا اليوم نظراً لوجود عدد كبير من المسلمين المغاربة القاطنين هناك و كذلك يعتبر حق منحته لهم الحكومتين المحليتين في المدينتين.

وتشكل قضية الذبح مشكلة كبيرة للعديد من المسلمين في إسبانيا نظرا لقلة ألأماكن المخصصة للدبح و تواجد أغلبها خارج المدن، و نظرا كذلك للقوانين الجاري بها العمل والتي تنص على ضرورة ذبح الأضاحي في الأماكن المخصصة لها و ضرورة حضور الطبيب البيطري للمراقبة و التأكد من خلو الأضاحي من الأمراض. و ما هو ملاحظ هو أن غالبية المسلمين يحترمون هذه القوانين ويعملون على تطبيقها، لكن نجد البعض الآخر يخالفها و يقوم بذبح الأضاحي بطريقة سرية في أماكن خاصة يوفرها لهم بعض الأشخاص الطامعين في الحصول على المال أو بإتفاق مع مربيي الماشية أنفسهم في بعض الأحيان. لكن المشكلة تكمن في كون ان هؤلاء الأشخاص المخالفون قد يؤدون غرامات مهمة إذا تم إكتشاف أمرهم من طرف رجال الشرطة؛ وقد تصل العقوبة إلى 3 آلاف أورو مع سحب الأضحية ورميها في أماكن القمامة. و قد سمعنا في السنوات القليلة الماضية عن حالات وقعت في مناطق متفرقة و تم معاقبة اصحابها. وتفاديا لمثل هذه المشاكل وجب على ممثلي الجمعيات والمؤسسات التي تمثل المسلمين هنا في إسبانيا التحرك و التوعية بهذه المخاطر و العمل على إيجاد حلول بديلة و توفير أماكن جديدة للذبح بإتفاق مع البلديات أو السلطات المختصة.

و يعتبر عيد الأضحى مناسبة للعديد من الأسر والأهل والأصدقاء للإلتقاء والإجتماع وصلة الرحم، و كذلك إقتسام و توزيع الأضاحي مع إخوانهم الذين لم تسعفهم الظروف في اقتناءها أو الأشخاص المعوزين الذين يعيشون ظروف صعبة مصداقا لقول الله سبحانه و تعالى: “فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ” (الحج:28)، و في الآية الأخرى: ‘فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ” (الحج:36). و الأفضل في توزيعها ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قال: “ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث”. كما أن الأطفال كذلك ينالون نصيبهم من هذا الإحتفال، وهذا الدور من واجب الآباء القيام به في تعليم وتعريف أبنائهم بأهمية العيد و ضرورة الإحتفال به والمحافظة على باقي العادات والتقاليد الإسلامية، حيث نراهم يرافقونهم سواء إلى المساجد أو المصلاة لابسين ملابسهم الجديدة التي اشتراها لهم آباءهم. و من الملاحظ كذلك أن أغلب المسلمين يحاولون الإحتفال بالعيد وخلق أجواء شبيهة بما كانوا يقومون به في بلدانهم الأصلية؛ حيث يعدون الشاي و الحلويات و يتبادلون التهاني و الزيارات فيما بينهم. و في الحقيقة، هذا النوع من الإحتفال يخلق نوعا من التلاحم و التراحم و الوحدة بين المسلمين في إسبانيا و يجعلهم يشعرون بنوع من الإفتخار والإعتزاز و يسعون إلى التشبث بدينهم الإسلامي الحنيف و بعاداتهم وتقاليدهم و بالتالي حث أبنائهم على السير قدما في تطبيقها و الحفاظ عليها كما حافظ عليها آباءهم وأجدادهم من قبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube