محمد بوبكريمستجدات

فشل الجنرالات وزعامات أحزابهم في مسرحية الانتخابات التشريعية الأخيرة

محمد بوبكري

من المعلوم أن جنرالات الجزائر عملوا كل ما وسعهم لتجنب إعلان نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي نظموها في يوم 12 يونيو المنصرم، حيث لجأوا إلى إعلان النتائج قطرة قطرة، لأنهم تخوفوا من أن يفضح الشعب الجزائري تزويرهم لتلك النتائج وتلاعبهم بها. وإذا كان “عبد المجيد تبون”، بعد خروجه من مكتب الاقتراع، قد صرح بأن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ليست مهمة، فإن هذا التصريح قد فضح عدم رغبة الجنرالات وخوفهم من إعلان النتائج. كما أن “سعيد شنقريحة” “قائدالأركان” قد ذهب إلى المنطقة الرابعة، وألقى هناك خطابا سياسيا في الجنود، حيث نقل إليهم ” تقدير وعرفان “تبون” نظير الجهود الجبارة التي بذلوها في تنظيم هذه الانتخابات التي طبعها الهدوء والسكينة، والتي شكلت خطوة مهمة على مسار بناء الجزائر الجديدة…”. ورغم أن الجميع يدرك أن المخابرات هي التي تنظم الانتخابات وتؤطرها وتصادق على نتائجها، فإن “شنقريحة” قد فضح العسكر، حيث كشف بكلامه هذا عن أنهم يتدخلون في الانتخابات… وبعد طعن بعض المتتبعين والخبراء في شرعية هذه الانتخابات، من خلال تقديم حجج كثيرة على أن نسبة المقاطعة كانت كبيرة، قام الجنرالات بنشر نتائج هذه الانتخابات في الجريدة الرسمية، ما جعل المتتبع يكتشف أن نسبة المقاطعة كانت جد كبيرة، فأصبحت بدون شرعية. إضافة إلى ذلك، لقد سبق للشعب الجزائري أن قاطع الانتخابات الرئاسية، وبعد ذلك قاطع المشاركة في الاستفتاء على الدستور الذي فبركه الجنرالات وجعلوه منسجما مع رغبتهم الجامحة في البقاء في السلطة…
عندما نتأمل تفاصيل نتائج هذه الانتخابات التشريعية المنشورة في الجريدة الرسمية للجنرالات، نكتشف شيئا جديدا هو أن الأحزاب الموالية للجنرالات التي شاركت في هذه الانتخابات لم تحصل إلا على %3,9 من مجموع الكتلة الناخبة، حيث إن عدد الأصوات التي حصلت عليها لم تبلغ مليون صوت، إذ إنها حصلت بالتدقيق على 955747 صوتا. أضف إلى ذلك أن حزب جبهة التحرير الذي احتل الرتبة الأولى، حيث حصل على 98 مقعدا في ” البرلمان” لم يحصل إلا على 287228 صوتا، ما يؤكد أن نسبة المقاطعة كانت طوفانية. تبعا لذلك، فإن هذا “البرلمان” يبقى فاقدا لأية شرعية سياسية. أضف إلى ذلك أن عددا كبيرا من الجنود ورجال الدرك والشرطة والمخابرات قد فرض عليهم الجنرالات المشاركة في التصويت، ما يؤكد أن الجنرالات قد رتبوا مسبقا مجريات هذه الانتخابات ونتائجها. والخطير في الأمر أن هؤلاء الجنرالات يعتقدون أن هذه الأحزاب قد فازت في هذه الانتخابات، ما يعني أنهم يرفضون الاعتراف بهزيمتهم أمام الحراك الشعبي السلمي، الذي دعا إلى مقاطعة هذه الانتخابات، لأنه اكتشف باكرا أن القانون الانتخابي سيشكل مدخلا للتزوير، ما يفيد أن الشعب الجزائري قد كان على صواب، وأنه سيظل دوما في مواجهة المؤسسات التي يفبركها الجنرالات ضدا على إرادته وطموحاته.
وتؤكد نتائج الانتخابات أن الأحزاب الموالية للجنرالات قد نزع عنها الشعب أية شرعية، كما أنه برهن على أنها فاقدة لأية تمثيلية شعبية. وإذا كان قد سبق لـ “عبد المجيد تبون” أن قال إن الحراك هو مجموعة من الناس بدون هوية، فإن نتائج هذه الانتخابات قد فضحته هو وجنرالاته، حيث أكدت أن نظام العسكر مرفوض شعبيا، لأنه لا يمثل إلا نفسه. وهذا ما يؤكد تفاهة “تبون” وسيده “شنقريحة”. ويبدو أنه لا هوية لهما، بل إن هوية العسكر تنهض على الاستبداد وتكريس تفقير الشعب الجزائري وقمعه، وترسيخ تخلف الجزائر… وعلى العكس من ذلك، فإن الشعب الجزائري قد أبدع حراكه الشعبي السلمي ورفع شعارات سياسية ديمقراطية حديثة تكشف عن نبل هويته. وإذا كان “تبون” وجنرالاته يقتاتون من اللصوصية والريع، فإن الشعب الجزائري يسعى إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، ما يعني أنه يكافح من أجل المواطنة والحرية وحقوق الإنسان، حتى أصبح العالم يشيد به وبمساعيه النبيلة، وأساليبه السلمية الحضارية…
لذلك، فإن الطبقة السياسية التي صنعها الجنرالات هي مرفوضة من قبل الشعب الجزائري الذي قاطع بكثافة الانتخابات التي نظمها العسكر من أجل تنصيبها، ويسري الرفض نفسه على كل المؤسسات التي نتجت عن هذه الانتخابات التي نجمت عنها “نخبة” تسجد للجنرالات من دون الله من أجل أن تستفيد من الريع، وكذا من فتات موائد العسكر. هكذا، فقد أصبح الشعب الجزائري يعتبر أعضاء المؤسسات المفروضة من قبل الجنرالات مجرد مرتزقة…
وخلاصة القول، لقد استطاع الشعب الجزائري أن ينهي الحياة السياسية لزعامات الأحزاب السياسية المفبركة من قبل الجنرالات ومخابراتهم، والتي تريد بخضوعها لهؤلاء أن تظهر أنه يوجد في الجزائر “برلمان” و “مؤسسات منتخبة”، والحال أن هذا مجرد كذب، لأن أعضاء هذه المؤسسات هم مجرد حيوانات أليفة في حديقة شيعة نظام العسكر، حيث إنهم يمثلون أدوارا في مسرحية بئيسة كتبها وأخرجها الجنرالان “خالد نزار” و”توفيق محمد مدين” وأفراد عصابتهما، الذين يبدعون في الانقلاب على الشعب الجزائري ورموزه وتاريخه…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube