ثقافة وفنونمستجدات

قصة قصيرة: زرقاء الندامة للمبدع حسن برما

÷÷ حسن برما

انتهت القصة في بدايتها، أغرتني بمراودة فكرته، طمعت في معانقة حسناء الكلام، تهت في دروب موحشة، صارت المتاهة فخاخا تمتحن سذاجتي المزمنة، خاب حدسي، وظلت النهاية دون مقدمات مفترضة.

صرخته الأولى كانت ضد هواء عفن أوصلوه إليه ملوثا بجراثيم الحروب والخيانات، وحين تجاوزت عطب البدايات، فشلت في نسيان ملامح جلادها، وانهزمت في تجاهل عفاريت أدمنت امتصاص دمي.

فقدتُ ثقتي في من اعتاد الاستهتار بمشاعر الآخرين وارتداء الكفن الأبيض بحثا عن خلاصه من ظلمة قبر لا يبالي بتضحيات منارة حزينة ترشد لشاطئ النجاة، وعادة العاجز الغارق في ضباب القمم الكئيبة الغدر بانتظارات السهول المستسلمة لعقم الغيمات الحقيرة!

سألته الضمير، ستر عيوب السلالة، وقال: ” لا حب ولا وفاء سوى لقطعان تحكمها ذاكرة الاغتصاب والضحك على حكمة الأشقياء!” وحاكم مصيري الملعون بتهمة الانتماء لشجرة غدرت بهوية تخافها العشيرة.

والشبح المنذور للعنة

يزيل القناع عن لسانه

يلصق بي تهمة التواطؤ الغبي

كي ينتشي بأحقاده الخفية فوق سرير الخيانة

أخرجته من لا شعوره الغارق في دوامة العطب وزوابع دفين الضريح الأحمق، أعطيته الأمان، ودعته بغبائي المعهود واثقا في صدق الوعود، اختفيت من أمامه، داس على فخاخه المعطوبة، رافق رحيلي بحركات بديئة من أصبعه الأوسط، واستعاد في نفسه قدرة خفافيش الظلام على التحليق فوق مستنقعات الخيانة وأقنعة فقهاء الاتجار بعواطف البلداء!

قلت له: “انتبه جيدا لفخ التظاهر بالضعف وقلة الحيلة! لا تأمن من يدمن المناحات المفبركة كي يفوز بعطفك وعطائك! لست مسؤولا عن أعطابه الموروثة، فلا تنتظر مني تجاوز أحقادك المتناسلة، ضحاياه كثر ، ولا أمل في تجاوزه لوصايا مومياءات ملعونة قادتخ حيث تمرح جنيات الشر الآدمية!”

وشيوخ عشائره الانتهازية الكئيبة لهم أقوال مُكفَّنة في بياض الموت لاستثمار غبائي البرئ حتى ينالوا مرادهم، وبعدها يتخلصون منك في سلة المهملات ويمضون لحياتهم الموبوءة دون تأنيب ضمير !!!

أعرف أن وقت الخديعة محدود في الزمان والمكان، تسقط ريح الخيانة أقنعة الفزاعات المدمنة على تخدير المشاعر، خيوط أعشاش العنكبوت لا تأسر سوى أصحاب الحلم الساذج، ولا براءة للوعود المسمومة!

لا شئ يربطني بجلاد الوقت الكئيب، زرع بذرة أحقاده، ارتقى قمة الأوغاد، راقب نبتة الشيطان، سخر من غباء انتظاراتي، تجاهل أحلامي المشروعة.. وراهن على النسيان! فلا تتحدث عن وفاء الغربان، هي لا تليق بغبائك، ضحايا النعيق فازوا بنشاز النشيد، والطائر الحر لا يهتم بسفَّاح الأسطورة!!!

وعوده البلهاء فوق رمل الخديعة إلهاءات للنصب على أغبياء الكوابيس والخواء المشحون بصدى الأشباح .. والحقيقة لها هدير فصيح وشياطين الظلال الكئيبة كائنات لامرئية تقتات من عرس الاغتصاب وضحايا الندم!

تفاصيل المكان عدم، والوجوه .. ملامح العبوس والكائنات الثعلبية أقنعة مستنسخة في ماراطون المحو والفناء، والحدث رعشة الزمن المشتهاة في حكم الغياب، وعليه لا جاذبية لجغرافيا يطغى عليها الخواء، وحركة الأشباح تعني شبه حياة في تضاريس جفاف وعطش.

عادت خفافيش الظلام للتحليق فوق مستنقع السلالات البائدة، وعلى غير العادة، ارتدت بياض الوداعات الموبوءة، وبزعيقها المثير للريبة والتوجس، تجاهلت ضحايا قدرها القاسي، سخرت من دموعها الغزيرة، ورددت جماعة نشيد القتل غير الرحيم.

وعلى مسؤولية العشيرة الهجينة، خرجت كوكبة معطوبة من خفافيش العتمات، فوق أنيابها الدموية لحى آدمية، تقدمتها عروس غامضة، جهزت قوامها المثير بعُدَّة الإغواء والنصب على السذج، وطافت بين القبائل متباهية بجمالها الأصيل وذكائها القاتل وليونة أنيابها المؤهلة للانغراس في جلد الضحايا ومص دماء المخدوعين المخدرين دون مقاومة تذكر.

أنزلوه من جبل الظلمات، انحدر إلى الأسفل المزدحم بالاستيهامات، أخفى لحيته البشعة بقناع أنثوي جذاب، وبالصدفة صرتُ ضحية عطره الغامض، ومشيت لورطة الموت قبل الأوان.

بخطوات مضطربة وتفكير مشلول، مضيت مسرنما نحو حتف أغبياء النبض الشقي، وجدتني وسط جوقة من الضحايا داخل سجن مجهول الاسم، خرجت لحية الشيطان من تحت القناع الأنثوي الخبيث، لم تهتم باندهاشي وقالت :” مرحبا بك في مقبرة العشاق، سنهديك رعشة اللذة المنشودة مع جنياتنا الجاهزات في جنات الحسناوات، نحتل وجدانك، نطهو مخك العطلان، ونعطيك رقما تسلسليا من سلسلة ضحايا الأدعية المسجوعة وعطر الخفافيش المقيت!”

وصلت لعبة الافتراس لنهايتها، أزال القناع عن لحيته الأنثوية البشعة، قرأ فصل الانتقام ممن خالف شرع العشيرة المخدرة بأحقاد الاغتصاب، تظاهر بالبكاء على مصيري ومآل من ساقهم القدر للوقوع في مصيدة سلالة عمياء تحكمها زرقاء ندامة، التزم حياد الجلاد ذي القلب الصخري المتوحش، وضغط على زر الشنق والإعدام .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube