ثقافة وفنونمستجدات

رواية “الطاعون” لألبير كامو قصة أدبية عن الوباء

ترجمة: أحمد رباص

غابرييل غارسيا ماركيز، خوسيه ساراماغو، جان ماري لو كليزيو​​، أندريه برينك أو ستيوارت أونان… هذا عدد قليل فقط من الكتاب الذين تأثروا أيما تأثر برواية “الطاعون” التي كتبها ألبير كامو الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1957.
كيف نفسر أن رواية ألبير كامو كان لها تأثير قوي في الأدب المعاصر؟ في محاولة منه لإيجاد جواب ممكن عن هذا السؤال، تواصل موقع “franceculture” مع أوريلي بالود، الدكتورة في الأدب العام والمقارن والأستاذة في مركز دراسة الآداب واللغات القديمة والحديثة، التابع لجامعة Rennes، وطرح عليها أسئلة فرعية، فكان الحوار التالي:
السؤال الأول: فيم يكون الوباء باعثا خصبا على نحو خاص في تاريخ الأدب؟
أوريلي بالود: الوباء يفضي إلى تأملات سياسية وتأملات أخلاقية. من بين المؤلفين المعاصرين الذين درستهم، ما يهمهم بشكل خاص هو مسألة المجتمع. هل مازال المجتمع ممكنا اليوم؟ هل انطوى الفرد على نفسه أم هو في علاقة غرامية؟ هذه الأسئلة، يطرحها الوباء بقوة، لأن خاصية الوباء، على وجه التحديد، هي جعل كل فرد حذرا من الشخص الذي بجانبه. فجأة، في قلب الأزمة الوبائية، ندرك أننا ننتمي إلى مجتمع. هذا الآخر، الذي أهملناه، أو على العكس الذي أصبحنا نعاشره فجأة، أصبح يشكل تهديدا. ما هو مثير للاهتمام، يبدو لي في حسابات الوباء، هومعالجة العلاقة مع الآخر.
لإغناء جوابها عن السؤال الأول استشهدت أوريلي بمقطع من الرواية يقول فيه الراوي:
“وهو ينظر عبر النافذة إلى مدينته التي لم تتغير، بصعوبة شعر الطبيب بأن اشمئزازا طفيفا انتابه تجاه المستقبل الذي سمي قلقا. كان يحاول أن يستجمع في ذهنه ما يعرفه عن هذا المرض. تطفو الأرقام في ذاكرته، وقال في قرارة نفسه إن الطواعين الثلاثين الهائلة التي عرفها التاريخ تسببت في وفاة ما يقرب من مائة مليون نسمة. ولكن ما هي مائة مليون قتيل؟ عندما تقام الحرب، نعرف بالكاد من هو الميت. وبما أن الرجل الميت لا يكون له وزن إلا إذا تمت رؤيته ميتا، فإن مائة مليون جثة مدفونة عبر التاريخ ليست سوى دخان في الخيال. تذكر الطبيب وباء القسطنطينية الذي قتل، بحسب بروكوب، عشرة آلاف ضحية في يوم واحد. عشرة ألاف قتيل ضعف جمهور دار سينمائية كبيرة خمس مرات. هذا ما يجب فعله. نجمع الناس لدى خروجهم من خمس دور سينمائية، ونقودهم إلى ساحة البلدة ونجعلهم يموتون في أكوام لأجل رؤيتهم بوضوح أقل. على الأقل، يمكننا بعد ذلك وضع وجوه معروفة فوق هذا التكدس الغفل. ولكن، بالطبع، من المستحيل تحقيق ذلك، ومن يعرف عشرة آلاف وجه؟”
السؤال الثاني: السؤال الذي طرحه كامو في الطاعون هو كذلك كيف نجح بواسطة اللغة في وصف حدث عنيف، غير قابل لأن يوصف بدقة مثل الوباء؟
أوريلي بالود: بالفعل، هناك في “الطاعون” فكرة أن الطاعون لا يتخيل، أو يتخيل بشكل سيئ. إذا تخيلنا ذلك بشكل سيئ، وقللنا من قيمته، فلن نستخدم الوسائل اللازمة للتعامل معه. إذا كان الأمر على العكس من ذلك، فإننا نبالغ في تقدير ويلات الوباء. في هذه الحالة، قد يؤدي ذلك إلى هذيانات قيامية ورد ذكرها أيضا في الرواية. قيل الكثيرعن أن الطاعون كتبت بطريقة رتيبة. على العكس، أعتقد أن الأسلوب أكثر تعقيدا وثراءً مما نعتقد. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الأسلوب الرتيب إلى حد ما وهذه الكتابة التي تستند إلى العديد من التكرارات تتماشى مع الوباء الذي، كما يقول كامو، يقتضي الاضطرار دائما إلى البدء من جديد. أعتقد أنه أراد أن يحاكي بهذا الأسلوب هذا الوباء الذي يجتاح المجتمع في الوقت الحاضر ويخنقنا.
السؤال الثالث: ولكن ألا يمكننا أيضا قراءة رواية “الطاعون” كما لو كانت استعارة؟
أوريلي بالود: فعلا، باعث الوباء مثير للاهتمام لأنه يشغل مخيالا بكامله، إنه مصدر للخطابات. خطابات طبية بالطبع، ولكن أيضا خطابات سياسية ودينية، خطابات الدجالين، خطابات شعبية. المثير للاهتمام في كامو هو أنه من خلال هذا النص يربط مخيال الوباء بمخيالات التاريخ. يفهم جيدا أن الوباء يضع الفرد والمجتمع على المحك، وبالتالي يربط هذه الثيمة بثيمة الحرب العالمية الثانية. بالفعل، القراءة التقليدية ل”الطاعون” تقوم على أنها تقدم سردا لتاريخ العقليات. إنها تتحدث عن الحرب العالمية الثانية بطريقة ما.
السؤال الرابع: كيف تفسرين انتشار رواية “الطاعون” بهذه الطريقة في الأدب المعاصر؟
أوريلي بالود: لا شك في أن هذا مرتبط بدقة بهذه الاستعارة، التي تسمح بقراءات متعددة. من حق القارئ أن يرى في “الطاعون” رواية متخيلة عن وباء، ولكن له أيضا الحرية في في أن يرى فيها صورة عن الحرب العالمية الثانية. ذهب بعض النقاد إلى أبعد من ذلك من خلال رؤية صورة المحرقة، وبعد ذلك تم تحين تأويلاتها باستمرار. هناك من رأى فيها أيضا استنكارًا للشيوعية، ومؤخراً كان للرواية تأثير كبير في اليابان بعد كارثة يوكوشيما. أصبح اليابانيون مهتمين بهذه الرواية لأنهم وجدوا فيها صورة عن تجربتهم هناك. يعلمنا كامو أن الأدب لا يجلب المزيد من السعادة. إنه يواجهنا بالعبثية، بحقيقة أن معركتنا ضد الوباء – ضد الشر – ذهبت سدى. ولكن مع ذلك من الضروري القتال وأن هذه المعركة نبيلة وضرورية. في الواقع، ما يدعونا إليه كامو هو التواضع والوضوح. يجب أن نفهم أننا محكوم علينا بمواجهة الأوبئة مرة أخرى، أن ذلك ما يصنع الوجود البشري. إن فتح الأعين هو ما يجعلنا إنسانيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube