محمد بوبكريمستجدات

حكام الجزائر يلجؤون إلى الافتراء والكذب لإخفاء عجزهم عن حل المشاكل التي تسببوا فيها لأنفسهم ولبلادهم

محمد بوبكري


لا تتوقف وسائل الإعلام التابعة لجنرالات الجزائر عن ترديد أن هناك جهات أجنبية تقف وراء الحراك الشعبي، بل إنها تعد في كل مرة بأنها ستقوم بالكشف عن هذه الجهات، الأمر الذي لم يحصل بعد، ما عمق فقدان الثقة في وسائل إعلام الجنرالات وفيهم ذواتهم، حيث لم يعد أحد يثق فيهم، ولا في وعودهم، ولا في “عبد المجيد تبون”، ولا في هذيانه، الذي صار يبدو وكأنه صادر عن رجل محنط…
لم يعلن حكام الجزائر عن الجهات الخارجية التي يدعون أنها تقف وراء الحراك الشعبي السلمي الحضاري الجزائري، حيث ذكروا جهتين فقط، لكنهم لم يقدموا حججا دامغة على ما يدعونه، ما جعل ادعاءاتهم فاقدة لأي معنى.


لقد سبق وأن ادعى هؤلاء الجنرالات أن جمعية “رشاد” هي التي تؤطر هذا الحراك، واتهموها بالإرهاب، لكنهم لم يقدموا حججا على ذلك. ثم حاولوا تلفيق التهمة نفسها إلى حركة “الماك”، التي تطالب بانفصال منطقة “القبايل” عن الجزائر، حيث أصدر الجنرالات بيانا يدعون فيه أن المخابرات التابعة لوزارة الدفاع قد قامت بتفكيك جماعة إرهابية ادعوا أن أحد أعضائها اعتر ف لأجهزتهم الاستخبارية خلال التحقيق معه أنه كان عضوا سابقا في حركة “الماك”، وأن دولا أجنبية قامت بتمويل جماعته وتدريبها. لكن المخابرات الجزائرية لم تكشف عن أسماء هذه الدول الأجنبية، كما لم تقم باستدعاء سفراء هذه الدول للاستفسار عن ذلك، واتخاذ ما يترتب عليه من إجراءات وقرارات. هكذا، ظلت هذه التهم ضد مجهول، ما يعني أنها مختلقة. أضف إلى ذلك أن زعيم “الماك” “فرحات مهني” سبق له أن أعلن أمام الملأ أن ما يجري في الجزائر لا علاقة لـحركة “الماك” به، وأن هدف حركته هو الانفصال عن الجزائر. ويرى مراقبون جزائريون أن موقف هذا الرجل راجع أساسا إلى أنه يائس من تغيير النظام الجزائري، أو إصلاحه. أما عن تلفيق الجنرالات تهمة الإرهاب إلى الصحفي “هشام عبود” والإعلامي “أمير د. ز.”، فإنهم استصدروا من القضاء التابع لهم مذكرة توقيف في حقهما، لكن الشرطة الدولية والدولة الفرنسية رفضتا تسليم هذين الصحفيين إلى حكام الجزائر، لأن اتهامات من هذا النوع لا يعتد بها دون قرار من القضاءين الدولي والفرنسي، علما أن الأمم المتحدة تدرك جيدا أن تهمة الإرهاب التي يسعى جنرالات الجزائر إلى تلفيقها ضد هذين الإعلاميين وغيرهم من المعارضين هدفها تصفية حسابات سياسية ، ما جعلها مرفوضة، لأنها تتعارض مع القانون الدولي، والقوانين المعمول بها في الدول الديمقراطية. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ساندت حق الشعب الجزائري في حراكه السلمي، واعتبرته حركة سلمية من أجل بناء دولة ديمقراطية…
فضلا عن ذلك، ادعى جنرالات الجزائر أن الشباب الناشطين في الحراك الشعبي في باب الواد بعاصمة الجزائر، تمولهم سفارة دولة عظمى… لكنهم لم يفصحوا عن اسم هذه الدولة، ولم يقدموا أي حجة على ذلك.
وأخيرا، قامت وسائل الإعلام الجزائرية التابعة للمخابرات الجزائرية بتلفيق تهمة إلى المغرب تدعي فيه أنه يقف وراء الحراك الشعبي… لكنها عجزت، كعادتها، عن تقديم أي حجة على ذلك، علما أن قيم المغرب تجعله دوما ينأى بنفسه عن التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه، كما يرفض أن يكون له أي عدو، لأنه لا يريد خوض أي حرب ضد أي كان؛ فهو يسعى دوما إلى التعاون مع الجميع، وسياسته الخارجية تنهض على قيم السلم والتعاون…
ونظرا لعجز هؤلاء الجنرالات أمام الحراك الشعبي، الذي أكد أنه أكثر منهم قوة وذكاء، فإنهم صاروا عاجزين أمامه، حيث كلما اشتد عليهم الضغط داخليا، يلجؤون إلى البحث عن عدو خارجي لإلهاء الشعب الجزائري عن مشاكله الداخلية بغية تحوير مطالبه، ما يؤكد أنهم يريدون تصدير مشاكلهم نحو الخارج؛ وتلك هي طبيعة الأنظمة الاستبدادية التي تسعى إلى حل مشاكلها عبر اختلاق عدو خارجي…
ويعود عجز الجنرالات عن تقديم حجج دامغة على ما يفترونه على المغرب ودول كبرى إلى أن ادعاءاتهم باطلة لا يمكن أن يسلم بها أي عاقل. ونظرا لعدم امتلاك حكام الجزائر لأي حجة دامغة على توهمهم أن المغرب يقف وراء الحراك الشعبي، فإن هذا يدل على احترافهم للكذب، حيث صاروا يكذبون كما يتنفسون… لقد صار العالم يعلم أن الجنرالات هم سبب انفجار الحراك الشعبي في وجههم، الذي صار يطالب برحيلهم من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. ومادام الحراك متواصلا ويزداد انتشارا، فإن هؤلاء قد أصيبوا بالرعب، فبدأوا يتهمون المغرب ودولا وهمية أخرى بوقوفها خلف الحراك الشعبي، بحثا عن إخفاء عجزهم أمام هذا الحراك، ما يفيد أن رحيلهم آت لاريب فيه…
يعي العالم أن عنف الجنرالات ضد الشعب الجزائري، ونهبهم لأمواله وتهريبها إلى الخارج، هو السبب الأساس فيما يعانيه هذا الشعب من تفقير ومشاكل اجتماعية جمة، كادت تخنق أنفاسه. هكذا، فالمشكل كامن في الجنرالات لأنهم تسببوا فيه بأيديهم، ما يعني أنهم ذواتهم يقفون وراء الحراك الشعبي.


وإذا كان الجنرالات يتهمون جهات خارجية بالوقوف وراء الحراك الشعبي الجزائري، فإن هذا يؤكد غباءهم الذي يحول دون اعترافهم بذكاء الشعب الجزائري الذي استطاع إبداع هذا الحراك، وبامتلاكه خيالا يمكنه من تطوير خطط مضادة لخطط الجنرالات الرامية إلى إخماد جذوة الحراك. فالشعب الجزائري يريد بناء دولة الحق والقانون التي لا يعلو عليها الجنرالات. لذلك، فهو يسعى إلى إرجاع العسكر إلى ثكناتهم من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. إنه لا يريد القضاء على المؤسسة العسكرية، لأنه يعي أن الوطن في حاجة إليها، لكنه يريد إبعادها عن ممارسة السياسة؛ فهو يريدها مؤسسة عسكرية مهنية، لا مؤسسة سياسية تمارس التسلط والعنف والنهب..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube