محمد بوبكريمستجدات

منع الحراك الشعبي الجزائري بذريعة غياب الترخيص قرار لا دستوري جائر

محمد بوبكري

لقد تدخلت أجهزة الأمن الجزائرية بعنف وحشي لمنع مسيرات الحراك الشعبي السلمي ليوم الجمعة الماضية، كما فعلت الشيء نفسه مع حراك الطلبة الجزائريين، ما كشف الوجه الوحشي لنظام العسكر الذي برهن على أن حكام الجزائر يحملون العنف في كريات دمائهم، لأنهم عنفوا المتظاهرين، واختطفوهم، وأوقفوهم، واعتقلوهم.. وقد أقدم رجال الأمن على ذلك بذريعة أن الحراك في حاجة إلى طلب ترخيص مسبق، وأنه ينبغي أن تتقدم الجهات المنظمة له بتصريح يتضمن أسماء هذه الجهات، والمسؤولين عنه، وعدد المشاركين فيه، وقائمة شعاراته، ونقطة بدايته ونقطة نهايته، وتوقيت كل ذلك…


ومن الغريب أن الجنرالات فرضوا هذه الشروط بناء على بيان غير موقع صادر عن وزارة الداخلية الجزائرية تدعي فيه أنه يستند إلى دستور البلاد، الذي ليست له أية شرعية سياسية، لأن أغلبية العشب الجزائر، وباعتراف الجنرالات أنفسهم، قد سبق أن قاطعت المشاركة في التصويت عليه.
وإذا كان حكام الجزائر يدعون أن هذا البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية الجزائرية يوم الحادي عشر من شهر ماي الماضي، يستند إلى الدستور، فإن هذا الكلام غير مقبول قانونا، حيث ترى الأستاذة “زبيدة عسول” أن ادعاء اعتماد الدستور يكشف أن حكام الجزائر لم يقرؤوا نص الدستور، ولا يعرفونه، لأن فرض التصريح التعجيزي على الحراك يتضمن المسؤولين عنه وعدد المتظاهرين وقائمة الشعارات… لا أساس دستوري له. لقد أراد الجنرالات توظيف الدستور، لكن جهلهم بالدستور جعلهم يسقطون في الفخ الذي نصبوه لأنفسهم، ما يدل على أنهم لا يعرفون القوانين التي وضعوها بأنفسهم.
وللتدليل على ذلك، يكفي أن أشير إلى أن القانون الصادر سنة 1989 المتعلق بتنظيم التجمعات والتظاهرات العامة قد تم تغييره في سنة 1991 الذي لم يعد بدوره معمولا به، لأن دستور 2020 ألغاه. لكن من المستحيل تطبيق مضمون الدستور الجديد، لأنه ليس هناك مراسيم تطبيقية تنظم ذلك. لذلك فتقديم التصريح للحصول على الترخيص بالحراك ليس قانونيا، إذ ألغى الدستور كل القوانين التي صدرت في القرن الماضي التي تحد من حرية التعبير والتظاهر. وهذا ما يدل على حكام الجزائر لا يقرؤون، ولا يفهمون، ويؤكد غباءهم. ورغم أن النص الدستوري الذي اعتمدوه فاقد لأية شرعية سياسية، لأن الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري قاطعت التصويت عليه، فإن هؤلاء الجنرالات لا يعرفون أنه لا يمكنهم تطبيقه، لأنهم لا يعرفون أنه في حاجة إلى مراسيم تطبيقية حتى يتسنى لهم اعتماده وتطبيقه. هكذا كلما تكلم الجنرالات، فإنهم يفضحون أنفسهم بأنفسهم. ونتيجة غياب هذه المراسيم التطبيقية التي يتطلب وضعها احترام قواعد معينة تجعلها لا تتعارض مع روح الدستور، حتى لا يكون هناك تأويل يحرف نصه…
تبعا لذلك، فقد اتخذت وزارة الداخلية الجزائرية التي من المفروض فيها أن تحترم تطبيق القانون قرارا جائرا يلبي رغبة حكام الجزائر في منع الحراك، ما جعل هذه الوزارة تخرق القانون عبر تحايلها لتسويغ وحشية الجنرالات، الذين قرروا توفير إطار قانوني يمكنهم من قمع الشعب الجزائري.
وللتدليل على إرادة العنف والقمع التي استولت على أرواح حكام الجزائر، فإنهم كلفوا ” الجنرال خالد نزار” مهندس “العشرية السوداء”، بتسيير عمليات مواجهة الحراك، حيث جهزوا له فيلا تابعة للمخابرات الجزائرية توجد في ” بن عكنون”، لكي يواكب المسيرات ويصدر أوامره لأجهزة لمواجهة طوفان المتظاهرين. ونظرا لا فتختار هذا الجنرال الدموي بإنجاز هذه المهمة القذرة، فقد صاح أمام ضباط الأمن الذين كانوا تحت إمرته يوم الجمعة الماضي: ” Je suis le Patron d’Alger”، ما يمكن أن ُيفهم منه هو أنه يعتبر نفسه “كفيل الجزائر وسيدها، وربما مالكها… وهذه خاصية مرضية يشترك فيها مع رفيق عمره الجنرال “توفيق محمد مدين”، الذي قال ذات يوم في لحظة انتشاء مرضي: “أنا رب الدزاير”.
تدل العبارة أعلاه التي تفوه بها نزار على أنه أحس بالنجاح في مهمة القضاء على الحراك، لكن الحراك استمر ونجح، حيث انتقل المتظاهرون إلى شوارع وأحياء أخرى، وتابعوا مسيراتهم، ما يدل على أن “نزار” لا يعرف شوارع، الجزائر العاصمة ولا أحياءها، وعلى امتلاك الشعب الجزائي لذكاء كبير وسرعة البديهة، حيث استطاع أن يبدع فورا خطة مضادة لخطة الجنرالات…
هكذا، فقد تحول نزار إلى خليفة للكولونيل “جاك ماسو Colonel Jacques Massu” ، الذي قام بقمع معركة التحرير الجزائرية، حيث إن التاريخ يعيد نفسه مع خالد نزار، الذي رضع من ثدي الاستعمار، ولا يزال يتلقى التوجيهات من المدير الأسبق للمخابرات الفرنسية “إيف بوني”، الذي ساعده على العودة إلى الجزائر ليكون عين جهات فرنسية على ما يجري في الجزائر، كما أن هذا الجنرال المتقاعد مستعد لاتخاذ كل القرارات التي ترغب فيها هذه الجهات الأجنبية، دفاعا عن مصالحها الإستراتيجية في الجزائر، خصوصا أن “إيف بوني Yves Bonnet ” قد أصبح عضوا في حزب ” الجبهة الوطنية” الفرنسي الذي أسسه العنصري الفرنسي “جان-ماري لوبان” “.J. M Le Pen”. وهذا ما يؤكد أن التعليمات التي يتوصل بها حكام الجزائر هي قرارات عنصرية صادرة عن “حزب الجبهة الوطنية” الفرنسي.


ونظرا لتوصل المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، بتقارير ضافية حول ما يمارسه جنرالات الجزائر من عنف وحشي ضد الحراك الشعبي الحضاري السلمي، فإنها عبرت عن قلقها البالغ تجاه ما تعرفه الجزائر من عنف واعتقالات وحجز ومحاكمات، حيث قامت بإدانة عنف هؤلاء الحكام للمرة الثانية، كما طالبت بحرية الراي والتعبير والحق في المحاكمة العادلة، ما يدل على أن هؤلاء الحكام لا يفكرون في مستقبل الشعب والكيان الجزائريين، ولا يفكرون إلا في الاستمرار في السلطة، ولا يدركون أن بوابة حقوق الإنسان قد باتت منفذا رئيسا للتدخلات الأجنبية. حفظ الله الكيان الجزائري، ووفق الشعب الجزائري في سعيه إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube