ثقافة وفنونفيسبوكيات

ابتسامة من خلف الكمامة: فرفرٌ يعلق تعليق الجرس..

مصطفى الزِّيــن

ربما ، من حظ نص هذه الابتسامة..، أني كنت أسقطت القط سهوا، من استذكاري نص أكلة البطاطس البوكماخي الرفيع ، الذي كان موضوع الابتسامة السابقة ( العصا في أكلة البطاطس ،وبذور الديمقراطية..) وهي ابتسامة انفرجت ، رغم التكميم ، مَوْجةً أوسع وأكبر من سابقتها (المرَبَّى المخزني)؛ كنت اعتبرت أن تنامي تحريض الأم القُوَى من أجل إكراه الولد ،أو ترهيبه، على أكل البطاطس ، إنما يتوقف عند الفأر الذي لا يتردد في قبول قرض الحبل الذي رفض شنق الجزار (الذي أحللته محل الحداد)، بما لا يطابق النص البوكماخي الذي يجعل القط ،فوق الفأر ، في أعلى السلم ، لا يتردد في قبول أكل الفأر ،فيتداعي الرفض قبولا ..حتى يصل إلى العصا فالولد.. كنت أُسِرُّها في نفسي للفأر والفئران(باغي فيها الخدمة، وقلبي عامر عليها)،وللقط أيضا ؛كنت ، ولا أزال ، أكره الفئران، وأعتبرها ، دوماً ، آفة بالقوة أو بالفعل؛ آفةً من أخطر آفات الفساد والإفساد، سرعان ما تستشري.. وكنت أكره منها ، بالخصوص، الكبيرة المقرفة التي تحمل في أنيابها وجلدها السم والعطب والأوبئة؛ ولهذا لم أستسغ أن يجعل بوكماخ-رحمه الله- الفأرَ يرفض قرض الحبل إلا تحت إرهاب القط المستعد المستوفز لأكله ؛فأنا أعرف أن الفأر اللعين لا يتردد في قرض الحبال والروابط والأسباب ، وفي قرض ونهش أي شيء وإفساده، فجعلته رمزا لسلطة الفأر العولمي المتعملق في القرض والإقراض، وفي نصب الأنشوطات الخانقة حول أعناق كبار الصغار ، حتى صغار الصغار.. وأما القطط ، فكم كنا نحبها ونفرح عندما نرى الواحد منها متربصا متصيدا فأرا، مهما كبر الفأر، ثم شابكا إياه بين أظافره وأنيابه، أو متلاعبا به بين يديه يرخي فيشد..، حتى يقتله بالسكتة، فيلتهمه أو يتركه قتيلا متأففا من قرفه، متحفظا من سُمِّه ودمه.؛ولكن.. ولكن ، منذ نهاية السبعينات ، صرنا نعجب ونغضب ونحن نرى القطط ترفض صيد الفئران ، وتُعرض عنها، وتتفاداها ،بل تخافها وتهرب منها بجبن وذلة..ثم أصبحنا نرى الفأر يطارد القط بجرأة السياسي المفسد..والقط يستكين استكانة المثقف المتخاذل العاجز..ثم فهمنا أن مصالحةً ما عقدت بين الطرفين، بدءً بالتقويم الهيكلي.. وكان بعض أصدقائي ، في تفاعلاتهم الكريمة، أشاروا إلى هذا السهو المبيت الذي جعلني أحرِّف النص البوكماخي فلا أعطي القِط قَطَّه (أي حظه) فاعتذرت لهم بتأويلي تبعا لمستجدات المرحلة، وطاكتيكي الذي يخدم نواياي ضد الفأر المستأسد..ولكن الطريف أن بعضهم اقترح على إنجاز قراءة ساخرة في اول نص بوكماخي “أحمد والعفريت”!؟ ولكني وجدت الأسباب تجذبني إلى نص “فرفر يعلق الجرس”،إذ يجعلنا ،مباشرةً ، أمام الفأر وقِطه وقَطه..والصلح فالتطبيع بينهما، لا أصلحهما الله.. ثم إن هذا النص وحكايته أصبحا من أهم ” الاستعارات التي نحيا به” ، والكنايات والرموز المتداولة في مجالنا.. لكنني ، هذه المرة ، قلت لنفسي : عليك أن تعود إلى نص بوكماخ حتى لا تتهم بالتحريف والتخريف.فأين أجد كتاب القراءة ذاك؟ ونحن في الحظر والتكميم؟ عندما لجأت إلى “الشيخ جوجل” ،لم يسعفني بالنص، واقترح علي، بدل ذلك ، نصوصا تعلق الجرس، لم أجد منها ما يستحق القراءة غير نص للكاتب الروائي الجزائري أمين الزاوي ،النص بعنوان: “،فرفر يعلق الجرس: في جبن المثقف وخيانته”، نشره على “الشروق” سنة 2010..استوقتفني فيه ثلاثة أمور: الأول: أن أمين الزاوي (الجزائري) ،في مقالته، كان كما لو يتحدث عن نفسه، عن جبنه.. ، وما سيصير إليه، بعد بضع سنوات ؛ ليس عندما سيغدو وزير ثقافة تفليقيا تلفيقيا ؛ فربما كان يعد ذلك شجاعة..؛ولكن، عندما سيدخل بين مرشحي الرئاسيات الأخيرة بيدقا أو أرنب سباق مرتهنا للعسكر، متورطا في أطروحاتهم المعادية للأخوة المغربية ،مدليا بتصريح ينطق بأفواههم؛ ومع ذلك، فهو مثقف “أمين” ، لا علاقة له بخيانة المثقفين! الأمر الثاني: هو أني اكتشفت أنهم ، في جزائر السبعينات، كانوا يدرسون نص “فرفر يعلق الجرس”!؟؛ هل هو نفسه نص أحمد بوكماخ؟ ، ونحن نعرف أن الإخوة في الجزائر يحبون أن يكون لهم كل ما “للمروك”، وأكثر..ولكني أُبْت إلى: الأمر الثالث: وهو أن الحكاية مَشاع، لا أم لها ولا أب أو صاحب..، وأن الحكايات لها نفس المورفولوجيا ..وأن المزية إنما هي في تحويلها الى قصة وصياغة فنية ،فوجدت الزاوي لا يعود إلى نص بوكماخهم، وإنما يطلق العنان لخياله فيصوغ قصة الفئران والقط ، وفكرة الجرس ومن يعلقه بطريقته ؛فرأيت أن أصوغها تخييلا ونظما؛ أي شعرا قصصيا مما صرنا نفتقده اليوم. فإليك ، صديقي القارئ ، حكاية “فرفر يعلق تعليقَ الجرس..”، يمكنك أن تكتفي بها ، وتعتبركلامي السابق من لغو الحديث؛ فعساها تنتزع منك ابتسامة شامتة أو ساخرة..، من خلف الكمامة:

سَكَنَ الْفَـأْرَانِ يَوْمـاً تَحْتَ أَرْضِ الزَّارِعِينَا
 وَسرِيـعاً مَلَآها بِالْحَفْرِ والنَّـسْلِ الْمَدِيـنَه
 عَبَثَ الْفِئْرَان ُبِالـزَّرْعِ وَبالضِّـرْعِ وَعَــاثُوا 
فِي الْحُقُـولِ والْبُـذُور ِبِعِيَاثِ الْمُفْسِدِيـنَا
 سَرِبُوا للنَّـهْر ِوَالْبَـحْرِ ،وِفِي السِّرِّ ،أَقَامُوا
 وَرَشَاتٍ ثَقَبَتْ قَرْضاً وَبِالنَّهْشِ السَّفِيـنَا
 عَبَثاً حَــاوَل الزُّرَّاعُ لِهَا الْفِئْرَانِ التَّصَدِّي
 وَصَــلاةً جأروها.. لَكَ رَبَّ العَــالَمِيـــنَـا
 بعَـثَ اللهُ إِلَيْهِمْ ، بِالْمَسَا ،قِطاًّ طَرِيــداً 
جَـائِعاً جَـاءَ ، لِيشُكُو بِمُـوَاءِ السَّائِـلِـينَـا 
لَمْ يَكُن يَأكُــلُ إِلاَّ مَا يَــأْكُلُ الـزُّرَّاعُ خُبْـزاً
 وَبُقُولاً، أَنْ هَدَاه ُاللهُ هَا اللَّحْمَ السَّمِيــنَا 
آفَةُ الفِئْــرَانِ خُذْهَا،أَيُّها القِّــطُّ ، هَدِيَّــه
 فَتَصَـيَّدْ وَتَمَــتَّعْ، كُلْ لُحُــومَ الْعَائِثِــينَـا
 كَبِرَ الْقِّـطُّ ،وَأَضْحَى يَلْقُــمُ الْفَأْرَ صَبَاحـاً
 يَتَغَــذَّى ..يَتَعَــشَّى مِثْلَهُ، نَهْــجاً وَدِيــنَا 
مُقْـلَتَــاهُ تُــوقِــفَانِ كُــلَّ فَــأْرٍ لَا يَرِيـــمُ 
مَهْرَباً يُنْجِي أَمَاناً ،أَوْيَجِدْ حِصْناً حَصِـينَا
 فَتَفَشَّى الْمَوْتُ قِطاًّ فِي صُفُوفِ الْمُفْسِدِينَا
 * * * *
 إفْتَـَقَدَ الْفَأْرُ قَرْضَــانُ أَسَى   وَلَدْيْنِ لَمْ يَعُوداَ فِي الْمَسَــا 
لَمْ يَجِدْ مِنْهُمَا إِلاَّ الفَرْوَتَيْنْ   قُتِلَ النَّجْلاَنِ ،وَاهَا! افْتُرِسَـا
 حَمَلَ الْفَرْوَتَيْنِ حَالاً وَمَشَى   لِلْـبَـلاطِ .. لاَ يُبَالِي الْحَرَسَـا 
قَحَمَ الْمْجْلِسَ يَبْكِي وَرَمَى   بِالْفَرْوَتَيْنِ لِكَبِـَـيرِ الــرُّؤَسَــا 
سَيِّدِي.. مَلِكَ الْفِئْرَانِ ، أَنَا   ..شَعْبُكُمْ قَدْ نُكِبْنَـا، فَعَـسَى
 تَجِدُونَ الْحَلَّ لِلْقِطِّ الَّـذِّي   قَـدْ طَغَى أَنْ تَعَدَّى وَ قَسَـا
 إِنَّنَا نَمْشِي وإِلَى الْهَلَاكِ عَاجِلاً   بَابُــنَا لِلـرِّزْقِ بِهِ الْـمَـوْتُ رَسَـا
* * * *
 مَلِكُ الْفِئْرَانِ : أَمَرْنا حُكْمَنَا   وَجَلَبْناَ لِلْقِطِّ سِلَاحاً جَرَسَا
مَنْ شُجَاعٌ يرْبِطُ الجَرْسَ عَلَى   عُنُقِ الْقِـطِّ فَيُنْبِـي جَـرَسَا؟
 هَلْ لَكَ قَرْضَانُ أَنْ تَمْشِي لَهُ   إِنْ سَهَى الْقِّطُّ وَإنْ هُو نَعِسَا؟
 ضَحِكَ الْقَرْضَانُ مِنْهُ أَسَفَا   وَاخْـتَشَى لَمَّــا رَآهُ عَــبَسَـا
 * * * * 
دَخَلَ الْأَمِيرُ يقول: سَيِّدِي   أَنَــا فُـرْفُـرٌّ سَأُعَلِّـَقْ جَـرَسَا
 قَتَلَ الْفُرْفُرْ أَبَــاهُ ، وَاعْتَلَى   دَكَّةَ الْحُكْمِ ،فَطَابَتْ مَجْلِسَا
 عَزَمَ القِّطَّ أَيَبْغَِي صُلْحَهُ   صَــارَ يَفْدِيهِ بِلُحُومِ الْبُؤَسَـا 
وَمَشَى الْفَأْرُ فَرَا فِي مَوْكِبٍ   وَمِنَ الشَّعْبِ تَحَرَّسْ عَسَسَا 
* * * * 
هَكَذَا التَّطْبِيعُ طَبْعاً طَبْعُنَا   مَعْشَرَ الْفِئْرَانِ،طِبْنَا نَفَسَا 
هَكَذَا..! الْقِطُّ فُوَيْرٌ تَابِــعٌ   هَكَذَا..! الْفَأْرُ غَدَا مُفْتَرِسَا 
هَكَذَا،يَنْقَلِبُ الْفَوْقُ وَالتَّحْـ   تُ بـِشـعْبٍ فَــتَرَاهُ مُفْلِسَا

صفرو- الأحد 9 مـاي 2021.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube