محمد بوبكريمستجدات

خرافة القبض على مغربي متهم بالتخطيط للحراك الشعبي الجزائري وتدبيره

محمد بوبكري

قامت مؤخرا وسائل الإعلام التابعة لجنرالات الجزائر بالترويج لخبر إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على مغربي في قلب الحراك الشعبي الجزائري، واتهمته بأنه كان يحمل سكينا. وقد تم ترويج هذا الخبر من أجل الاستهلاك الداخلي بغية اتهام المغرب بالوقوف وراء هذا الحراك الشعبي العظيم.


يدل هذا الخبر على غباء حكام الجزائر وبلادة مخابراتهم… فالسلطات الجزائرية لم تصدر لحد الساعة أي بيان توضيحي حول جنسية هذا الشخص الذي قيل إنه مغربي، كما لم تقدم أي حجة ملموسة تؤكد أنه كان مخترقا للحراك وفاعلا أساس ًيا فيه، أو منظرا له… لقد أكد بعض الجزائريين أن هذا الشخص مغربي يشتغل في الجزائر، حيث لا شيء يمنع مغربي من العمل في الجزائر، ولا شيء يمنع الجزائريين من العمل في المغرب؛ فنحن شعب واحد نعيش في وطنين متجاورين.


تدل هذه المعطيات على أنه لم يتأكد لحد الساعة أن هذا الرجل مغربي. وقد ورد في وسائل إعلام العسكر أن الشخص الذي تم إلقاء القبض عليه كان واقفا أمام المكتب المركزي للبريد بالعاصمة الجزائرية. ويؤكد بعض الجزائريين أن رجال الأمن لم يقبضوا عليه، بل إنه هو من ذهب إلى الشرطي ليسأله عن شارع، أو مكان معينين. ومادام يتكلم بلكنة تختلف عن لكنة الشرطي، فقد استنتج الشرطي أنه مغربي، فاستشار هذا الشرطي مع رؤسائه الأمنيين الذين قرروا انتهاز الفرصة لا تهام المغرب بكونه يقف وراء الحراك.

تؤكد هذه المعطيات أن هذا الشخص الذي ادعى إعلام الجنرالات أنه مغربي، لم يتأكد لحد الساعة أنه مغربي، لأن السلطة الجزائرية لم تقدم أي حجة على ذلك، ما يعني أن الأمر يتعلق بإيهام الرأي العام بأن هناك أياد أجنبية قد خططت للحراك، وهي التي تدبره، ما يكشف عن رغبة الجنرالات في تخويف الرأي العام الجزائري من تدخل الخارج في الشأن الداخلي لبلاده. بالتالي، فالهدف الأساس للأجهزة الأمنية الجزائرية من وراء هذه الإشاعة هو إضعاف الحراك عبر إحداث نفور الجزائريين منه…


كيف يمكن لمغربي واحد أن يكون وراء الحراك الشعبي، ويتمكن من إخراج ملايين الجزائريين إلى الشارع للاحتجاج ضد نظام العسكر؟ وهذا ما يؤكد عدم إدراك حكام الجزائر للمستوى الرفيع لوعي الجزائريين الذين أبانوا عن حكمتهم عبر إبداع هذا الحراك السلمي. فضلا عن ذلك، هل لهذا الشخص، الذي ألقى الأمن الجزائري القبض عليه، قدرات ربانية تجعله قادرا على إخراج ملايين الجزائريين إلى الشارع للانتفاض ضد النظام العسكري؟ إن هذا يجعلنا نستنتج أن الجنرالات ليسوا منخرطين في روح العصر، بل إنهم ينتمون إلى مرحلة الفكر الخرافي الأسطوري، لأنهم يعتمدون الخرافة في تفسير ظاهرة سياسية واجتماعية. وإذا كان هؤلاء الجنرالات ورجال مخابراتهم على هذه الدرجة من التخلف الفكري، فكيف يمكنهم تدبير بلد، في حجم الجزائر، في القرن الواحد والعشرين، حيث تؤكد طريقة تفكيرهم أنهم لا ينتمون إليه فكريا إطلاقا. وهذا ما يفسر عجزهم عن تطوير أي مشروع مجتمعي، حيث يقودون قطار الجزائر في ظلام دامس، ولا يعرفون إلى أين يتجهون، الأمر الذي قد يسبب له كوارث، لأنهم لا يعقلون شيئا…

لذلك، فإن حكام الجزائر يسعون دوما إلى اتهام الآخر بكونه يقف وراء مشاكلهم وأزماتهم، لأنهم لا يمتلكون عدة مفهومية تمكنهم من الوصول إلى رؤية موضوعية للواقع، ولا يعون ذواتهم، حيث يوهمون امتلاك القدرة على إنجاز كل هلوساتهم وأوهامهم. وهذا ما حال دون إدراكهم أنهم يتحملون مسؤولية المشاكل التي أدت إلى انفجار الحراك الشعبي في وجههم ومطالبته برحيلهم. فهم يرفضون الاعتراف بفشلهم، وبما يقترفونه في جرائم في حق الوطن والشعب الجزائريين. فالسلطة هي المسؤولة عن ظهور الحراك، لأنها خلقت المشاكل السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، التي وفرت شروط انفجار الحراك الشعبي واستمراره في الآن نفسه، ما جعلها تعيش في هلع منه، الشيء الذي دفعها إلى عدم التوقف عن تغذية استمرار الحراك الشعبي بما تمليه على “عبد المجيد تبون” من قرارات جائرة، وما تروجه من أكاذيب وأضاليل وافتراءات هدفها النيل من معارضيها، وما ترتكبه أجهزتها الأمنية من عنف وفقاعات ضد الحراك الشعبي، وما تحيكه من مؤمرات ضد الشعب الجزائري ورموز الحراك السلمي الحضاري.


إن المغرب ليس هو الذي استولى على أموال الشعب الجزائري وهربها في اتجاه الملاذات الضريبية، وليس هو المسؤول عن تخريب الاقتصاد الجزائري وانهيار الدينار الجزائري، وغياب السيولة، وندرة المواد الغذائية في الأسواق، وارتفاع أسعارها… الجنرالات المتحكمون في رقاب الشعب الجزائري هم سبب الفشل الذريع للمنظومتين الصحية والتعليمية الجزائريتين، وسبب كل مآسي الشعب الجزائري. أما المغرب، فله قيم ومبادئ تجعله ينأى بنفسه عن التدخل في شؤون جيرانه، وكل ما يسعى إليه هو بناء المغرب الكبير، الذي سيتحول إلى قوة إقليمية مهمة، لكن جنرالات الجزائر لا يقبلون ذلك، لأن ما يهمهم هو الهيمنة على جيرانهم، الأمر الذي هو مجرد وهم يستحيل عليهم تحقيقه…
وما دام الجنرالات لا يدركون ذلك، فإنهم لن يستطيعوا الاعتراف بما يرتكبونه من جرائم في حق الجزائر والجزائريين وفي حق جيرانهم، ولن يستطيعوا إيجاد مخرج لذواتهم من هذه الأزمة التي خلقوها لأنفسهم، وللوطن والشعب الجزائريين….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube