اقواسمستجدات

المدير !

 ذ يوسف  بولجراف خريج المعهد الوطني للعمل الإجتماعي

يجب أن يتكيف الإنسان مع المجتمع ، في مجتمعي الإنسان البسيط منا لا يزال بسيطا إلى حدود أن يمسك عليه الله و يرزقه من رزقه فيصبح إنسانا آخر لكن لا ينسى أيام البساطة ! فيقول اللهم أعود بك من الفقر و كل أشكاله؛ المشكلة ليست فيمن مسك عليه الله و أصبح غنيا المشكلة في من أصبح غنيا دون أن يمسك عليه الله ! هذا كما لو تحدينا إرادة الله ! أتحدت هنا عن التطور في مفهومه العكسي ! لا نزال نرى ذاك الإنسان بسيطا ، عاديا إلى حدود أن يلج إحدى الإدارات ، لا أتحدت عن الطريقة التي وصل بها ، لكن هي بالفعل و كأن أبواب السماء فتحت له !فهناك من تبدأ قصة تطوره مع مجتمعه من إنسان تدرج عبر مراحل تكوين إلى أن وصل بعد جهد جهيد فأصبح في نظرية التطور إما موظفا عاديا داخل الإدارة فيتطبع بطباع زملائه الإداريين في الشفافية و النزاهة ، و هناك من يترقى ليكلف بمسئولية مهمة ! فيتدرج السلم الإداري لكن دائما في إطار المعقول و التراتبية النسبية وليس صعودا صاروخيا لما اكتشفه المدير الكبير في المصعد الوزاري ، فرنن عليه “ مفاتيح الربح“ فجاء بها مفتخرا بقرار تعيينه على رأس إدارته المحلية ، فزغرتت زميلاته و هنأه زملائه و كل يحمل في يده هدية رمزية لعله يتذكر هم بها أيام كان يتقاسم معهم محنة إكتمال الشهر ( ألا أجد عندك ١٠٠ درهم حتى لا فان دي موا؟ ) ، و من زملائه من تحاشى طلب إسترداد ما قرضه إياه تناسى أنه لا زال عليه دين! ، فكيف يطالبه بدينه وقد أصبح هو المدير رئيسه!! أرجوكم أن لا تنسوا أنه كان إنسانا بسيطا و أنه لازال أبناء عمومته و إخوانه هناك في البادية يفتخرون به رغم أنه لم يجد لهم بعد حلولا لتلك الخيام المهترئة التي طالما كان هو من يضع في مناطق من جوانب خيمته أواني من كل الأحجام لمنع القطرة من السقوط ! لم يفك العزلة عنهم ! لا ينسى أبدا أنه كان هو من يذهب إلى السوق من أجل التبضع بعد أن يبيع ما جناه من شجر فاكهة عمه مسعود خلسة و الذي أصبح يعمل شاوش معه في إدارته ، اليوم و قد أصبح ذا شأن و نفوذ و هو الآمر الناهي في إدارته ، لا ينسى أبدا ، تلك الأيام السوداء و كل إنسان بسيط يأتيه من أجل خدمة له أو مشكلة فهو يذكره بماضي يكرهه ! مادا تريد ؟ إن شاء الله سنجد لك الحل لمشكلتك ! لكن في داخله أشياء و أشياء تتحدت ، تتهكم و تلعن ! يبتسم ! أو يضحك ، كل موظفيه لا يميزون مزاجه و لايعرفون متى يضحك ومتى يغضب ، صراحة لا يمكن أن تعرف من خلال ترسيمة وجهه، ترى فقط وجها بيروقراطيا بشنب مقلم جيدا و ربطة عنق سوداء معقودة على الطريقة الإدارية ترى فيها كل العقد السيكولوجية، لا تعرف صراحة مزاجه و إن ضحك أو إبتسم ! هو اليوم في نظريات التطور أصبح ولو أنك تراه فمكانه شاغر ! عنده أشغال … أيعقل أن يكون أو يصبح منهم ؟ كما قال الفنان !و تلك السيارة السوداء الشبح ربما فقط تعبر عن امتيازه الوظيفي فقط (ضروري يعني برستيج ) ، لا يهم ، فهو لازال يتحدت للبسطاء و يستقبل المواطنين و الناس يعرفون أنه من البسطاء منهم لذلك يأتوه أفواجا ! و حتى بعض قضاياهم و مشاكلهم يحدتون فيها والديه في البادية و يحيلونها عليه لعله يتدخل فيها (الله يرضي عليك أولدي هداك ولد الحاج علي تعقل عليه ! لي كان يجيبنا لعسل من جبل ! راه ولدو طلع الجامعة وبغى تشوفلو شي بيت فلحي !!)

ينادي عمي مسعود ؛ فين الزفت ديال القهوة ديالي ! صبحنا على الله ! ياك قلت ليها !!( في إشارة إلى السكرتيرة ) –

١٠٠ مرة مادخليش عليا بنادم قبل ما تعرفي شنو بغا !؟

— راه قالها قرا معاك و باه كسال صاحب باك !!

عمي مسعود هو كذلك من أبناء قبيلته و ينادونه الحاج، بعد أن تكرمت عليه الإدارة بالسفر و مصاريف مناسك الحج طبعا بتزكية من المدير (يتذكر صاحبنا وهو يمضي الموافقة بابتسامة داخله حين علق بإحدى أشجار المشمش يوما كاملا عندما باغته كلب عمه مسعود و بقي ينبح عليه من تحت حتى حضر مسعود و فك أسره ولم يبلغ اسرته ، فبقي منذ ذلك الحين ممتنا له ، ربما هي كذلك تعبير عن رد جميل و مكافأة منه ! و في الحقيقة إن الحاج مسعود شخص طيب رغم ولوجه عالم السياسات الهميزولوجية و هو صاحب الإمارة في الإدارة و التعويذة ،يهدئ من روعه دائما فهو من يمازحه و هو من يعرف ما بداخله و طبيعة مزاجه و كل المستخدمين يلجئون إليه أولا ! يسألونه عن مزاجه قبل الدخول إليه فتكون إجابة عمي مسعود هي الإعلام الذي لا يكذب فيحدرهم على شكل نشيد إن كان مزاجه سيئا : سارع ! سارع أنت البارع !! أما إن كان مزاجه رائق فيبتسم ويقول : أنا عفريت أنا نفريت! أنا في الصف.. أنا في الخلف.. أنا يمناك أنا يسراك ، فتنشر البشرى، البهجة و الانشراح و تعم الفرحة و النشاط و الكسل كافة مكاتب الإدارة ! فهناك من يخرج إلى المقهى من أجل الفطور ولا يعود حتى الغد و هناك من يعود فقط من أجل صديق أوصاه بخدمة معينة ليعود من أجل الغداء حتى يعود في اليوم الموالي ! و الباقية الباقية من ما تبقى من الزملاء و الزميلات في حديت و تنكيت و مشاغل الحياة اليومية لكسر الروتين الإداري في انتظار أول الشهر ..

هذا حال بعض الإدارات في زمن مضى ، وحين يلبس البسيط منا توب الإداري و المسؤول و حين كنا لانعرف شيئا عن مفهوم التماسيح و العفاريت ، اليوم والله أعلم مع كل التغييرات في سلوكيات الإدارة الجديدة و الإنفتاح ، عرفنا منهم العفاريت وعرفنا لماذا لا نجدهم مع أنهم بيننا ، عرفنا أيضا كيف أن التماسيح هي أقوى من الاشباح وهي من توظف ربما العفاريت ! الفضل كل الفضل .. المهم ! إستطعنا أن نعرف من يبدر المال العام ، هذا إمتياز و شيء جميل ، و الكل منتبه ! لكن اليوم نظرية التطور تقول والله أعلم أن كل العفاريت قد تصبح تماسيح أو تتحول إلى سحليات لهذا ولا أثر لها تسمع عنها ولا تراها ! أرقى أشكال التطور ، أسألكم !!؟

/نعم تذكرت قصة صاحبنا هذا و أنا أراه اليوم يقبع في زنزانته وحيدا ، بعد أن تخلى عنه الكل ،و هو الذي كان يغدق على الكل يالمزايا ، و يفوت الصفقات لأصدقاءه ، لكن في محنته هاته ليس الاختلاس هو السبب المباشر في سجنه بل أشياء أخرى أكبر تفوق حتى تنكره لأصله ، أشياء أحيانا تنسي الإنسان في آدميته ليصبح كالنمرود يتناسى أيضا نهاية النمرود نفسه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube