ثقافة وفنونمستجدات

في “البيت الأزرق” la casa azul صحبة الفنانة التشكيلية فريدا كاهلو.

ذ. رشيدة بنمسعود

منذ ان تصفحت مصادفة، ذات زمن هارب، صورة الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو(1907/1954)،في إحدى المجلات الفرنسية الشهيرة أثناء إقامتي بباريس، أحسست بجاذبية ساحرة تشدني إليها.. صورها بقيت عالقة بصفحات ذاكرتي.. فنانة تشكيلية ولجت محراب الفن من بوابة الألم.. وسبحت به محلقة إلى عوالم الإبداع الرحبة.. نهلت من منابع الفن الثرة بعصامية نادرة تمتح أريجها من حدائق الحداثة والحركة السريالية والمدرسة الواقعية، أيام ازدهار الحياة الفنية في بلدها المكسيك التي صارت فريدا أحد أيقونتها المضيئة….

في سن السادسة من عمرها أصيبت بشلل الأطفال.. بعدها بقليل كانت ضحية حادثة سير مفجعة ألزمتها الركون إلى الفراش ومعانقة العزلة القاسية، وأورتثها شبه إعاقة دائمة رغم خضوعها لعدة عمليات جراحية لم تكن كلها ناجحة.

قضت وقتا طويلا طريحة الفراش.. كانت كل ما ترسمه ينعكس في مرآة سقف حجرتها.. ويعكس أعماق روحها فتتراقص أمامها صورة وجهها كصورة نرسيس على سطح مياه النهر… فتملكها عشق ملامحها متحدية أطياف الألم التي تحوم حولها وكأنها مزيج من ألوان بلادها المجسدة للهوية الثقافية المكسيكية

الفنانة فريدا كاهلو والألم توأمان… يتعقبها عند منعرجات حياتها الخاسرة، ومنعطفات اختياراتها الفنية الجسورة.. تقاوم باللون تشكيلا مستكنة للحزن الروحي تصعيدا لآلام جسدها المثخن بالجراح.

صورة الكاتبة رشيدة بنمسعود ببيت الفنانة فريدا كاهلو

“البيت الأزرق” وانت تتأمل زواياه يشعرك لونه.. هدوؤه بالإحساس بالسكينة. كل شيء مرتب بعناية متقنة وكأن أنامل فريدا قد مرت للتو…

تزوجت الفنان المكسيكي الكبير دييغو ريبيراdiego rivera, كان ثمن خيانته لها قاسيا عندما ارتبط مع أختها الصغرى، فكان الانفصال خيارا أليما.. احتمت في عزلتها القاسية بالمواجهة عبر الرسم ومزيدا من الرسم.. ترسم خيباتها وخيانة الآخر لها مقاومة باللون والتشكيل.. إلى ان تحولت في وطنها والعالم إلى معلمة فنية.. فكلما ذكر المكسيك يسبق وجه فريدا كاهلو سماء الإبداع الثائر.
“البيت الأزرق” la casa azul /المتحف الذي كنت حريصة على زيارته أثناء رحلتي إلى مكسيكو-سيتي، أقامت فيه فريدا كاهلو رفقة زوجها دييغو ريبيرا، بيت ذو لون أزرق بدلالات تحيل على الفضاء الواسع.. رمز الصفاء الناصع.. والثورة الجامحة. والشعور المعتد بذاته.

“البيت الأزرق “/المتحف يركن في حي كيوأكان coyoacan, حي ذو طابع عمراني أصيل بمعالم حضارية لها رونق تاريخي بمذاق ثقافي عتيق، جعل منه محجا للفنانين والمثقفين والمغنين،يذكرنا بالحي اللاتيني بباريس، إضافة إلى فريدا كاهلو ودييغو ريفيرا،أقام في نفس الحي العديد من الفنانين والمثقفين والثوار، وضمنهم ليون تروتسكي أحد زعماء الثورة البلشفية، والذي قادته حياته في المنفى إلى الإقامة في المكسيك، وستكون الفنانة التشكيلية فريدا كاهلو آخر عشيقات هذا السياسي الثائر الذي لقي حتفه غدرافي نفس الحي.

“البيت الأزرق” وانت تتأمل زواياه يشعرك لونه.. هدوؤه بالإحساس بالسكينة. كل شيء مرتب بعناية متقنة وكأن أنامل فريدا قد مرت للتو…

صور لوحات الفنانة فريدا كاهلو

جدران البيت /المتحف مشبعة بعبق روح عانت.. وقاومت.. ولم تستسلم.
المرسم ينتظر التي لن تأتي..
الريشة نفذ صبرها فجفت..
الألوان بعد طول انتظار بهت لمعانها…
الكرسي المتحرك يشكو للزائر حنينه للجسد الذي أدمته/أنهكته الجراح..
سرير يردد بأسى دفين صدى آهات الألم والمعاناة…

“البيت الأزرق” بما يحتويه من تحف وأدوات وملابس مكسيكية تقليدية، يعد محرار ضبط مقدار شغف الفنانة فريدا كاهلو بحضارة شعب المايا بالمكسيك،وفنونها التقليدية والشعبية، وألوانها الضاجة بالفرح والرقص.. ألوان ينبعث نورها متلألئا في زوايا المنزل، نابضة بالحياة وشاهدة بإصرار على مدى عشق فريدا لمملكتها الصغيرة /مسكنها الأول /وطنها الكبير(المكسيك).

صور لوحات فريدا كاهلو

عالم “البيت الأزرق” / المتحف يحتضن ويختصر حضور فريدا كاهلو التي لا تغيب.. وكأنه على موعد وشيك معها..
انها بحق أيقونة الفن التشكيلي الحديث بالمكسيك.. وفريدة عصرها..
كانت زيارتي لبيتها بداية لعلاقة تعارف عن قرب وصداقة ابتدأت في بيتها ولن تنتهي… لأنها فنانة ستظل خارج النسيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube