فضاء الأكادميينمستجدات

إصلاح التعليم إجباري من أجل النهضة …!

باحثة سعودية تلمس موضع الجرح

د. محمد بدوي مصطفى

كلمة حق لباحثة جريئة:

استمعت إليها بتأني ووقفت على كل كلمة قالتها في لقاء وصلني مقطع فيديو منه، وأنا أؤكد يا سادتي أنها كانت أمينة  بشدة على كل وحدة معجمية، لفظ أو نبرة خرجت منها فضلا عن المحتوى النبيل وبيت القصيد؛ وإنها كانت أيضًا حريصة كل الحرص في إجاباتها على توازن المنطق الصائب، التسلسل الجدلي والإطار العلمي للمحاور المنتقاة في الرسالة وبين هذا وذاك حكيمة في نبرة التأني والحنكة في نقل هذه الرسالة شديدة الخطورة والأهمية تجاه أمتنا المنكوبة والمغلوبة على أمرها. نجم لا يفتأ أن يزداد لمعانه يومًا تلو الآخر في سماء التعليم وآلياته، د. عزّة السبيعي، باحثة جليلة، وسيدة أنيقة وحباها الله من جمال البيان واللسان والبلاغة وغيرها قسط يدعمها بوضوح في نقل رسائلها التنويريّة. تبدت في ذاك اللقاء بهندام الموظفة المسؤولة، بهية الطلّة، ثابتة الخطى توحي وقفتها تلك بغطاء الرأس الوازن، بدون النقاب أو الحجاب التقليدي، أنها واثقة مما تُدلي به، ويتضمن مشهدها النيّر هذا تجاه كل رجل وامرأة رسالة تعكس الكفاءة والمقدرة والحرفية، ذلك عندما تتطرق لتحديات التعليم في الألفية الثالثة وانطلاق حملات الإصلاح لا سيما في المملكة العربية السعودية مع إطلالة عام ٢٠٢٠. 

تقول الباحثة السعودية د. عزة السبيعي في هذا اللقاء الهام مقولة هامة للغاية وأحسبها حقيقة من أهم المقولات التي استمعت إليها في شأن التعليم على الإطلاق في الآونة الأخيرة.  تحمل إلينا رسالة تعليمية واضحة، بيّنة وبليغة ينبغي على أهلنا بالوطن العربي أن يقفوا إليها بتأني وتؤدة، دون التسرع، التجهم والنكران أو رمي الكلم خبط عشواء، فالحقيقة مُرّة عندما تقال بعض الأحيان والباحثة د. السبيعي تتكلم بكل صدق وأمانة لتوجع وتفضح وتلفت الأنظار، مؤملة بأنه لا يزال في نهاية النفق بصيص من نور ولكن علينا ألا نستكين وأن ننتهز الفرصة الآن وإلا انسد النفق وانطفأ الضوء ورحل الركب عنّا. إليكم مقطف من اللقاء الذي أجري معها وهو يتحدث عن نفسه ولا يحتاج مني إلى تعقيب أو تنقيب، فلسانها فصيح مبين ورسالتها بائنة كبيان القمر، دونكم ما قالت:

“وأستطيع أن أقول لك نحن لم نعلم الدين بعد في المدارس السعودية وما يوجد في تعليمنا ومناهجنا الدينية معلومات عن الدين وقد يصل الكتاب الواحد إلى خمس وأربعين معلومة، وهذه حقيقة. والخمس وأربعين معلومة يضطر المعلم أن يقدمها للطالب. وعندنا تقريبًا أربعة أو خمسة كتب تسمى مواد الدين وهي مليئة بالمعلومات. بينما رسالة الدين ليست المعلومة. اليوم أنا في أي محرك بحث أستطيع أن أحصل على المعلومة. الغرض من مواد الدين هو تغيير سلوك الإنسان ليتفق مع الأخلاقيات التي جاءت بها الرسالات السماوية، رسالة الرسول (ص)، تعامله مع الآخرين، سلوكيات الطهارة، الأخلاق، التعامل مع الجار أو غيرها؛ كل هذه الأمور تعامل بسطحية في مواد الدين. وليس هذه المشكلة الوحيدة، لكن المشكلة الأكبر، المملكة (السعودية) لم يعد لها الآن خيارًا أن تصلح التعليم لأجل الاقتصاد، نحن مجبرين على إصلاح التعليم، لأجل أن يصلح اقتصادنا وننهض ولا نعتمد على النفط كما يقول سمو ولي العهد. لذلك لابد من مراجعه الجدول الدراسيّ وإعطاء فرصة للمواد العلمية والرياضيات والمواد التي تركز على مهارات الإنسان. حتى المهارات الاجتماعية داخل المجتمع التي تعلم الإنسان كيف يتعامل مع الآخرين المختلفين أو المتفقين معه. أتذكر أنني حضرت لقاء لأحد المستشارين الكبار في إحدى الدول الآسيوية، سنغافورة، فلما جاء الرجل تحدث وقال أنا نظرت إلى جدولكم الدراسي ولا أعلم ماذا تريدون من التعليم. ماذا نريد من التعليم؟ هل نريد أن نخرج وعاظًا؟  وإن أردنا أن نخرج وعاظًا فأننا سنفشل في ذلك. لأن الطالب عندنا في السعودية يدرس اثنا عشرة سنة مواد دين وفي النهاية تجده في رمضان يتصل على شيخ في التلفزيون يسأله: ما الحكم إذا طار غبار في فمي. هم درسوا معلومات ولم يستطيعوا حتى أن يطبقوها في واقعهم”. 

ما الهدف من التعليم؟

دعونا نطرح هذا السؤال لكل أب وأمّ ترسل ابنها أو ابنتها إلى المدرسة، ماذا يريدان أن يصير ابنهما أو تصير ابنتهما في المستقبل؟ وما هدفهما أولًا وأخيرًا؟ هل أن تصير البنت زوجة صالحة أو ربة بيت ماهرة، مستكينة وخاضعة لأوامر الرجل؟ أم أنهما يصبوان أن يبلغ ابنهما أو ابنتهما آفاقًا بعيدة، شيء آخر؟ على أيّة حال بالنظر إلى جدول الحصص المدرسي ليوم دراسي في مدرسة عربية أيّاً كانت، لا سيما في الدول التي لم تحظ ميزانية التعليم فيها بالقدر الكافي من الاهتمام، يستطيع أن يخبرنا بكل وضوح، أن الهدف من التعليم في عالمنا العربي عامة ليس إصلاح الوضع الاقتصادي أو النهضة في المجالات الأكاديمية كالعلوم الطبيعية وغيرها، وهل له هدف بالأساس حسب خطته التعليمية إن كان وراء ذلك خطّة؟! لماذا يزداد صراع السلفيين مثلًا في بعض البلدان من أجل ضرورة التركيز على مواد الدين؟ أيريدون أن يخرّجوا أئمة ووعاظا؟ وأن يقلدوا شعائر الدين دون مضامين، وسلْ مجرب كما يقول المثل، وكم علّمنا التاريخ في كل أنحاء الوطن العربي عن هؤلاء وكيف قلبوا العالم رأسًا على عقب فقط بألسنتهم التي تنادي بالجهاد وقتل العباد واستباحة دمائهم في كل البلاد، كفانا من ذلك يا سادتي فقد بلغ السيل الزبى. فلنقولها بكل صراحة يا سادتي، نحن أخفقنا تماما ولم ننجح حتى في أن نخرّج وعاظًا ولا رجالات دين ينادون بأسمى آيات التعامل بين البشر، لكن في الغالب، ولو أخذنا السودان مثالًا لوجدنا الأمثلة ماثلة أمام أعيننا، إخفاقات متتالية لرجالات الدين وسياسييّ النفاق، والآن نفق على استعار النيران بين هؤلاء وبين مدير المناهج الجديد ودخولهم معه في نقاشات سفسطائية وحوارات بيزنطية لا تسمن ولا تغني من جوع. قامت الدنيا وقعدت من أجل ادخال صورة للرسام العالمي مايكل أنجلو، أو صورة أخرى يتبدى فيها بنت وولد في نفس الغلاف وهما يجلسان بالقرب من بعضهما البعض، بالله عليكم، يا سادتي، ما هذا المنطق العقيم، نلتفت إلى الصورة وننسى المضمون. يقولون فيما يخص لوحة أنجلو إن المنهج يصور الذات الإلهية بشكل غير لائق. ويظل اللغط تفسيرا من جهة وتظل اللوحة عملا ابداعيا رضينا أم أبينا من جهة أخرى، نعم، يمكن أن نستخرج منها آلاف مؤلفة من التفاسير والروايات. مع الأسف هذه هي طريقتنا دائما في معالجة الأمور بكل سطحية ودون سابق دراية. ولو أنهم علموا أن سياح العالم كله يأتون من كل فج عميق ليقفوا الساعات الطوال أمام مبنى الفاتيكان حتى يروا هذه اللوحة الجدارية أو السقفية، التي صارت إرثا عالميا بلا منازع. لذلك يمكن أن نقول ما فائدة عدد مواد الدين الهائل وهيمنتها على حصص الطالب في حصيلة نصيبه من التعليم، مقارنة بالعلوم الطبيعية والرياضيات مثلًا؟ منذ متى ونحن نسير على هذا المنوال؟ ولم نفلح بل صار العالم العربي في نهاية الصف بإخفاقاته الذريعة. بيد أن بعض الدول التفتت سلفاً لأهمية التعليم وحبته منذ فترة من ميزانياتها قدرًا كبيرًا لأهميته، كالسعودية والإمارات مثلًا، فنجدها تسير الآن في الطريق الصحيح وسوف تأتي هذه الحقول أكلها في أقرب وقت فالعلم نور.

حذف وإلغاء الحشو في مواد الدين:

لقد عكفت التوجهات الجديدة بالمملكة السعودية تجاه مناهج التعليم إلى بحث جديد يؤكد ضرورة إلغاء أجزاء كبيرة من تلك المناهج التي صارت لا تفي بالغرض الذي تتبناه العملية التعليمة في تطوير الإنسان والمجتمع والسير قدما من أجل المشاركة الإنسانية في المنظومة العالمية. فضلًا على احتواء هذه الأجزاء لرسائل كثيرة لا تتماشى مع مبادئ الدين الوسطية إذ نجد فيها روح التشدد الذي صار الآن لا يتناغم مع تحديات هذه الألفية في كل العالم وتلك خطوات عظيمة في نهج النماء وتحولا تاريخيا ملحوظا، في توجهات المملكة لبناء منظومة تعلمية مستدامة.

وبالرجوع لغالبية المناهج التي تدرس في الوطن العربي فنحن لا زلنا نجد نصوصا تتضمن الترويج لنظرية “المؤامرة” أو أخرى تنادي بعداء الكفار واستباحة الجهاد ضدهم وضد أهل الديانات السماوية الأخرى، كاليهود مثلا، وأنهم – حسب نظريات المؤامرة – يسيطرون على العالم بأسره، ونجد نصوصا تنادي بقتل المرتدين حسب الشرع ونصوص أخرى كثيرة تحض على استنفار المسلمين للجهاد وأهمية الشهادة والقائمة طويلة.

وجدير أن نذكر أن المملكة العربية السعودية قد أفلحت في أن تحذف كل هذه التجاوزات وتسمح بالتعامل والتآخي مع معتنقي الديانات الأخرى من بينهم اليهود وجدير بالذكر أننا لا نجد أيّ تحفظ في عمل العلاقات الإنسانية والقبول بوجودهم في المنطقة فلقد خلقنا شعوبا وقبائل لماذا؟ وهذا التجديدات والتنقيحات كانت في نظري لا بد في يوم من الأيام أن تكون هي العرف السائد والمسطرة الأولى في علاقات الشعوب ببعضها البعض. لم لا ونحن نعلم كل العلم أن المسلمين والمسيحيين واليهود عاشوا في نفس الدول وتقاسموا نفس الحيز الزماني والمكاني في أنحاء الجزيرة العربية وحتى في أفريقيا وآسيا، فالإنسان يحيا ويعيش بإنسانيته وكلنا أبناء حواء وآدم. 

الحفظ والتكرار أم التفكير والابداع؟

وتنحرف د. السبيعي لبيداغوجية تدريس الدين وتستبين ببعض الأبحاث المتعلقة بذلك والتي نالت اهتمام بحثي على نطاق واسع لتستدل قائلة: إن تدريس الدين أو مجرد نشأة الطفل في بيئة متدينة، حصلت على اهتمام بحثي كبير، خاصة في محاولة فهم مسألة مدى تأثير الدين في مهارات الأطفال الاجتماعية والأكاديمية؟ وقد كان الدكتور جون بارتوفسكي أستاذ علم الاجتماع بجامعة تكساس أحد المهتمين بهذا الشأن، ولقد أجرى دراستين في هذا الحقل الاجتماعي الواسع: الأولى، التي استخدمت البيانات الوطنية لتتبع تأثير الدين عند الطلاب في مرحلة الطفولة والنشأة، والأخرى بالمشاركة مع باحثين في علم النفس والتي تتقصى تأثير الأسرة المتدينة بمرحلة الطفولة المبكرة فيما ما يخص مهاراتهم. تقول د. السبيعي أن كلتا الدراستين أثبتتا مما لا يدع مجالًا للشك أن الدين يربي إنسانا قادرا على التكيف والتأقلم والمجتمع الذي يعيش في صحنه مظهرًا مهارات اجتماعية بيّنة، لكن كل ذلك على حساب نمو القدرات العلمية والأكاديمية التي يتبدى في ضعف الالمام بمادة الرياضيات ومواد العلوم التطبيقية. وذلك يرجعنا إلى مبادئ التلقين الأعمى التي تعلمناها منذ الصغر في ترديد الأناشيد والأحاديث وغيرها من صحائف الموروث الشفهي في مجتمعاتنا. وبالمقابل على حساب التفكير الحرّ والابداع والتجلي في حل مشكلات ومعضلات عبر الألعاب جديرة أن تطرح منذ سن مبكرة، مثلاً في تركيب الأشكال المختلفة أو الاختراعات أو الابتكارات والابداع في كل المجالات، سواء العلمية أو الفنية. نجد تعليم الموسيقى وتعليم النوتة الموسيقية يعتبر عند كثير من الباحثين من المهارات الجبّارة في تنمية القدرات الذكائية عند الأطفال. إن اتقان آلة موسيقية مثال الشيلو وتعلم العزف من الورقة – كما يقولون في عالم الموسيقى – ليس له وجودا بالصورة التي ينبغي أن تكون في عالمنا العربي، لماذا؟ لأن الموسيقى وإلى فترة ليست بالبعيدة كانت ولا تزال في كثير من دولنا من المحرمات وفعل الشيطان. لعمري إن اكتشاف المقطوعات الكلاسيكية عربية أو غربية كلها عوالم جديرة يجب أن نتيح ارتيادها للصغار لأنها تفتق فيهم مهارات جبارة لا تخطر لنا ببال.  من جهة أخرى، ماذا يعني أن يحفظ التلميذ الموضوعات عن ظهر قلب دون أن يعي حتى فحواها، فكم حفظنا سور القرآن والمعلقات والمقامات بشتى أنواعها وكنا في تلك الفترة للأسف عبارة عن مسجلات كاسيت لا غير أو بالأحرى ببغاوات ترديد ليس إلا ودون أن نحرك ما بدواخلنا من سواكن ومشاعر أو حتى أن نعلم ماهية الرسالة المطلوبة منّا. صغار في جهالة متناهية.

مؤشرات التخلف من أين أتت، تساؤلات تؤرقني:

مقال د. عزة السبيعي يجبرني أن أطرح بعض التساؤلات بما أن دولنا رفعت منذ فجر بعيد شعار الدين في كل الساحات والباحات وجعلت له أجندا وجيوشا تحميه، سواء مدنية أو أهلية، وذلك نرجئه للتفكير الرجعي الذي نشأنا عليه، حقيقة نجد كل من هبّ ودبّ من أبناء الأمّة صار هو حامي حمى الدين، حتى وإن كان الدين عنده العرف الذي نشأ وتربى عليه حتى وإن لم يكن من الدين في شيء لكنه صبغه هو بصغبته حتى صار دينه الذي يمشي على نهجه.

ورغم التعنت والتهافت على مواد الدين وأصول التقوى الزائفة العقود الطوال في كل موقع وموضع، وحدث ولا حرج، نجد أنفسنا قد فشلنا في كل قضايا التربية الدينية فشلًا ذريعًا، ذلك ورغم أننا تعلمناه على الأقل اثنتا عشرة سنة، قبلها وبعدها بسنوات وعقود، نعم، وبكل صدق، لقد فشلنا حتى في ابسط تعاليمه الحنيفة. فلننظر لحال الأمّة الإسلامية ومن بينها غالبية الدول العربية أين هي رغم أنها متدينة أو أنها تدعى التدين وأين هم، الآخرون؟ أدعو من هنا كل فرد منّا أن يطرح بعض من تساؤلات حسب فهمه للقضية التعليمية وحسب مستوى محيطه الذي يعيش فيه وأدعوه أن يقارن حاله بحال دول أخرى في الغرب أو حتى في آسيا مثلًا في كل المجالات دون استثناء. ولنأخذ على سبيل المثال دولة مثل ألمانيا الاتحادية التي استوعبت أختها الشرقية دون لأي بعد أن دمرتها الحروب دمارًا لا هوادة فيه. إن المثال الألماني جدير بأن ننظر إليه لأنه صار نبراسا في العالم أجمع، حتى الدول الصناعية حديثا مثل الصين، تعتبر التكنلوجيا وبناء الإنسان في ألمانيا مختلف عن بقية العالم، لذلك فهي تلهث حتى تستوعب كل ما يأتي منها من حضارة ورقيّ لتهضمه وتجعله قدوة لتحديات المستقبل وأراها قد أفلحت في ذلك والأيام دول. فالأسئلة التي ينبغي أن يطرحها كل فرد منا عديدة على شاكلة:

> ما سبب نهضة دولة كألمانيا رغم أنها وحتى نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات (عهد استقلال أغلب الدول العربية) كانت خرابة وكوم من الأنقاض؟

لماذا استطاعت التغلب على تحديات جبارة حتمتها عليها الحرب العالمية الثانية إلى أن وصلت في وقت وجيز إلى مرتبة أولى الدول الصناعية والمخترعة (ستارت أب)؟

لماذا نجد هذا التطور الكبير في كل المجالات؟

ما سرّ علاقتهم الوطيدة بالطبيعة واحترام مخلوقاتها؟

ما سبب الإخلاص والتفاني في سياق المهنة؟

إن سبب تقدم هذا البلد لا تكمن في بعض المظاهر التي نعرفها فسحب، كما في السياحة، أو صناعة سيارات المرسيدس، البي إم دبليو، البورشه، الفولكسفاغن، أو طائرات الإيرباص، الخ. لكن من الأسباب الرئيسة في تقدم هذا البلد العملاق هو نظام التعليم، وأهمية الإنسان والفرد تعلب هاهنا دورًا بارزًا. فللفرد قيمة جبّارة في ألمانيا، دون تفرقة الجنس، العرق، أو الدين، لنأخذ الباحث التركي أوغور شاهين كمثال فلقد هاجر وهو في سن الطفولة إلى ألمانيا وتنعم بمؤسسات التعليم بها وارتقى إلى باحث استثنائي يشار إليه اليوم بالبنان في كل أنحاء العالم وكذلك زوجته العالمة.

فرص التعليم للكل … حقّ إنسانيّ لكل فرد:

يجب أن تعمل منظومة التعليم بكامل حلقاتها من التعليم القبمدرسي إلى التعليم الجامعي في خلق إنسان المستقبل الذي يتصدى بعلمه وادراكه لتحديات هذه الألفية وليقابل التنافس الطاحن بين الدول من أجل حياة كريمة. ويجب أن نعمل سويا من أجل تأسيس مناخ معرفي للدراسات الجامعية وللبحث العلمي وينبغي أن يكون ذلك هدفًا اساسيًا ومن أولويات النهضة المعرفية في المرحلة المقبلة وأن نربط خلق هذه النهضة والقيام بها ربطا وثيقا بكل مؤسسات المجتمع المدني والمدارس والمصالح المختصة حتى نجعل منها كلها حلقة واحده ترتبط أجزاءها ببعضها البعض، كدروة الحياة أو كالجسم الواحد.

إن الدول المتقدمة والنجيبة تستثمر في الإنسان لأنه هو بطل الماضي ومبدع الحاضر ومبتكر المستقبل. وكل فرد من أفراد المجتمع الألماني، ابن عامل النفايات وابن المعلم وابن القاضي وابن التاجر أو الطبيب كلهم سواسية كأسنان المشط أمام القانون الذي يكفل لكل منهم حقوقه في المواطنة وفي التعليم والمسكن والمشرب والأمن والأمان. لم تلد حواء ابنا يحمل في فِيهِ ملعقة من ذهب فكلنا أبناء حواء وآدم وكلنا شغف أن نخرج بأمتنا من مطبات الحاضر المرّ إلى بر الأمان في مستقبل واعد وزاهر.

خاتمة:

دعونا يا سادتي نشارك العالم أجمع في المنظومة العالمية بإنسانيتنا وعلمنا ورقينا ونترك نعرات الدين والقبلية خلف ظهورنا، فإننا لا نخلد على وجه هذه الأرض، فلنترك لأحفادنا إرثا يعتزون به حتى يقولوا: لقد أجتهد أجدادنا وأبلوا بلاءً حسنا فلهم منا كل التقدير والاحترام

*رئيس تحرير الجريدة العربية الدولية المدائن بوست الصادرة من المانيا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube