مقالات الرأي

لا تعتذروا عن تطبيع العثماني.. فقط اضمنوا للمغاربة أن PJD لن ينفذ التطبيع إذا عاد للحكومة

سليمان الريسوني

هل تسرعت السكرتارية المحلية للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع في طنجة، بإصدار بيان يرفض مشاركة “المبادرة المغربية للدعم والنصرة” المقربة من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، في مسيرة نصرة غزة وفلسطين، ورفضا للتهجير والحصار والتجويع والتطبيع والإبادة الجماعية؟ ربما تسرعت. هل كانت ردود أفعال بعض المنتمين إلى العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح عنيفة وبعيدة عن الأسلوب الحضاري، بله الأخلاق الإسلامية؟ أكيد. هل من الممكن إصلاح ذات البين الطرفين وتوحيد الصفوف من أجل فلسطين؟ هذا واجب وضروري. كيف السبيل إلى ذلك؟ تلك هي المسألة. هل بتقديم اعتذار عن تورط العدالة والتنمية في توقيع التطبيع من خلال أمينه العام السابق رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وهو الاعتذار الذي يرفضه الأمين العام للحزب، أحيانا بطريقة متشنجة، وأخرى بطريقة ملتبسة (دعها حتى تقع)، وهو ما لا يزيد الأمور إلا تعقيدا، ولا يزيد شركاء الحزب في النضال ضد التطبيع إلا شكا وتوجسا في أن العدالة والتنمية لا يملك غدا، وهو في الحكومة، أن يرفض التطبيع، وكيف السبيل إلى رفضه؟ هل بمقدار وزير أن يقول للملك بكل احترام: اعذرني يا صاحب الجلالة فمبادئي وقرارات حزبي تمنعني من السفر إلى إسرائيل. أو تمنعني من استقبال الوزير الإسرائيلي، أو المشاركة في مؤتمر فيه وفد إسرائيلي؟!هي ليست ورطة العدالة والتنمية وحده، بل ورطة العمل السياسي المؤسسي في المغرب. أن تتوهم أنك شريك للملكية في الحكم وأنت مجرد عون تنفيذ لما تحبه وما تكرهه. وقد اقتيد العثماني للمكروه مُكرها. لننظر إلى أحزاب الحركة الوطنية، التي كانت، حتى نهاية التسعينات، تملأ الشوارع مناضلين وصراخا من أجل فلسطين، كيف أصبحت منصاعة ذليلة. لقد قالت كرستين السرفاتي في رسالة إلى صديقها عبد الرحمان اليوسفي، عندما مُنعت من دخول المغرب وهو وزير أول: “سأقول لك يا عبد الرحمان ما قاله موليير في إحدى مسرحياته: إنك ملك يا سيدي ولكنك لا تحكم أي شيئ”. وأنا أقول لأعضاء العدالة والتنمية المحترمون الصادقون في حبهم لفلسطين ودفاعهم عنها. لا تعتذروا عن تطبيع العثماني.. فقط اضمنوا لي (للمغاربة) أن الحزب لن ينفذ التطبيع إذا وصل إلى الحكومة مستقبلا. أو اضمنوا لي بأنه إذا وضع وزير منكم يده في يد مسؤول إسرائيلي، ستطردونه من الحزب، أو تستقيلون إذا رفضت الأغلبية طرده.. اضمنوا لي ذلك وسأقف إلى جانبكم ضد اليسار والعدل والإحسان، وضد كل الجبهات. “حرب بلا حدود”، بهذه الكلمات الثلاث، بهذه الجملة الصغيرة والبليغة، علقت الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، على العدوان الإجرامي الهمجي على غزة، الذي كان من ضحاياه 15 مسعفا قتلهم الجيش الإسرائيلي في جنوب القطاع بدم بارد. دعك من أطفال ونساء غزة فهم يتساقطون أكثر من المطر . فهل والحالة هذه، يحق لنا أن نواصل التراشق باللمز والتنابز بين مكونين لا يشك أحد في وفائهما القضية الفلسطينية، وحرقتهما على ما يحدث للأبرياء في غزة؟ إنني سأجازف بقول ما يضمره البعض أو يقوله همسا: إن الطرفين معا، ورغم وقوفهما على مسافتين متفاوتتين من نظام الحكم في المغرب، فكلاهما يكره في النظام تطبيعه، ويكره فيه المستوى الذي وصله التطبيع في عز الجرائم غير المسبوق، خصوصا الشق العسكري فيه. وهذا يعرفه النظام. فهل نستمر مشتتين وأنظمتنا موحدة في دعم قتلة الفلسطينيين باستمرار التطبيع، وبالسلاح، وبإدانة المقاومة، وبالتكالب على المقاومة، وبالصمت؟كانت أول رواية من الأدب العالمي قرأتها، وأنا مراهق في السادسة عشر من عمري، هي “الأم” لـ مكسيم غوركي. وإذا سألتموني الآن تفاصيلها فسأحكي لكم حكايات مغبَّشة. لكنني حفظت من الرواية الروسية جملة مسكوكة، تقول: “حينما تحين ساعة الصراع لن يبقى لدينا متسع لتنظيف الأظافر”. لقد حانت ساعة الصراع واشتد الصراع، فاتركوا أوساخ أظافركم حتى تضع الحرب أوزارها.إذا كان كلمة اعتذار سترمم الصدوع وتوحد الصفوف، فتخلوا عن كبريائكم من إجل الدم الفلسطيني، واعتذروا. لنستمع إلى الصديق العزيز احمد ويحمان، وهو وهو غير متفق مع رفض “الجبهة”، المحسوبة على العدل والإحسان واليسار، مشاركة “المبادرة” المحسوبة على التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية، في مسيرة طنجة. يقول ويحمان: “التطبيع خيانة، هذا قرار الشعب المغربي الذي بُحت حناجره في المسيرات والوقفات. ومن أقدم عليه يتحمل مسؤوليته كاملة. وفي هذا السياق، فإن سعد الدين العثماني، الذي وقع اتفاقية العار مع كيان الاحتلال والإبادة الجماعية، هو مسؤول عن هذه الجريمة السياسية. ومسؤولية حزب العدالة والتنمية قائمة في مستوى ضرورة الإعلان صراحةً تبرؤه من هذا التوقيع ومن صاحب هذا التوقيع، ما لم يقدم نقدا ذاتيا عن ذلك، واتخاذ موقف أكثر وضوحا بحسم أمره: إما أن يكون، كما كان دوما، في صف مناهضة التطبيع، وإلا فعليه أن يتحمل تبعات موقفه المتردد أمام التاريخ” انتهى كلام وايحمان. لنستمع أيضا إلى اسم من أهم الأسماء داخل حزب العدالة والتنمية، بل لعه أبرز من ارتبط اسمه بالقضية الفلسطينية داخل الحزب، يقول أبو زيد المقرئ الإدريسي: “الحزب خصو يقدم الحساب ماشي بين يدي الله والوطن والتاريخ. بل بين يدي ذاكرة المغاربة. هذه الذاكرة التي أثتها خطابنا وأوراقنا ومرجعيتنا وبرنامجنا وحديثنا للناس. آش غنقولو لهم (…) آش غنقولو للمغاربة؟ يلا المغاربة اتهموها غير كنا كنتاجرو بالقضية الفلسطينية.. ظلمونا؟ آش من مصحف غادي نحلفو ليهم فيه: والله يلا كنا مخلصين، راه غير الظروف؟ميتيقوش المغاربة، وخا حنا كنا مخلصين، ولكن المغاربة مغيتيقوش، لأن البشر كلهم عندهم عقل سياسي في التحليل. يقول لك ذاك 30 عام أو 40 عام وهما كيبكيو على فلسطين وكيديرو المهرجانات، غير باش يشدونا من جهة العاطفة، حتى دارو الشعبية وخداو الكراسي ووصلو للي بغاو وركبو فالسيارات الفخمة وخداو المناصب فالبرلمان وفالحكومة.. ودابا قلبو ظهر المجن للقضية الفلسطينية. سير دابا سكّت شي حد يلا ناض عليك فالحملة الانتخابية الجاية يتهمك بهذا. سير سكتو وهو كاذب سيصدقه الناس، وأنت صادق سيكذبك الناس. والناس معذورون إذا فعلوا”.إذا كان المقرئ الإدريسي، وهو اسم بارز في الحركة والحزب، يقول هذا، فكيف تلومون “الجبهة”على رفضكم، وإن كنت لا أتمنى ذلك، ولو كان القرار بيدي لما فعلته. لذلك أكرر: لا تعتذروا عن تطبيع العثماني.. فقط اضمنوا للمغاربة أن الحزب لن ينفذ التطبيع إذا وصل إلى الحكومة مستقبلا. أو اضمنوا لهم بأنه إذا وضع وزير منكم يده في يد مسؤول إسرائيلي، ستطردونه من الحزب، أو تستقيلون إذا رفضت الأغلبية طرده.. اضمنوا لي ذلك وسأقف إلى جانبكم ضد اليسار والعدل والإحسان، وضد كل الجبهات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID