رسالة فرانز كافكا إلى الأب طاغية لا يخطئ أبدًا

برلين: محمد نبيل
ما زالت “رسالة كافكا إلى الأب” تثير جدلا في الأوساط الثقافية والأدبية. صحيفة فرانكفورتر ألغماينه الألمانية تعيد فتح جروح هذه الرسالة المؤثرة بعد أن تمكن الأرشيف الأدبي الألماني من الحصول على النسخة الأصلية من مالك خاص.في مقالة وقعها الصحفي تيلمان شبركلسن، يتم تسليط الضوء على نص إبداعي تناول فيه كافكا مشاعر الاغتراب والهيمنة التي كان يعانيها تجاه أبيه. ومع ذلك، لم يرسل كافكا هذه الرسالة أبدًا منذ كتابتها عام 1919. تُعتبر هذه الرسالة وثيقة مؤثرة تكشف عن العلاقة المعقدة بين كافكا وأبيه، وتلقي الضوء على جذور العديد من أعماله الأدبية التي تتسم بالقلق الوجودي والاغتراب.قصة الرسالة: بداية الاغترابتحكي الصحيفة أنه في نوفمبر 1919، أخذ كافكا إجازة لمدة أسبوعين وأقام في غرفة بفندق “شتودل” في منتجع شيلزن شمال بوهيميا. قبل تسعة أشهر من ذلك، تعرف هناك على جولي فوريزيك، امرأة من براغ تعاني من مرض في الرئتين مثله، وتواعدا في صيف ذلك العام على الزواج. لكن والده لم يكن راضيًا عن اختيار ابنه، وانتقد الفتاة بعبارات جارحة. بعد فترة قصيرة، تم فسخ الخطوبة، وبدأ كافكا في كتابة رسالته إلى أبيه، التي بلغت في النهاية 103 صفحات مكتوبة بخط اليد.رسالة لم تُقرأيشير الصحفي تيلمان شبركلسن إلى أنه “خلال حياة كافكا، كان عدد قراء هذه الرسالة محدودًا جدًا، ولم يكن الأب نفسه من بينهم. بعد وفاة كافكا في صيف 1924، بقيت الرسالة مجهولة لفترة طويلة. لكن مع نشرها في عام 1952 في مجلة “Neue Rundschau” التابعة لدار نشر فيشر، أصبحت الرسالة واحدة من أشهر النصوص وأكثرها إثارة للجدل في الأدب العالمي”.مخطوطة ثمينةيكشف الكاتب عن معطيات جديدة في مقالته، مثل قوله “إن شراء المخطوطة ليس اكتشافًا جديدًا أو حدثًا مثيرًا، لكنه يبعث على الارتياح، خاصة بالنظر إلى المصير المضطرب لأرشيف كافكا الآخر. توجد نسخة مكتوبة على الآلة الكاتبة من الرسالة، بالإضافة إلى النسخة الأصلية المكتوبة بخط اليد. في عام 1982، وصلت النسخة إلى متجر للكتب القديمة في ميونخ، حيث اشتراها الناشر توماس جانسكي بعد عام. وفي عام 1984، تم إيداع المخطوطة في الأرشيف الأدبي الألماني في مارباخ كإعارة دائمة.” كما أعلن الأرشيف مؤخرًا حسب نفس الكاتب ” أن المخطوطة ستبقى هناك بشكل دائم بعد أن تم شراؤها بدعم من مؤسسة الثقافة الألمانية وحكومة ولاية بادن-فورتمبيرغ وعدد من الجهات الأخرى.”طبيعة الرسالة: بين الأدب والاعترافتطرح الرسالة تساؤلات حول طبيعتها: هل هي نثر أدبي؟ أم تأمل ذاتي؟ أم رسالة فعلية موجهة إلى الأب؟ أم رسالة إلى أخته أوتلا، التي ناقش كافكا علاقتها مع الأب أيضًا؟ ربما النظر إلى المخطوطة الأصلية يمكن أن يلقي الضوء على هذه الأسئلة. وتبدأ الرسالة بالعبارة التالية: ” لقد سألتني مؤخرًا لماذا أقول إنني أخاف منك.”ثم يتحدث كافكا عن الخوف الذي يشعر به تجاه أبيه، ويحاول تفسيره في مونولوج طويل دون أن يقاطعه الأب بتعليقات ساخرة أو إيماءات مهينة، كما كان يحدث عادةً. يظهر كافكا هنا كشخص مهزوم دائمًا، يحاول التعبير عن نفسه، لكنه يعترف بأن الخوف لا يزال يعيق حتى كتابته.الأب: طاغية عائلي دائم الحقفي الرسالة، يظهر الأب كشخصية مهيمنة وطاغية عائلي، دائمًا ما يعتقد أنه على حق. يصف كافكا نفسه كـنتيجة لهذا الأسلوب التربوي، حيث يعاني من الضعف وانعدام الثقة بالنفس والشعور بالذنب. ويوضح أن لا شيء، ولا حتى رسالة طويلة كهذه، يمكن أن يغير هذا الواقع. لكنه مع ذلك يكتب، آملاً أن يعترف الأب بأن لا أحد منهما مسؤول عن الاغتراب بينهما، وأن يصل الاثنان إلى “نوع من السلام”، حيث تخف حدة الاتهامات المستمرة.خاتمة: رسالة لم تُرسلمن الواضح أن أي أب لن يرغب في استقبال مثل هذه الرسالة. وعلى الأرجح، لم يقرأ هيرمان كافكا هذه الرسالة أبدًا. ومع ذلك، فإن كتاب كافكا “طبيب ريفي”، الذي نُشر بعد أسابيع قليلة من كتابة الرسالة، يحمل إهداءً بسيطًا: “إلى أبي.”
