محطات نضالية

كلمات: .. في قوس الإنصاف والمصالحة *رهان بقدر كبر الأمل كبرت الخيبة فيه*

أحمد ويحمان

تأتي الذكرى العشرون لإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة لتفتح النقاش من جديد حول هذه التجربة الفريدة في التاريخ الحقوقي والسياسي للمغرب، والتي كانت بمثابة رهان كبير على تحقيق العدالة الانتقالية وطي صفحة الماضي الأليم، ولو في الحدود الدنيا التي كان من شأنها أن تؤسس لمرحلة جديدة تقطع مع “سنوات الرصاص”، ذلك العهد القمعي الذي شهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتحرك، وإن بالتدريج، في المسار الصحيح . لقد أبانت التجربة في بداياتها عن توفر إرادة سياسية، ولو في مستويات دنيا، عكست رغبة مبدئية في معالجة الملفات الحقوقية وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع. غير أن المعضلة اليوم هي أنه لم تعد هناك إرادة سياسية حتى على تلك المستويات الدنيا. وحتى إن وُجدت في زاوية ما من أركان الدولة، فإنها تبدو عاجزة أو مُحاصرة. *إنجازات محدودة وخيبات متتالية* هيئة الإنصاف والمصالحة حققت بعض المكتسبات على مستوى التعويض الفردي للضحايا، مما منح الاعتراف المادي والمعنوي لعدد من المتضررين من سنوات الجمر والرصاص. لكن على المستوى الأعمق، مستوى جبر الضرر الجماعي وبلورة التوصيات المتعلقة بالإصلاحات التشريعية والمؤسسية والحكامة الأمنية، فلقد غابت النتائج المرجوة. فالآمال الكبيرة التي رافقت إطلاق الهيئة تبخرت مع مرور الوقت، خاصة مع ما يظهر من مؤشرات تفيد بأن الإرادة السياسية باتت مسلوبة أو مغيبة. وهذا ما يظهر في عدد من المظاهر والمؤشرات . فحين يتحدث الملك، رئيس الدولة، بأن “أي خطر أو أذى لا يمكن أن يأتي إلى الجزائر من المغرب”، يخرج من يصرّح بعكس ذلك، مهددًا بـ”الويل والثبور” لجارتنا الجزائر. وأين في قناة ” إسرائيل 24 ” !!! وحين يؤكد الملك أنه لن يحلل ما حرّم الله ولن يحرّم ما أحلّه، يخرج وزير العدل ليصرح بأن “لوبي الشواذ قوي في العالم” وأننا عاجزون عن مواجهته، وكأن الأمر بات واقعًا مفروضًا لا خيار لنا إلا قبوله! بل نرى أن رئيس الحكومة نفسه، بصفته رئيس المجلس البلدي لمدينة أكادير، يخصص مئات الملايين لتتويج ملك الشذوذ الجنسي في ما يسمى “مهرجان بيلماون” !!! الأمر لا يتوقف هنا؛ فقد تم جلب أحدهم ليشتم الشعب والملك بأقذع العبارات، ويعلن عن شذوذه الجنسي في ندوة صحفية بالعاصمة الرباط، حيث يتم تكريمه وتوديعه بهدية ذهبية! وفي مراكش، عاصمة المرابطين، يتم تكريم “زعيم” الشذوذ الجنسي، وهو يرتدي تنورة نسائية ليقدم فيلمه الذي يمجّد هذا الانحراف، في تحدٍّ واضح لإرادة الدولة والمجتمع، بل وحتى التزام الملك ذاته !!! هذه المشاهد تذكرنا بعبارة الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي د حسن أوريد حول “المافيات الموازية .. و الفوق دولتية التي تأمر فتطاع”. وما تصريحات “كلنا إسرائيليون” أو تمجيد مجرم الحرب نتنياهو، المدان دوليًا، إلا مظاهر إضافية للانزلاق نحو تهديد السيادة الوطنية وفرض أجندات خارجية. *من امتحان الإرادة إلى امتحان القدرة* لقد كان رهان هيئة الإنصاف والمصالحة محاولة وطنية جادة للإصلاح، ولكنه فشل في امتحان الإرادة السياسية. واليوم، حتى لو توفرت تلك الإرادة، فإن التحدي الأكبر أصبح في امتحان القدرة على مواجهة قوى متحكمة تفرض سياساتها على الدولة والمجتمع. *خلاصة القول* ونحن نتابع الرسالة الملكية ومضامينها إلى فعاليات إحياء الذكرى ال 20 لتأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة و كذلك الأطراف القيمة والمتحركة فيها؛نستحضر مضامين النقاشات زمن الإنصاف والمصالحة وأطرافها والمشاركين فيها وجلسات الاستماع والوجوه والرمزيات .. والمصداقية والنزاهة والثقة، بغض النظر عن مستوياتها … ومما لا شك فيه أن السؤال مطروح على كل هذه المستويات في فعاليات الذكرى ال 20 . *آخر الكلام* بالمناسبة نترحم على صديقنا، رئيس الهيأة، إدريس بنزكري الذي رحل إلى دار البقاء ولم نتصافى مما حصل بيننا من شنآن بسبب منع الطبيب للزيارة مرتين بحضور رفيقتنا المشتركة المناضلة المرحومة زهور العلوي.. نعم لقد استجبت لطلبه الذي بعثه مع الأستاذ إلياس العماري ل ” المسامحة ” والوداع الأخير . ويشهد الله بذلك. ونشهد له، رغم كل تحفظاتنا، بأن الرجل لم يكن متاهافتا پأي معنى أبدا، ولكنه اجتهد وترك إرثا في *التوصيات* هي محط إجماع لو توفرت الإرادة السياسية . لكن، بعيدا عن الذاتيات، فإن السؤال الأهم، على ضوء ما ما قلناه، يبقى؛ + هل يمكن إعادة بعث مشروع العدالة الانتقالية في ظل هذا الواقع؟ أم أن الأمر يتطلب نضالًا جديدًا على مستوى الإرادة والقدرة معًا؟

—————–× ناشط حقوقي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID