قرَّرتُ وبطلب من بعض الصديقات والأصدقاء أن أنقل لكم انطباعاتي عن زيارتي الأخيرة لكوبا، وبالخصوص العاصمة هافانا، لم تكن فقط زيارة سياحية، من دواعيها إلحاح بعض الأصدقاء الكوبيين جمعني بهم المنفى في تسعينيات القرن الماضي في مدريد، وفضول يساري عن مآل ثورة ألهبت مشاعر ملايين الشباب في العالم، وكنتُ واحدا منهم..واخترت لها عنوان
: “سفينة النسيان” الحلقة 1كوبا، الجزيرة الكاريبية الساحرة، تأخذ زائرها منذ أول وهلة في رحلة عبر الزمن والثقافات، تمتزج في كوبا روعة الطبيعة الخلابة مع العمارة الكولونيالية الأنيقة، وتتراقص فيها نغمات الموسيقى اللاتينية مع دفء الكوبيين وكرم ضيافتهم.زيارة كوبا ليست مجرد عطلة وسياحة ، بل هي تجربة فريدة بالإنسان الكوبي الطيب البشوش والمرح والسعيد في شقائه، بشواطئها الرملية البيضاء الممتدة، وعاصمتها العريقة هافانا، بواجهاتها الملونة وسياراتها الكلاسيكية التي تروي قصص هيمنغواي ، خوصي مارتي وغارسيا ماركيز وشي غيفارا وفيديل وأنفاس ضحايا الحصار الأمريكي الظالم.. ما أن تطأ قدماك أرض كوبا حتى تغوص في أعماق ثقافتها الغنية التي تجمع بين التراث الإيبيري والإفريقي واللاتيني، منذ الوهلة الأولى تكتشف أنك أمام شعب يجمع بين تحديات الحياة والبساطة والأنغام والألوان، يعيش اليومي بين الإحالات والتاريخ والفاقة والأمل في قادمٍ لم تعُد واضحة معالمه.ليس من زار كوبا كما من سمع عنها، أن تكتشف أولى تحديات هذا الشعب، تحدي وجودي ،تحدي الجوار مع أقوى دولة في العالم، تحدي الحفاظ على البساطة في مواجهة تعقيدات الحياة والسياسة والجغرافيا، تحدي الاختيار بين العيش الكريم والعيش المُريح ، تحدي الاختيار والرقص على أنغام موسيقى الصالصا الكوبية والرومبا وأقداح الرون الكوبي المعتق وعبق السيكار.انتابني إحساس بالانتماء وأنا اخترق لأول مرة شوارع العاصمة هافانا ، كأن المباني الكولونيالية القديمة تدعوني لمعانقتها واقتفاء آثار زوارها من الشعراء والغاوون، خِلتها ترحب بي لأعيش مغامراتهم ، لأتذوق نكهات المطبخ الكوبي، ولأتفاعل مع أجواء تختلط فيها السعادة بالشقاء، والاحلام بنهاية الطريق وسواد الليل بشخير الجار الغاشم وعربدته وتهديده المستمر بالويل والبطش والتنكيل ، وجوه متعبة لا تخلوها الابتسامة ترحب بزوارها وتدعوهم للاستمتاع بروعة مشاهد غروب الشمس على خلفية مزارع التبغ الشهيرة،وتستغويهم لاستكشاف جزيرة الأحلام حيث يلتقي الماضي بالحاضر وكل المتناقضات في تناغم بديع وغريب ينسج حكايات ومشاهد عجيبة لا تُنسى
..يتبع