أخبارمستجدات

الإغْتِيالُ السِيّاسي و الرَّدْعُ القَضائي .. قِراءة مُغَايِرَة في محاكمة حامي الدين!


بقلم عبد المجيد موميروس

لا جرم؛ أن البراءة لَهِيَ الأصل، حتى تثبت إدانة المتهم، بمقرر قضائي، مُكتسبٍ لقوة الشيء المقضي به. تماما؛ بعد توفير جميع الضمانات القانونية، و استكمال مراحل التقاضي، الكافية لمحاكمة قضائية دستورية عادلة نزيهة. لكن؛ لا شك أن متابعة الظنين في حالة اعتقال، قد يفرضه الواجب الردعي، الموكول إلى المؤسسة القضائية بغاية حفظ مصلحة المجتمع.

خصوصا؛ إذا تعلق الجُرْمُ بالسلوك العنيف، المؤَدي إلى قتل نفس بشرية. فلا يمكن؛ أن يُتْرَكَ المتهمَ غيرَ مَسْلُوب الحرية. ذلك حَتى؛ لا تتوفر له فرصة التأثير في الشهود، أو كي؛ لا يتسنى له طمس أدلة الاتهام. و أيضا؛ لِكَي لا تصير حرية المتهم الشخصية، عاملا مساعدا على التطبيع السياسوي مع جناية القتل. و كذلك؛ حتى لا يتمدد الجرم، إلى تهديد شامل للسلم الأهلي، بما يزيد من سفك الأرواح. أو؛ لِكي لا تتيسير للمتهم المدان إبتدائيا ، فرصة الهروب من العدالة القضائية، قبل النطق بالحكم النهائي، الحائز لقوة الشيء المقضي به.

و إذا كانت جناية القتل، تنشأ عند كل جريمة، تتوفر فيها العلاقة السببية بين فعل الاعتداء، و بين النتيجة التي هي إحداث وفاة إنسان ( أو أكثر). سواء؛ أ كان مرتكب الجناية، فاعلا عن طريق نفسه مباشرة، أو تحقَّق الفعل الإجرامي بطريقة غير مباشرة. فإن شبهات ما يصطلح عليه بالاغتيال السياسي، قد تعتري بعض جنايات القتل المرتكبة في حق السياسيين، أو كتاب الرأي، أو المفكرين و الأدباء إلخ. ممَّا؛ قد يجعل من تداعياتها و تأثيراتها، خطيرة بشكل أوسع. ذلك؛ بما أنها تهز أركان المجتمع بأسره، و تضرب في الصميم سلامة الأمن القضائي.

من حيث؛ أن مفهوم الاغتيال السياسي، يندرج في نطاق الجريمة السياسية المنظمة، المُركبة بين فصائلها المتطرفة، التي لها دوافعها الجنائية المؤَدْلجة. و تتم على أساس فتاوى مسبقة تقسم المجتمع الأهلي، إلى معسكر الكفر و معسكر الإيمان. و لعل رجعية الخطاب التحريضي العنيف، المهيمن على النقاش الدائر حاليا، حول حقوق الحريات الفردية. تشي بحالة العود إلى عنف الخطاب السياسوي، القائم على فاحشة اللعن و التلاعن( الطرد من رحمة الله). و الذي يصدر عن نفس الحاضنة الحزبية المتطرفة، التي ينتمي إلى فصيلتها المتهم عبد العالي حامي الدين. هذه الحاضنة اللّامَدنية، التي عادت إلى تسخير إمكانياتها السياسية و الحقوقية، عبر فذلكات تحريضية لا دستورية. يتأكد من خلالها؛ أن المتهم المعلوم عند جناية القتل، ليس عدا أداة تنفيذ داخل بنية حزبية سرية.

و إذا كانت؛ عملية القتل الجنائي، تتم غالبا ضمن فعل إجرامي أحادي النسق و الأهداف. فإن عملية الاغتيال السياسي، متعددة الأبعاد و الآثار. قد تنطلق من مُقَبِّلَات القتل المعنوي. حينما؛ يُقْضَى بإستحلال دم الخصم السياسي، عبر فتوى التكفير التي تحطم رمزية المقتول، بجميع أشكال شيْطنَة الآخر المُغاير. حتى تَبلُغَ مادية القتل ذِرْوَتَها، عند زمن التصفية الجسدية. و لمَّا تَزْهَق روحُ المقتول، تتداعى للقاتل عشيرته السياسية و الدعوية، بجميع أذرعها الجمعوية. قصد منع إحقاق الردع القضائي، مع عرقلة ضبط سلسلة المتورطين الحقيقين. و التي تضم المفتين بالقتل، و المخططين للغزوة الجنائية، بمعية مُمَوّليها.

فلهكذا؛ حتى يضيع حق المقتول، بين مطرقة التواطئ الحزبي و بين سندان المحاباة السياسوية. و قد تتمادى الحاضنة المحرضة، في إجرامها بقتل القانون، و إسقاط الحق الدستوري الأول لكل إنسان. فيصير حق الحياة المُدَسْتَر، مصلوبا على جدع الإنتقائية المُسَيَّسَة.

و ذاك ما كان؛ لما قد كان واجبُ حفْظ مصلحة المجتمع، يفرض مقاربة الردع القضائي. طبعا؛ عند المحاكمات المتعلقة بجرائم القتل لدوافع عَقَدِية أو أيديولوجية، و التي قد تندرج في نطاق الحق العام. طبعا؛ على أساس تحقيق المساواة القضائية، بين جميع الفاعلين الذين قد ساهموا بفعل مباشر، أو غير مباشر في إحداث وفاة الطالب آيت الجيد.

و ذلك؛ بما أن جُرْمَ إزهاق روح الطالب بنعيسى. ما كان لِيَحْدُثَ، لو لم يسمح بذلك عاملَيْ الأيديولوجيا المُحرضة و العصبة السياسية الحاضنة. إذ؛ أن كلا من هذين العاملين، قد ساهما في التقعيد النظري لجريمة القتل، سواء إعترف بذلك المتهم، أم لم يعترف!.

و حيث أن الشيء بالشيء يذكر؛ فإن مواصلة محاكمة المتهم حامي الدين، في حالة سراح. لَتَدفع كل غيور على مبدأ المساواة القضائية، كي يتساءل عن أسباب التمييز اللادستوري لصالح المُعَنِّف المُدان. على الرغم؛ من أن إعادة فتح ملفات القضية، قد إنبنت على شهادة جديدة. تتضمن عناصر إثبات جديدة، و دلائل وقائع جديدة. قد أماطت اللثام، عن شبهات الإغتيال السياسي، التي تلتف حول رقبة المتهم حامي الدين. من حيث أن شاهد الإثبات، قد شهد بالسبب المباشر للمشاجرة، التي أدت إلى قتل نفْسِ المقتول. فكان السبب سياسيًّا، ناجمًا عن خلاف عقدي، بين فصائل أيديولوجية متطاحنة داخل الحرم الجامعي. و أما؛ مشاهد النهاية المرعبة، فقد كانت امتدادا مُتوَحّشا لصراع العنف الدموي، الذي جمع بين ما يصطلح عليه بمُعسكري الكفر و الإيمان. و من هنا؛ قد تمظهرت بشكل جلي، صورة القصد الجنائي. أي : فلَربّما؛ بالعمد و مع سبق الإصرار و الترصد، قد قُتِل المقتول. بعد أن أَفْتى مُفتي ما، أنّ الطالب اليَساري لَكَافِرٌ، و أنّ لِقَاتِلِهِ صكُّ الجنة!.

و عليه؛ فمن نافلة القول، التأكيد على أن تعطيل الردع القضائي، عند استئناف المحاكمة في حالة سراح، لصالح متهم في جريمة قتل، مشبوهة بالإغتيال السياسي. لسوف؛ تتمخض عنه ممارسة قضائية غير دستورية، لا و لن تتواءم مع الزمن القضائي الذي يتطلع إليه، دستور التحول الديمقراطي الكبير. بل؛ أن هذا التعطيل، قد ألحق بالغ الضرر بأحكام الفصـل 20. و الذي ينص على أن الحق في الحياة، لَهُو أول الحقوق لكل إنسان. و يحمي القانون هذا الحق.

لذا؛ فتماشيا مع النهج الدستوري القويم، المنبني على أولوية الحق في الحياة، و على أسِّ المساواة القضائية المنصفة. و اللذان قد قضتْ بهما أحكام الميثاق الأسمى للأمة المغربية العريقة. كما؛ تكريسا لمبدأ دولة الحق و القانون، من حيث أن جميع المواطنات و المواطنين، لَسَواسِية أمام القاعدة القانونية العامة و المجردة.

فقد جازت لي المُحاجَجةُ، بفلسفة النص الدستوري. إذْ؛ كيْفَ يُعقَل، أن يتَنعّم المتهم في جناية قتلٍ ذات دوافع سياسية و عقدية، و أن يتمتع بمحاكمة في حالة السراح. على الرغم؛ من وجود دليل الإثبات الجديد: شهادة الشاهد؟!. ثم؛ ما هي مدارس الفقه القضائي، التي قد ترضى بجَعلِ مُساهمٍ في جريمة قتل نفسٍ، ناتجة عن مشاجرة أيديولوجية، خارج دائرة التشديد القانوني؟!. أو بالدقيق الأدق؛ في منأى سياسوي عن المحاكمة في حالة الإعتقال؟!.

لا بل؛ من أين لنا توطيد الثقة في استقلالية القضاء، إن لم نعايش زمن الوثوق في المساواة القضائية؟!. فها أنتم؛ تعاينون كيف أن كبراء الحاضنة الحزبية لِفَتاوى الإغتيال السياسي. قد هددوا بعدم تسليم “أخيهم” لسلطة القضاء المستقلة. و ها أنتم؛ تطالعون البلاغات المقززة، التي تسعى بها العشيرة الحزبية للمتهم عبد العالي حامي الدين. و كذا مقالات إخوانهِ الحقوقيين، المحشوة بمعاني التهديدات الناقمة. و التي لا توحي، عدا بهرطقات الدمج الماكر للعديد من الملفات الرائجة، التي يعتبرونها مشابهة لحالة حامي الدين. ذلك؛ ضمن نسق إبتزازي واحد، قائم على تاكتيك الضغط الحقوقي المُسَيَّس. و الذي؛ يعد شكلا شنيعا من أشكال التأثير المرفوض، في استقلالية النظام القضائي الدستوري.

فَلَها نحن؛ نقرأ طالع الردع القضائي، إنما على أساس العهد الدستوري الوثيق. إذ؛ يحق لي المطالبة، بمحاكمة الجاني المدان إبتدائيا في حالة اعتقال. بعد أن أعادت المحاكمة الجديدة، فتح ملفات جريمة القتل الشنيعة، في سياق الزمن الدستوري الجديد. أي: بشكل قانوني أوسع، مما كانت المحاكمة عليه عند الزمن الدستوري، المحدد في بداية تسعينيات القرن الماضي. ذلك؛ من أجل تكريس قيم العدالة الجنائية، بين المواطنات و المواطنين في الحقوق كما الواجبات.

ختاما؛ أن الغاية الفضلى من محاكمة المتهمين بجناية القتل، في حالة الاعتقال السالب للحرية. لَهِيَ أولوية الحفاظ على سلامة الأحكام الدستورية، الضامنة لحق الإنسان في الحياة أولا. و كذا صيانة لأهداف الردع القضائي، من كل شوائب الإبتزاز السياسوي، أو تآلب الحمية الحزبية. و أيضا؛ قصد طي صفحة العنف الدموي التكفيري. بل؛ حتى لا تتكرر جرائمه السياسية، المنظمة و المركبة عند نهاية المطاف.

عبد المجيد موميروس
سَجَّاع، شاعر و كاتب الرأي
رئيس الإتحاد الجمعوي للشاوية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube