أخبار العربمستجدات

تونس: انتهاك الخصوصية كسلاح سياسي

أحمد رباص – حرة بريس

انطلقت حملة قصاص غوغائي ضد ثلاث قاضيات فصلهن قيس سعيد بتهمة ارتكاب جرائم جنسية. وانتشر اسم إحداهن ونتائج فحص الأعضاء التناسلية التي خضعت لها على مواقع التواصل الاجتماعي. 
“وصلت موجة الصدمة إلى درجة أن القضاة أنفسهم أدركوا خطورة هذه الفحوصات التي كانوا يأمرون بها. إنها تأتي بنتائج عكسية عليهم. لا أحد ينجو من هذا العار “، تستهجن بشرى بلحاج حميدة.


أقال رئيس الجمهورية قيس سعيد ، في الأول من يونيو ، 57 قاضيا. في خطبته اللاذعة الموجهة لهؤلاء القضاة، اتهمهم رئيس الجمهورية بارتكاب “جرائم” تمتد من الفساد وعرقلة العدالة إلى ما أسماه “الفساد الأخلاقي” و “التحرش الجنسي” و”التلبس بالجريمة في قضية أخلاقية”.
 واصفا قراره ب”التاريخي”، رمى قيس سعيد بقاضٍية أُقيلت بسبب فضيحة جنسية كفريسة لقصاص غوغائي. انتشر اسمها على وسائل التواصل الاجتماعي. والأسوأ من ذلك: على مدى أيام قليلة، تم إجراء فحص مهبلي أثناء التحقيق في حالتها من قبل الطبيب الشرعي، مع الإشارة إلى أنها “اعتادت على ربط علاقات جنسية مهبلية”، وانتشر على شبكة الإنترنت. 
أدت حملة القصاص الغوغائي التي استهدفت القاضية إلى انتفاض المجتمع المدني احتجاجا على انتهاك خصوصية الشخص المعني والممارسة المستمرة للفحوصات المهبلية التي يأمر بها نظام العدالة التونسي. وإذا كانت هذه القضية قد حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، يتم كل يوم تجاهل الكثير من مثيلاتها في صمت.

فحوصات العار

فحص المهبل إجراء شائع في قضايا الاغتصاب والزنا، بحسب المحامية والناشطة النسوية بشرى بالحاج حميدة لموقع “نواة” التونسي الفرنكوفوني.
“يُستخدم الاختبار المهبلي كشكل من أشكال الأدلة، وقد تم إنشاؤه من قبل القضاء. قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية هو الذي يأمر به للتحقيق في ملف” تستنكر بشرى.

بوصفها تنتمي للطاقم الطبي المطلوب لإجراء الفحص المهبلي، تتحدث الممرضة سناء (اسم مستعار) عن هذه الفحوصات على أنها “نصيبها اليومي”. تتم في حالات الاغتصاب والزنا والبغاء في بعض الأحيان.
“يقوم الطبيب الشرعي بفحص ما إذا كان الشخص المعني معتادا على ربط علاقات جنسية وتاريخ العلاقة الأخيرة. يمكن للشخص الذي تم استدعاؤه أن يرفض الخضوع لهذا الاختبار وتتم الإشارة إلى هذا الرفض في التقرير. ثم يستخدم كدليل ضده”، تخبرنا الممرضة.
وهذا ما يفسر سبب موافقة الكثيرين على الخضوع للاختبار. “كشفت قضية هذا القاضية أنه حتى أولئك اللائي يعرفن حقوقهن أكثر من غيرهن يرضخن في النهاية للموافقة على الخضوع لمثل هذا الفحص. ولا يتهربن كذلك من الضغط، لا سيما عندما يواجهن ضابط شرطة في غرفة الطبيب الشرعي”، تقول المحامية متأسفة.
“تذكر انتفاضة الذروع البشرية التي أثارتها قضية القاضية التونسية بالضجة التي أثارها اختبار الشرج من قبل. هذا الفحص لأنبوب المستقيم أمرت به العدالة أيضا كدليل في قضايا المثلية الجنسية. تواصل هذا الفحص، الذي يلاحقه المجتمع المدني”، تلاحظ بأسف بشرى بالحاج حميدة.  ومع ذلك، التزمت الدولة التونسية سنة 2017 بالتوقف عن اللجوء إلى هذه الممارسة.
“إذا كانت هذه الفحوصات الطبية مشروعة لإثبات حالات الاغتصاب ، فليس لها سبب لإجراء التحقيق في الحالات الأخرى التي تؤثر على الحياة الحميمة للناس”، تجادل الناشطة.

في نفس السنة السالفة الذكر، دعا المجلس الوطني لعمادة الأطباء في تونس أعضاء المهنة إلى التوقف عن إجراء فحص الشرج أو الأعضاء التناسلية في حالة عدم موافقة الشخص المراد فحصه. علاوة على ذلك، شدد على ضرورة الحفاظ على كرامة الأشخاص.

الأهمية السياسية للحميمية

تكشف قضية القاضية عن استمرار هذه الممارسات وتؤيد استعارة انقلاب السحر على الساحر؛ ذلك أن موجة الصدمة كانت هذه المرة شديدة الوقع على القضاة أنفسهم لدرجة أنهم “أصبحوا على دراية بخطورة هذه الاختبارات التي كانوا يأمرون بها. إنها تأتي بنتائج عكسية عليهم. لا أحد ينجو من هذا العار “، تؤكد المحامية.
الجديد في هذه القضية، في نظر المحامية، أن رئيس الجمهورية نفسه ذكر الزنا كسبب لإقالة القاضية، مؤكدة “أنها سابقة على درجة عالية من الخطورة”. ثم أوضحت أن الأمر يتعلق في الحقيقة بثلاثة قاضيات تمت إقالتهن لقضايا أخلاقية. وأكدت أن النساء الثلاث “في حالة مأساوية”. وهنا أشارت الناشطة النسوية إلى أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تدرس معهن سبل حمايتهن.


نددت  نيلة الزغلامي، رئيسة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، خلال مؤتمر صحفي انعقد في مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين “بجمهورية ثالثة تُبنى على حساب شرف المرأة”. وأشارت رئيسة النقابة إلى أن تلطيخ سمعة المرأة عملية استخدمت دائما في لي الذراع السياسية.
“حتى عندما يراد مهاجمة سياسي، تكون البداية بتلطيخ شرف النساء الأقرب إليه: زوجته وابنته ووالدته. هن دائما من يدفعن الثمن في مجتمع أبوي حتى التخاع” تقول ،نيلة زغلامي غاضبة.
لا يعود استخدام الفضائح الجنسية لتصفية المعارضين السياسيين إلى عهد قيس سعيد. “بل إنه سلاح عالمي كما تدل عليه الحالة الرمزية لبيل كلينتون”، يلاحظ فتحي بن الحاج يحيى، الشخصية اليسارية المعارضة لبن علي والمعتقل السياسي في عهد بورقيبة.
في مؤلفه الحامل لعنوان “La Gamelle et le Couffin” والذي يضم شذرات من تاريخ اليسار في زمن بورقيبة، يروي فتحي بن الحاج يحيى كيف استغل نظام بن علي الحياة الخاصة للمعارضين السياسيين للضغط عليهم.  تم استخدام الصور الحميمة لابتزاز العديد منهم. لائحة السياسيين المستهدفين بالصور الجنسية في ظل نظام بن علي طويلة، نذكر منهم عبد الفتاح مورو وعلي العريض وسهام بن سدرين، على سبيل المثال لا الحصر، إذا أردنا الاكتفاء بأسماء الحالات المعروفة.
كان اللجوء إلى النيل من سمعة المعارضين إجراء يطول السياسيين والسياسيات على حد سواء. وفي هذا الصدد يقول فتحي بن الحاج يحيى: “يبقى أن الأخيرات عانين أكثر من غيرهن في مجتمع أكثر تسامحا مع الرجال عندما يتعلق الأمر بالجنس خارج الزواج”.
كانت جرائد الصرف الصحي مكلفة في ظل النظام القديم بالكتابة عن التورط المزعوم لمعارضين في فضائح جنسية. لكن هذا العمل القذر لم يقف عند حدود الطبع والنشر، وإنما تخطاه إلى أن أصبح من اختصاص الشرطة التي قامت بدورها في هذه الحملات. 
تتذكر بشرى بلحاج حميدة اليوم الذي اعتقلت فيه شرطة بن علي الناشطة سهير بلحسن في المطار، حيث وصفتها بـ “الخائنة” و “العاهرة”. 
في ذلك الوقت، أصدرت الرابطة بيان دعم زعمت فيه أنهن “جميعهن خائنات وعاهرات”. 
هذه الهجمات على المعارضين لم تكن معروفة لعامة الناس. كانت محصورة في النطاق النضالي الضيق. مع الشبكات الاجتماعية، “أخذت منعطفاً أكثر ضرراً”، كما تلاحظ الناشطة النسوية. 
“هؤلاء النساء معروفات الآن للجميع ويمكن أن يتعرضن لتهديدات مختلفة. ورئيس الجمهورية هو الذي سمح بذلك رسميا وعلنيًا.
نفس القلق يتقاسمه فتحي بن الحاج يحيى الذي يتساءل عن علاقة رئيس الجمهورية بالشرطة في تجميع هذه الملفات: “لا نعرف ما إذا كان هو الذي يعتمد على المعلومات البوليسية أم أنه رهينة لها”.
 على أية حال، الرجال، وخاصة النساء، هم من يدفعون الثمن الباهظ، يظلون إلى الأبد يجرون وراءهم عواقب مثل هذه القضايا على حياتهم الخاصة والعامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube