فضاء الأكادميينمستجدات

جيهان خليفة تكتب: إشكالية النص … وطموح التجديد فى فكر محمد أركون 2-3

جيهان خليفة 

يقول الدكتور كيحل مصطفى ” إن الطريق إلى تحديث الفكر الإسلامى المعاصر والثقافة العربية يمر عبر علوم الإنسان والمجتمع كما تشكلت فى الغرب ومن خلال الطفرات المعرفية والثورات الإبستمولوجية التى أحدثتها فى حقول علمية مختلفة فالمفاهيم والتصورات والمناهج التى ارتبطت بعلوم الإنسان والمجتمع هى الأدوات الإجرائية فى كل قراءة جديدة للفكر الإسلامى ” [1]

كنا قد عرفنا فى مقالنا السابق أن الإسلاميات التطبيقية هى ممارسة النقد أى الحفر فى بنية المقدس لتعرية كل ماشابه من مسلمات معرفية إختلط بها الأسطورى والتاريخى وبإتباع أركون للمنهجية التاريخية جعله ذلك يضع العقل الإسلامى داخل الفكر الإسلامى  فى حد ذاته وليس خارجه مما جعله يميز لحظات تاريخية لتشكل القرآن لذلك فهو يميز بين الظاهرة الدينية والظاهرة الإسلامية وبين القرآن الشفهى فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن المكتوب بعد وفاة النبى 0

مفهوم النص الدينى عند محمد أركون 

يتضمن النص الدينى عند محمد أركون جميع النصوص الدينية واليهودية والمسيحية والإسلام وينقسم النص الدينى عند علماء المسلمين إلى قسمين هما الوحى الذى ينقسم بدورة إلى القرآن والسنة التى تمثل إجتهادات الفقهاء فى مختلف العلوم الإسلامية ،  فى ذلك يقول الباحث محمدى محمد فى دراسته ” أركون يميز بين نوعين من النص الدينى فهناك نص تأسيسى ونص فرعى أوثانوى ، النص التأسيسى يتمثل فى النصوص الدينية الكبرى ” التوراة والإنجيل والقرآن ” هذه النصوص تتضمن المعنى الأول والأصلى الذى يعلو كل مناقشة إنه مطلق ولا يمس إلا من قبل الفقهاء فهم القادرون على فهم النصوص التأسيسة ل”القرآن والحديث ” هم وحدهم من يعرفون تأويلة حسب الأنظمة  اللاهوتية أى يعتقدون أنهم وحدهم القادرون على فهم المعنى الأولى للنص الدينى ومن ثم تأويله وإستخراج المعنى الصحيح منه وإبراز الأوامر والنواهى التى تصوغ حياتنا ، ولكن أركون يرفض التفسير الأحادى للقرآن والدعوة إلى الإلتزام به من غير نقد أو مناقشة لأن القرآن من وجهة نظر أركون خطاب مجازى رمزى لا يمكن اختزاله إلى معنى واحد وتحويله إلى قوانين ثابتة وجامدة ” .. حيث يقول أركون ” يجهلون إذ يفعلون ذلك أنهم يقلبون معنى الوحى ويجمدونه فى حين أنه فوار بالمعنى غزيرمجازى . 

الظاهرة الدينية والظاهرة الإسلامية فى فكرأ ركون 

ميز أركون بين ما يسميه الظاهرة الدينية والظاهرة الإسلامية تماما كما حدث فى أوروبا مع التوراة والإنجيل ، لا شك إن تميز أركون بين الظاهرة الدينية والظاهرة الإسلامية يأتى نتيجة تأثره بالفكر الغربى الذى ميز بين التوراة واليهودية وبين الإنجيل والمسيحية .. يقول أركون ” إن الظاهرة الدينية هى مجمل السمات المميزة التى تتيح لنا أن نقبض على خصوصية الذروة الدينية بالقياس إلى الذروة السياسة والذروة الإقتصادية والذروة القانونية والذروة الأخلاقية ” 0[2] ص222 

ويرى أركون أن الذروة الدينية العليا تمثل برج مراقبة وضبط يمثلها فى الإسلام المفتى والدعاه أم فى المسيحية يمثلها الفاتيكان . 

أركون فى مشروعه يرى أن الظاهرة الدينية لها خصائص أولها نظام اللغة الدينية إذ يقول ” الدين ينبثق ويتطور وينتقل للناس ويعاد تنشيطه عن طريق الذاكرة الشفهية أو الكتابية أو الإثنين معا ” . [3] ص 283

ومن ثم لابد من استكشاف التعبيرات اللغوية والسميائية الدلالية والإشارات الحركية لهذه الذاكرة لكى يتم التوصيل الى السلالات التى تشكل التراث الحى .

يستطرد أركون قائلا فى كتابه الفكر الأصولى وإستحالة التأصيل ” إن الحقيقة الدينية معاشة على هيئة التصديق الكامل بعقائد ولا عقائد مسجلة فى النص الرسمى المغلق ومنقولة عن طريقه ومكررة من خلاله ” .. فأركون يرى أن التنافس بين الدين والسياسة والمجتمع على إعادة تقييم المعنى وتسيير المجتمع لذلك هدف أركون من دراستها هو إخضاعها لإعادة التقييم والنقد حيث يرى أن الظاهرة الدينية تاريخية تخضع للتاريخ وليست فوقه أى أنها تخضع لتغيرات السياسية والإجتماعية والثقافية وهى تتغير بتغيرها لذلك وكما يرى أركون ينبغى دراسة الوحى دراسة تاريخية . 

الظاهرة الإسلامية لا يمكن فصلها عن ممارسات السلطة السياسية 

أما عن الظاهرة الإسلامية أو الحدث الإسلامى فكما يرى أركون أن هناك عوامل أخرى تؤثر فى المجتمعات وليس الدين فقط الإسلام ليس وحده العامل المؤثر إنما هناك عوامل أخرى كالعقائد القديمة السابقة التى تختلف من مجتمع إلى أخر مشيرا أن أندونيسيا مثلا مجتمع إسلامى ولكن الإسلام فى أندونيسيا ليس هو نفسه الإسلام الإيرانى أو الإسلام الباكستانى حيث توجد إختلافات من مجتمع لأخر مشيرا أنه حتى فى الإسلام العربى توجد فوارق لها جذور قديمة . 

يرى أركون أن الظاهرة الإسلامية تختلف عن الإسلام فالظاهرة الإسلامية مثلها مثل الظاهرة المسيحية واليهودية لا يمكن فصلها عن السلطة السياسية وممارستها فالسلطة السياسية تستغل البعد الروحى لصالحها لذلك فأركون يرى أن الظاهرة الإسلامية منفصلة عن الإسلام .

يستخدم أركون مصطلح الحدث الإسلامى بدلا من الإسلام ليوضح مدى تجذر الإسلام فى التاريخية وانه ليس مفهوم مجرد خارج الزمان والمكان معنى ذلك ان الإسلام قابل لوضعه تحت مجهر الدراسة التاريخية وإنزاله من التعالى إلى الدراسة الميدانية المعاصرة داخل  العلوم الإنسانية والإجتماعية . 

يقول أركون فى كتابه الإسلام أوروبا الغرب  :” أن مفهوم الحدث الإسلامى يبين كيفية إحتكار رجال الدين لأول مرة من الأمويين ثم إزداد هذا الإحتكار فيما بعد ثم أصبحت الزوايا الدينية أو الروابط الصوفية التى انتشرت فى كل الأمكنة البعيدة التى تستعصى على سيطرة السلطة المركزية أصبح هذان الشيئان يمثلان الخصيصتين العظيمتين للحدث الإسلامى بدءا من القرن الثالث عشر على الأقل ” [4 ] ص12

من ذلك يوضح أركون أن الإسلام كحدث قد تعرض للكثير من التحول التاريخى عبر القرون فهو مرتبط بظروف تاريخية يتأثر بها ويؤثر فيها . 

يبرر أركون  إستخدامه لمصطلح الظاهرة الإسلامية إذ يقول : ” إن مصطلح الظاهرة الإسلامية يتيح لنا أن ندرس بشكل تاريخى وتساؤلى “نقدى” دينا معينا هو الإسلام إنه يتيح لنا أن ندرسه فى أصله ومنشأه وتحدياته ومقولاته وتوسعه ووظائفه كل هذه الأشياء تغيرت مع مرور الزمن ”  [5] ص16

لذلك وكما يرى الباحث محمدى محمد أن إستخدام أركون مصطلحى الحدث الإسلامى والحدث القرآنى من أجل وضعها على مسافة نقدية كافية خاصة فيما يتعلق بتلك الظواهر والتراكمات التى لحقت بهما بمرور الزمن وهوعمل يتطلب المرور بعصور تشكلهما من أجل الوصول إلى المعنى الأصلى فى طزاجته الأولى . 

وبحسب أركون فإن الظاهرة القرآنية تتميزعن الظاهرة الإسلامية بواسطة الشروط اللغوية والسيميائية والتاريخية لنشأتها يدل ذلك على أن الظاهرة الإسلامية لا يمكن فصلها عن ممارسات السلطة السياسية أما الظاهرة القرآنية فهى تتميز بواسطة الشروط اللغوية والسيميائية والتاريخية وغيرها فى ذلك دليل على أن هناك مسافة نقدية بين الحدث القرآنى فى القرن السابع الميلادى والحدث الإسلامى الذى تشكل فيما بعد . 

إشكالية الإله عند محمد أركون 

نزعة الأنسنة عند محمد أركون نزعة إيمانية تعيب على إنسانوية الغرب الملحدة ولكن أى إيمان يرموا إليه أركون يقول الدكتور مصطفى الحسن ” إن مآلات إيمان أركون هى ذات مآلات الإيمان الإغريقى فالحقيقة عنده نسبيه والإنسان ظاهرة لا أكثر والنسك أومايسميها الطقوس هامشية لكنه ينفى عن نفسه وحدة الوجود ” . [6] ص 107 

فى ذلك يقول أركون ” نلاحظ أن الأديان والأنظمة الميتافيزيقية المثالية التى تعاقبت على تاريخ البشرية كانت تصور هذه الحقيقة وكأنها أزلية جواهرانية فريدة من نوعها مقدسة متعالية نهائية إلهية هكذا صوروا لنا الحقيقة وهكذا طبعوها فى أذهاننا ورسخوها بصفتها مطلقة .. ويسطترد قائلا ” لكن المفكر النقدى ينظر إلى الحقيقة بشكل مختلف .. الحقيقة بالنسبة له هى مجموعة آثار المعنى التى يسمح بها لكل ذات فردية أو جماعية نظام الدلالات الإيحائية المستخدمة فى لغته إنها مجمل التصورات المختزنة من قبل التراث الحى للجماعة القبلية أو للطائفة الدينية أو للأمة ، فكل أمة أو طائفة تعتبر تراثها بمثابة الحقيقة المطلقة ، إن الحقيقة ليست جوهرا ثابتا إنما هى تركيب أو آثر ناتج عن تركيب لفظى أو معنوى قد ينهار لاحقا لكى يحل محله تركيب جديد أى حقيقة جديدة ، فالحقائق تنهار وتموت بحسب التصور الإبستمولوجى الحديث ، الحقائق ليست أبدية أو خالدة كما يتصور الاهوت القديم أو الميتافيزيقيا المثالية ” . [7] ص 108

لنقف هنا لنرى فى مقالنا القادم كيف نقد أركون منهجية التفسير الإسلامى الكلاسيكى التى تربط كل آية أو جملة آيات بأسباب نزول وكيف يصفها بأنها عملية أسطورية ولنتناول تفكيكة لسورة التوبة والفاتحة من خلال طرحه للسؤال الذى مازال غائب عن فكرنا حتى الآن كيف نقرأ القرآن الآن  . 

مصادر 

  1. كتاب الدكتور كيحل مصطفى ، الأنسنة والتأويل فى فكر محمد أركون ، دار الأمان ، الرباط 

2- كتاب محمد أركون الفكر الأصولى وإستحالة التأصيل ص222

3- نفس المصدر السابق ص283

4- كتاب محمد أركون الإسلام أوربا الغرب ص12

5- نفس المصدر السابق ص 16

6- كتاب الدكتور مصطفى الحسن ، الدين والنص والحقيقة ،قراءة تحليلية فى فكر محمد أركون ، صادرة عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بيروت لبنان ص107

7- نفس المصدر السابق ص108

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube