ثقافة وفنونمستجدات

لجنة دعم تنظيم المهرجانات السينمائية.. كيف سمح رئيسها وأعضاؤها لأنفسهم باغتيال مهرجان السينما والفلسفة بفاس؟

أحمد رباص – حرة بريس

تحت إشراف المركز السينمائي المغربي الكائن مقره بالرباط، تأسست لجنة دعم تنظيم المهرجانات السينمائية ترأسها إدريس اليزمي وتشكل أعضاؤها من السعدية العطاوي وسابرينا كاميلي وعلي بنزكري والغالي اكريمش وعبد الحق أفندي وطارق خلامي.
وإذا علمنا أن اللجنة إياها، أعلنت في دورتها الأولى برسم العام الجاري، عن دعم، 14 مهرجانا وتظاهرة بمبلغ 6.170.000 درهم بعدما درست 16 ملف طلب مرشحا للدعم، فقد أعلنت اليوم الأربعاء، في إطار دورة يوليوز الثانية، عن دعم 54 مهرجانا وتظاهرة بمبلغ مالي يقدر بحوالي 2.7 مليار سنتيم. .
استحوذ المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته التاسعة عشر، على حصة الأسد من الدعم المذكور حيث حصل على 1.1 مليار سنتيم، فيما تم توزيع 1.6 مليار سنتيم على 53 مهرجانا منها المهرجان الوطني للفيلم بطنجة الذي حصل على دعم مالي يقدر بـ6 ملايين درهم.
بلغت القيمة المالية التي تم منحها للمهرجان الدولي لفيلم المرأة في دورته الخامسة عشر  (1.155 ألف درهم)، فيما حصل مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف على مبلغ مالي يقدر بـ(1.500 ألف درهم).
وأشار بلاغ صادر عن المركز السينمائي المغربي إلى أن لجنة دعم تنظيم المهرجانات السينمائية، درست اللجنة، حسب بلاغ صادر عنها 66 ملف طلب ترشيح للدعم قدمه منظمو المهرجانات والتظاهرات الذين عرضوا مشاريعهم أمام اللجنة طيلة الفترة الممتدة من 26 يوليوز إلى 2 غشت 2022.
إلا أن ما يعاب على هذه اللجنة هو تلك “الحكرة” التي تعاملت بها مع مهرجان “أغورا” للسينما والفلسفة بفاس في دورته السابعة، حيث خصصت له كدعم مبلغ خمسة ملايين سنتيم فقط.
وإذ تتعامل اللجنة بهذا الشح الهالع مع مهرجان أغورا للسينما والفلسفة، فقد برهنت عن تجاهلها لما قاله في حقه السيد محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة الأسبق، من كونه مكسبا لمجموع الفضاء المتوسطي والدولي بفضل ما راكمه من ابحاث ومقاربات خلال دوراته وندواته ونوعية المشاركين في فعالياته من داخل المغرب وخارجه، وبفضل دفاعه الرصين عن مزايا العقلانية وقدرتها على الفعل البناء في الواقع التاريخي والاجتماعي والسياسي والثقافي.
بتخصيصها ذلك المبلغ الهزيل لمهرجان السينما والفلسفة بفاس، لم تستحضر لجنة اليزمي ومن معه مقترح اليوم العالمي للفلسفة الذي تقدمت به جمعية أصدقاء الفلسفة المنظمة للمهرجان المغضوب عليه ظلما وعدوانا، لدى منظمة اليونسكو التي وافقت على إقراره مشكورة.
ولا يسع حماة التنوير ببلادنا، والشعور بالغبن يلازمهم، إلا أن يتوجهوا لرئيس اللجنة وأعضائها باسئلة من قبيل: هل انتم على يقين بأنكم قمتم بواجبكم، ام انكم دمرتم السينما والفلسفة معا؟ كيف سمحتم لأنفسكم بإحباط أحسن مهرجان سينمائي بالمغرب؟ كيف سولت لكم أنفسكم بدعم مهرجانات سينمائية تافهة، وقمتم في المقابل باغتيال مهرجان السينما والفلسفة؟
لا شك أن اللجنة لم تعر بالا للبرنامج الفني للمهرجان المغبون الذي رفع شعار “التفكير في السينما وعيش الفلسفة” ودعا إلى الاحتفال بالفيلسوف المعمر إدغار موران. وكل ذلك يدل على رغبة أكيدة في بناء الفكر العقلاني وليس في نشر وتكريس الخرافات والأساطير.
من المؤسف حقا إجهاض هذا الأمل، وهو إجهاض في نفس الوقت للمغرب العقلاني وإنعاش لسينما البؤس والتفاهة.
إنكم بذلك، سيادة الرئيس، تقبرون السينما المغربية وتدمرون الفلسفة كمجال للتفكير العقلاني الحر. وهكذا نكون أمام أسئلة إضافية أخرى: ما الذي تريده هذه اللجنة من دعم المهرجانات السينمائية؟ هل تسعى إلى تكريس النمطية والدغمائية والتفاهة من خلال دعمها لمهرجانات عمرها ثلاثون سنة دون إضافة نوعية جديدة، مكتفية بتكرار ذاتها؟ أم اننا في حضرة ريع سياسي باعث على الاستغراب؟ هل السينما في حاجة إلى من يدعمها ام إلى من يقتلها؟ وما الذي تريده هذه اللجنة من خلال إظهار حقدها على الفلسفة؟ هل هي لجنة تنتمي إلى العصور الوسطى؟ هل هي تقتفي أثر الفقهاء في عهد المرابطين والموحدين الذين دعوا إلى نبذ ابن رشد في العراء وإحراق كتبه؟
في الواقع، نتأسف في هذه اللحظة على كراهية الفكر وهدم الفن ما سرع بظهور نظام التفاهة، خاصة وأن المهرجانات المدللة والمحظوظة لم تعد تقدم السينما، بل أصبحت تعرض المأساة. بل تحول متعهدوها إلى مموني حفلات يؤدون الإكراميات والعلاوات إلى أعضاء هذه اللجنة، حيث اصبح الأمر مفضوحا ومكشوفا، وأصبحت الفلسفة والسينما كلتاهما في خطر. فهل أصبحنا أمام جثتين تم تأجيل دفنهما؟ وهل هذه اللجنة هي التي ستقوم بمراسم الدفن؟ لا سيما ونحن أمام لجنة تحتفي بمهرجانات تافهة وتدمر أخرى ذات رؤية عميقة.
نستغرب أيما استغراب مما أقدمت عليه اللجنة من تهميش لمهرجان السينما والفلسفة مع العلم بأنه يستحضر خيرة المخرجين السينمائيين والنقاد والمفكرين من حوض البحر الأبيض المتوسط، ويقوم بخلق علاقات بين مهرجانات سينمائية تنشر إشعاعا متميزا على فضاء البحر الأبيض الواصل بين أوربا وإفريقيا، دليلنا على ذلك أن مهرجاننا، الذي تعاملت معه اللجنة كما لو كان يتيما في مأدبة اللئام، قام ببناء شراكة مع مهرجان بيتزا الإيطالي ومهرجاني لييج وبروكسيل البلجيكيين ومهرجان لشبونة البرتغالي ومهرجان برلشلونة الأندلسي ومهرجان مارسيليا الفرنسي، واللائحة طويلة…
ولعل أعضاء اللجنة قد يدركون فداحة صنيعهم لو علموا أن من الأهداف السامية التي يسعى مهرجان السينما والفلسفة إلى تحقيقها تأسيس المعهد المغربي للسينما على أنقاض سينما البطحاء وإنشاء مكتبات سينمائية في كل مكتبة من مكتبات الأحياء.
ولا يسعنا إلا أن ندين هذا الفعل الشنيع الذي لا يشرف لا السينما ولا الفلسفة في المغرب، بل يعطي صورة سيئة عن بلادنا. ولذلك نخبر اللجنة بأننا بعثنا برسالة إلى كل المشاركين في الدورة السابعة نعتذر لهم فيها عن عدم توجيه الدعوة إليهم بالحضور لأن الدعم، كل الدعم، أخذته المهرجانات التافهة، وسوف ننظم مهرجانا صغيرا حقيرا يليق بمستوى اللجنة كما أرادته، لأنها لا تفكر في مستقبل المغرب، وسوف نشكر أعضاءها على ما بذلوه من جهد لإطفاء جذوة الأمل وعلى هدم صرحي الفلسفة والسينما وتدمير المستقبل. نحن من سيقاتلون من أجل المستقبل وحماية المال العام وسنذبح عنق الريع من الوريد إلى الوريد.
وخير ما نختم به هذه المرافعة/المناحة تعليق لأحد عشاق المهرجان:
“في اعتقادي لايمكن للجنة واحدة ان تفصل بين مبادرات الدولة أي مبادرات وزارة الثقافة التي تقدمها عبر المركز السينمائي المغربي، و مبادرات المؤسسات الفكرية والحقوقية و الثقافية، ولا يمكن ثانية، للجنة واحدة ان تفصل بين مشاريع تخدم السينما في حد ذاتها، و مشاريع تجعل من السينما رافعة للتعريف بالقضايا التي تشتغل عليها.
و ثالثا، لا يمكن ان يكون بالبلد مليون مهرجان سينمائي، 99,99 منها بدون هوية، و لا قضايا ترافع عنها، لأن المهرجان السينمائي قبل أن يكون لقاءا لمشاهدة الافلام فهو مجال للترافع عن القضايا العادلة، و لا سيما قضايا الامة، دون السقوط في التسييس الفج للسينما..”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube