أخبار دوليةمستجدات

ماكرون في جولته الإفريقية.. واجه مخاطر بالكاميرون وفي بنين نعت روسيا ب”آخر قوة إمبريالية استعمارية”

أحمد رباص – حرة بريس

خضعت أفعال وإيماءات رئيس الدولة الفرنسي للتدقيق بشكل خاص في الكاميرون التي قام بزيارتها لأول مرة منذ انتخابه في عام 2017.
في تمام الساعة 10:40 من ليلة الاثنين 26 يوليوز بالتوقيت المحلي، هبطت الطائرة الرئاسية على مدرج مطار ياوندي الدولي، معلنة وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول زيارة له إلى الكاميرون وإفريقيا الوسطى، بهدف إحياء العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، التي فقدت زخمها، في سياق يتزايد فيه التساؤل عن وجود فرنسا في مستعمراتها السابقة.
جدول أعمال وفير في انتظار لزعيم الفرنسي: من الأمن في خليج غينيا إلى القتال ضد بوكو حرام مرورا بالصراع المندلع في الشمال الغربي والجنوب الغربي لأكثر من خمس سنوات بين الجماعات الانفصالية المسلحة والقوات النظامية وصولا إلى الاقتصاد. والملاحظا أن هذا البرنامج مختلف تماما عن برنامج سلفه، فرانسوا هولاند، الذي قام بزيارة خاطفة إلى البلاد في عام 2015.
مستحضرا في باله خلافة بول بيا، أجرى إيمانويل ماكرون مقابلة صباح الثلاثاء قبل مأدبة غداء مع بول بيا وزوجته شانتال في القصر الرئاسي. شكلت مقابلة ماكرون مع نظيره بول بيا، البالغ من العمر89 عاما، والذي حكم الكاميرون بقبضة من حديد لما يقرب من أربعين عاما، فرصة لمناقشة جميع المواضيع، حتى تلك المزعجة منها. وكان إيمانويل ماكرون قد أثار استياء السلطة بإعلانه في عام 2020، بعد تنبيه من أحد المعارضين، أنه “مارس ضغوطا على بول بيا” بشأن العنف “الذي لا يغتفر” في هذه المناطق.
في الحقيقة، خلافة بول بيا غير حاضرة في ذهن ماكرون وحده، بل حاضرة في أذهان الجميع. فرغم تدهور حالته الصحية بشكل واضح في السنوات الأخيرة، يواصل بول بيا إعطاء الانطباع بأنه يدير البلاد بمفرده، والمؤكد أنه يعتمد على دائرة صغيرة جدا، ولكنه يعين أعضاءها كما يشاء ويستبعدهم بلا رحمة. شوهت سمعة المحظوظودين منهم، وسجن الآخرون.
ظل ممسكا بزمام السلطة منذ عام 1982، ولم يظهر علنا إلا لفترة وجيزة، وكان يلاحظ عليه بوضوح الترنح خلال تحركاته، وسمعه الجميع يلقي خطابات مسجلة نادرة بشق الأنفس. منذ ذلك الحين، انتشرت الشائعات بانتظام حول وفاة أو احتضار بول بيا، الذي لم ينف ذلك ولو مرة واحدة بواسطة مقطع فيديو أو صورة، بينما يعتبر الحديث عن خلافته من المحرمات، حتى بالنسبة لأولئك المقربين منه. لم يجرؤ أحد على الخروج من الأجمة، ولم يعبر، على الأقل علنا، عن أدنى نية.
لا شك في أن المرشح الذي سيروق لحزب الحركة الديمقراطية للشعب الكاميروني القوي سيُنتخب سبع مرات، كما تم انتخاب بول بيا، سبع مرات دون إطلاق رصاصة واحدة إيذانا بقبول حزب الحركة الديمقراطية…
في هذا السياق، قال المحلل السياسي جاك ابويا لوكالة فرانس برس ان “المعارضة ليست متحدة وصلبة بما فيه الكفاية للسعي بجدية الى القضاء الأعلى”. من ناحية أخرى، يحذر حزب الحركة الديمقراطية للشعب الكاميروني، على لسان زميل ابويا لويسون إيسومبا، من “خطر الانقسام إلى عدة فصائل عند وفاة الرئيس” والانقسام بين الطامعين في خلافته.
أخطرهم الأمين العام لرئاسة الجمهورية، فرديناند نجوه نجوه، المعروف بأنه قريب من السيدة الأولى المؤثرة للغاية شانتال بيا. يمارس بحكم الأمر الواقع عن طريق التفويض جزء كبيرا من السلطة التنفيذية بعدما وضع بيادقه في أعلى الإدارة.
قمع بول بيا بلا رحمة، خاصة منذ إعادة انتخابه المتنازع عليها بشدة في عام 2018، كل رأي معارض مع الاعتقالات والإدانات الشديدة لمئات من الأطر والنشطاء المعارضين في أعقاب المسيرات السلمية المنظمة عام 2020. وحُكم على الأشخاص بالسجن بسنة إلى سبع سنوات بتهمة “التمرد”.
في المقابل، اتهمت منظمة العفو الدولية في يناير الماضي الحكومة بـ “تعذيب” بعضهم. في الآونة الأخيرة، عاتبته وانتقدته الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والعواصم الغربية، من بينها باريس، على اعتداءاته المتكررة على حقوق الإنسان المتكررة بواسطة قوات الأمن والعدالة، ومع ذلك لم يتعض بول بيا من تلك الانتقادات.
موضوع آخر يثير قلق المعارضة هو موضوع الفترة الاستعمارية. “لدينا نزاع تاريخي مع فرنسا. ليس وصول ماكرون هو الذي يثير المشكلة. نحن نغتنم الفرصة لتوعية الكاميرونيين بشأن المشكلة مع فرنسا، من خلال عرض جميع جرائم فرنسا على الطاولة وتسويتها بشكل نهائي إذا أردنا أن تكون لدينا علاقة سلمية”، يقول بيديمو كوه عضو الحركة الأفريقية من أجل الاستقلال الجديد والديمقراطية، خلال مؤتمر صحفي في دوالا.
بعد هزيمة ألمانيا في عام 1918، عهدت عصبة الأمم (سلف الأمم المتحدة) بمعظم مستعمرة الكاميرون الألمانية إلى وصاية فرنسا والباقي – الجزء الغربي المتاخم لنيجيريا – لبريطانيا العظمى. قبل استقلال البلاد في عام 1960، قمعت السلطات الفرنسية بشكل دموي “مآوي” اتحاد سكان الكاميرون، وهو حزب قومي تأسس في أواخر الأربعينيات وشارك في الكفاح المسلح ضد المستعمر وحلفائه الكاميرونيين، على وجه الخصوص.
في بلدة باميلك. قُتل عشرات الآلاف من النشطاء المؤيدين لاتحاد الوطنيين الكونغوليين، بمن فيهم زعيم الاستقلال روبن أم نيوبي، أولاً على يد الجيش الفرنسي، ثم بعد الاستقلال على يد الجيش الكاميروني المؤيد لنظام أحمدو أهيدجو.

خلال مؤتمر صحفي، دعا فالنتين دونغمو، وهو أيضا عضو في الحركة الإفريقية من أجل الاستقلال الجديد والديمقراطية، رئيس الدولة الفرنسية إلى “الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية كما شرعت في ذلك بالنسبة للجزائر”.
وعلى صعيد التعاون الثنائي، تأتي زيارة الرئيس الفرنسي في وقت تشهد فيه فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، تآكل نفوذها، لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتجاري، في مواجهة الصين والهند وألمانيا وروسيا.
تمثل الشركات الفرنسية الآن حوالي 10 ٪ فقط من الاقتصاد مقارنة بـ 40 ٪ في التسعينيات. وتجدر الإشارة إلى أنه رغم وفرة الموارد الطبيعية (النفط، الخشب، المعادن، القطن، إلخ..)، ظل الكاميرون في حالة ركود وجرى تصنيفه في فئة البلدان المتوسطة الدخل من قبل البنك الدولي.
لم يذهب اقتصاد الكاميرون إلى حد بعيد بالنظر إلى مستوى إمكاناته. فبعد أربعة عقود من الوعود التي وعدت بها سلطة متهمة بالفساد وسوء الإدارة، احتلت البلاد المرتبة 144 من أصل 180 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية وفشلت في جذب استثمارات كافية، وخاصة الاستثمار الأجنبي، وفقًا للبنك الدولي. يعيش ثلث سكان الكاميرون البالغ عددهم 28 مليون نسمة على أقل من 2 يورو في اليوم ومعدل الفقر يقارب 40 ٪، وفقا للأمم المتحدة. 10 ٪ فقط من النشيطين يعملون في القطاع المهيكل.
في هذا السياق، تحولت الدولة الواقعة في وسط إفريقيا إلى شركاء آخرين في السنوات الأخيرة، حيث وقع وزير الدفاع الروسي في أبريل اتفاقية تعاون عسكري مدتها خمس سنوات مع الكاميرون.
كما شكلت هذه الزيارة أيضا فرصة للرئيس ماكرون لتسليط الضوء على الشباب في أعقاب القمة الأفريقية الفرنسية في مونبلييه. يرافقه عدد من الوزراء بمن فيهم كاثرين كولونا (الشؤون الخارجية)، والتقي ممثلين عن الشباب والمجتمع المدني. وسينهي اليوم في “قرية نوح” ، الذي يستضيفه بطل التنس السابق يانيك نوح، الذي يعمل على تطوير مركز ترفيهي وتعليمي في منطقة شعبية في ياوندي، دأب على الإقامة فيها لعدة أشهر في السنة.
ومن بنين، اتهم إيمانويل ماكرون روسيا بأنها “واحدة من آخر القوى الإمبريالية الاستعمارية”
في جولة إفريقية موازية لتلك التي قام بها رئيس الدبلوماسية الروسية، اتهم الرئيس الفرنسي فلاديمير بوتين بشن “حرب إمبريالية قارية ضد أوكرانيا”.
وهاجم  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روسيا يوم الأربعاء 27 يوليوز من بنين قائلا: “شنت روسيا هجوما على أوكرانيا، إنها حرب إقليمية اعتقدنا أنها اختفت من الأراضي الأوروبية، إنها حرب من بداية القرن العشرين، بل القرن التاسع عشر. أنا أتحدث عن قارة (إفريقيا) عانت من الإمبريالية الاستعمارية”. ذلك ما قاله شاجبا خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البنيني، باتريس تالون، في كوتونو.
بالنسبة لرئيس الدولة الفرنسية، “روسيا واحدة من آخر القوى الاستعمارية الإمبريالية” انطلاقا من قرارها “غزو دولة مجاورة للدفاع عن مصالحها هناك”. 
بالنسبة للرئيس الفرنسي دائما، الذي يقوم بجولة أفريقية تزامنت مع جولة مماثلة لرئيس الدبلوماسية الروسية سيرجي لافروف، “بدأت روسيا نوعا جديدا من الحرب العالمية الهجينة” .
أشار إيمانويل ماكرون إلى “ابتزاز” موسكو، وصرح بأن روسيا “قررت أن المعلومة والطاقة والغذاء هي أدوات عسكرية توضع في خدمة حرب إمبريالية قارية ضد أوكرانيا” .
ووفقًا له، فإن الروس هم من يخلقون “الاختلالات على الرغم من كل الجولات الدبلوماسية والمعلومات المضللة التي يقومون بها حول العالم”، وروسيا هي “واحدة من الدول التي تستخدم، بأكبر قدر من القوة، أدوات البروبغاندا”، ولا سيما عبر القناتين التلفزيونيتين (روسيا اليوم) و(سبوتنيك).
وندد رئيس الدولة مرة أخرى بـمحاولة الروس “ابتزاز” موسكو العالم بالطعام، “لأنهم هم من منعوا الحبوب في أوكرانيا” وكذلك بشأن الطاقة مع الأوروبيين. وأضاف: “أعتقد أنه من الحكمة ألا يعرض الأوروبيون أنفسهم لهذه الاستراتيجيات، لأنها أحد عناصر هذه الحرب الهجينة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube