ديانات وعقائدسياسةمستجدات

الوعظ تحت غطاء حرية التعبير …إيذاء للمجتمع

بقلم: عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

كثرت الأقاويل و كثر اللغط حول ما يعرضه التلفزيون المغربي من مسلسل تلفزيوني تم إنتاجه بجودة عالية وتشخيص من ممثلين حرفيين وسيناريو قريب جدًا من الحياة اليومية المغربية. فكان تدخل أحد دعاة الدين وانتقاده للعمل الفني بمثابة فتوى كان من المفترض إصدارها من الهيئات المعنية بالأمر ان لزم الأمر ذلك. فلا حاجة لي أن اناقش في أمر ليس من اختصاصي، لكن يبقى هذا رأيي الخاص والذي تنطوي عليه نيتي في الموضوع.
ولكي أحيطكم قرائي الأعزاء برأيي، وجب التذكير بأن الدين الإسلامي أكثر الشرائع التوحيدية اعتدالاً في العالم من جعل خير الأمور أوسطها. وعلى هذا المبدأ كان بالأحرى على من أصدر فتواه أن يأخذ بمشورة المجلس العلمي الذي ينتمي اليه أو طلب التماس، من أجل إصدار فتوى، للمجلس العلمي الأعلى المخول الوحيد كجهاز وصي على أمور الدين بمملكتنا الشريفة. وفي غياب ذلك، أجد نفسي مضطرا لإدانة و بشدة تلك الآراء حتى وإن أصدرت من طرف عالم دين محبوب من فئة واسعة من شباب الدارالبيضاء. وكما نعلم جميعا أن التليفزيون المغربي مؤسسة يحكمها القانون وتتحكم في بثها هيئة سمعية بصرية عليا HACA وهي المخولة الوحيدة في التأشير و إعطاء الضوء الأخضر لايذاع ما ينتج طبقا للقواعد الأساسية المحترمة دينيا وفي ما ماهو حلال وماهو حرام وما يناسب قيم مجتمعنا المغربي.
فابداء الرأي وبحماسة تواصلية بالغة وبليغة أمام الشباب ومحاولة التأثير عليه بذريعة دينية حول مواضيع تدخل في اختصاص هيئات وطنية تم تكليفها من طرف أمير المؤمنين تعد عبثا، خرقا للقانون و فوضى بل هجوما على النظام العام. و عندما يتعلق الأمر بمجال لا يقل أهمية عن الدين حيث يكون تأثير كلمة الواعظ مؤثرًا بشكل كبير على المواطن المغربي المسلم، فمن الضروري التحقق بشكل صحيح من حرية تعبيره. ولا ننسى أن تاريخ شهد بعض دعاة الدين الذين دمروا الثقافة التقليدية تمامًا من خلال تجريم عدد معين من الأعمال التي كانت و إلى الآن مقبولة من قبل آبائنا العظام وأجداد أجدادنا الذين كانوا مشبعين بطقوسنا المالكية. و أظهر لنا التاريخ أن هذا النوع من الفتوى لم ينجح إلا في زرع الكراهية بين المواطنين في البلاد منذ أن وصلنا إلى نقطة تقسيم المجتمع بين المغاربة المسلمين والمغاربة العلمانيين. لذلك وجب على المجلس الأعلى للعلماء أن يتفاعل بحزم مع هذا النوع من الفتاوى لمنع بعض الدعاة من استخدام الدين لوصف أو تحريم الأفعال أو السلوكيات العامة. وهذا من شأنه أن يضر بتضامن مجتمعنا واتحاده.
نحن بالتأكيد في بلد مسلم حيث يتم تمرير القانون وتطبيقه بشكل ديمقراطي من قبل جميع المواطنين وفقًا لقواعد ديمقراطية مسبقة ومقبولة بالتراضي. لذلك من غير المقبول أن نرى ونحن في القرن الحادي والعشرين أنه لا يزال هناك أناس يحاولون فرض وجهات نظرهم في إطار غير مؤسساتي. و إذا أردنا تطبيق قوانيننا وديمقراطيتنا مع جعل حقنا في المعارضة فعالاً، أقول، أنه كان على هذا الواعظ أن يوجه ملاحظاته إلى سلطة الهاكا لوقف بث العمل التلفزيوني مع استعداده لقبول حكم هذه السلطة و يمكنه بنفس السهولة أن يخاطب معارضته للمجلس العلمي الأعلى لطلب فتوى بشأن الحقائق المزعومة ضد هذا المسلسل التلفزيوني، هذا هو تماما ما يضمن حقوق كل فرد في دولة القانون. لكن تجاوز صلاحيات هذه المؤسسات بإصدار رأي علني بمثل هذا الجمود الديني هو ببساطة انتهاك للحقوق. والله أعلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube