احمد رباصثقافة وفنونمستجدات

فلسفة: ما مدى تأثير كوفيد على الفكر البشري؟

ترجمة: أحمد رباص

الشيء الذي يمارس، بالتوازي مع البحث عن لقاح، هو نوع من المنافسة بين الفلاسفة، على من سيكون أول من يمنح الفيروس نوعا من الدماغ، ليصبح مؤوله الأكثر جاذبية. .. هل يمكن لكوفيد أن يصيب الفكر؟

لقد مر عامان بالفعل شهد فيهما الكثير منا أول حدث تاريخي في حياتنا …
مر عامان منذ أن بدأ علماء الفيروسات يدرسون الفيروس، وعلماء الأوبئة يدرسون الوباء، منذ أن أخذ هذا الشيء الكريه يستنفر الحكومات في جميع أنحاء العالم، منذ أن شرعت وسائل الإعلام تتحدث عن ذلك فقط، منذ أن كان هناك قناع أزرق فوق الاتجاهات على تويتر.

الفلاسفة والفيروس

من الطبيعي تماما أن ينخرط الفلاسفة، بدورهم، في محاولة التفكير في الوباء.
يمكننا وضع صنافة لتخريجاتهم: هناك من رأى أن الوباء جعل أخيرا الحدود المريبة للمملكة البشرية تهتز. ستكون الجائحة اسما لتقاسم جديد للكائن الحي، والأفضل من ذلك، ستكون حدثا أونطولوجيا (وجوديا). الظهور، الذي تنبأ به عدد قليل من المفكرين الذين كانوا معزولين حتى الآن، لكائن كبير ، لشيء من شأنه أن يجمع العناصر التي فصلتها المعرفة حتى ذلك الحين، مثل تاريخ الحضارة وتاريخ مسببات الأمراض.
يرى آخرون في ظهور الفيروس نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري والعولمة – اختزال الفيروس في حادث، ولكنه حادث بالمعنى الميتافيزيقي للمصطلح: غلافه البيولوجي يحدد مادته بأقل من الظروف البيئية لظهوره. .
كل متخصص يحكي في الحقيقة لنفسه عن الفيروس الذي يناسبه، الفيروس ملهم، إله خارج الآلة (deus ex machina)،
البعض تساءل لتوه عما إذا كانت الشحنة الفيروسية لفيروس كورونا إيديولوجية هي كذلك..
ما هو الفيروس، في نهاية المطاف؟ هو بالتحديد شيء لا يمكن أن يتكاثر من تلقاء نفسه، ويجب أن تستنسخه الخلية المضيفة: تمرين في علم الكلام البيولوجي، إذا صح التعبير.
الوباء يخاطبنا من خلال كل الكلام الذي نسمعه عنه.
هل أصبحنا مؤولين للفيروس؟ هذا غير معقول بعض الشيء، لكن ليس أكثر من إسناد القصد الإنجابي للفيروس.
في الواقع، إذا كان هناك شيء واحد يفاجئنا دائما، فهو الأحداث غير المقصودة. وبينما نتفوه بتعليقات صوتية على أصغر فيلم وثائقي عن الحيوانات، نستحضر هنا انتقام النظم البيئية.
الشيء الذي يمارس، بالتوازي مع البحث عن لقاح، هو نوع من المنافسة بين الفلاسفة، على من سيكون أول من يمنح الفيروس نوعا من الدماغ، ليصبح مؤوله الأكثر جاذبية. .. هل يمكن لكوفيد أن يصيب الفكر؟

سخافة الوباء

يمكننا إذاك التحدث عن أفلاطونية منحطة عقليا: بنزولهم إلى كهف الخلية المصابة، تلقى المفكرون في الجائحة، من الفيروس نفسه، تعليما مخصوصا لفئة معينة.
لذلك لن نتفاجأ إذا وجدنا في القريب فيلسوفا على رأس الحركة المناهضة للتلقيح، رغم كل التعاطف الواضح للفلسفة مع العقلانية العلمية …
لكن بجدية أكثر، نقول في قرارة أنفسنا، أمام طابور عند باب المختبر ، أن هذا هو الشكل الحقيقي للوباء: شيء مبتذل للغاية في النهاية، ولكنه يحمل في داخله ذاكرة كمية من أحداث تاريخية أخرى: طابور، أمام المتاجر، بكل ما يحمله ذلك من غريب ومألوف.
لن نعرف أبدا أي شيء عن الفيروس ، لأنه لا يوجد شيء لنعرفه عنه. لكننا سنتذكر طويلاً تلك الطوابير، وتلك الإشارات الحاجزية، والاحتكاك المزعج للمسحات ورائحة التبغ البارد المنبعثة من الكمامات الجديدة.
الحدث التاريخي، قبل أن يكون حكاية أسطورية أو قصة رمزية، ليس سوى ما يلي: كتلة من الواقع الصعب تجاوزه بشكل رهيب. لحظة من عدم الراحة لأكثر المفكرين تريثا وكذلك لأكثر المتفائلين استعجالا – مسحة من الزمن سقطت في الغشاء المخاطي.

المصدر: France Culture

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube