ـ عبدالعالي الطاهري.
في إطار البرنامج العلمي والأكاديمي الذي وضعته كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء برسم الموسم الجامعي الحالي 2022-2021، نظَّم مختبر القانون العام وحقوق الإنسان، ندوة وطنية تحت عنوان «فعلية حقوق الإنسان والنموذج التنموي الجديد» بقاعة الندوات وذلك يوم الخميس 09 دجنبر الجاري.
هذه الندوة العلمية، التي جاءت بحمُولتين، نظرية أكاديمية وتطبيقية، عرفت مشاركة مؤسسات حقوقية حكومية وأخرى جمعوية، فقد جاءت مشاركة المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان وكذا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، علاوة على أساتذة جامعيين من تخصصات أكاديمية مختلفة، لتؤكد على أهمية ذلك الرابط الذي يجب أن يحكم العلاقة التكاملية بين المؤسسات الدستورية والحكومية من جهة و مؤسسة الجامعة من جهة ثانية.
هذه الندوة الوطنية، تمَّ طرح موضوعها للدراسة والنقاش، من خلال محورين إثنين، الأول تناول «المؤسسات الحقوقية ودورها في إنجاح مقاربة النموذج التنموي الجديد»، حيث أشار الأستاذ محمد الهامشي، الذي ناب عن الأستاذة أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المكلف بمهمة بذات المجلس،تناول الشق المتعلق ب «عناصر لأجل سياسات عمومية دامجة لحقوق الإنسان»، حيث أكد من خلاله على أهمية الاهتمام بتنزيل جميع برامج القطاعات الحكومية التي تدخل في سياق مضامين النموذج التنوي الجديد، من منطلق أن التنمية هي كلٌّ لا يتجزأ، علاوة على أن مسؤولية جني ثمار هذا النموذج، الذي جاء ليجيب على العديد من الأسئلة المجتمعية ويلبي احتياجات وتطلعات المواطنين بشتى تركيباتهم رشرائحهم، هي مسؤولية مشتركة بين جميع الفرقاء الحكوميين والمدنيين على حدٍّ سواء.
الأستاذ محمد عيادي، مدير التنسيق والنهوض بحقوق الإنسان بالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، تطرَّق إلى موضوع « النموذج التنموي الجديد وحقوق الإنسان..قراءة في التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد»، حيث أشار إلى المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان، مع التأكيد على أننا لا نزال في بداية الطريق وتنتظرنا العديد من التحديات لرفعها، تكريساً وحفاظاً على المكتسبات، واستثماراً للتراكمات التي حققتها المملكة، في التزام تام بمقتضيات المواثيق الدولية المتوافقة كلياً مع مضامين الوثيقة الدستورية للمغرب، الذي خصَّ باباً كاملاً للحقوق والحريات، وهو الدستور الذي يُكرِّس حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا مع التنصيص على حماية منظومتها، مع مراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء.
أما الأستاذ سمير أوالقاضي، أستاذ القانون الإداري والدستوري بكلية العلوم القانونية المحمدية، فقد تناول بالدرس والتحليل الجانب المتعلق ب «الحق في التنمية والنموذج التنموي الجديد»، إذ اعتبر أنَّ جوهر هذا المشروع المجتمعي الشمولي في أبعاده وتوجهاته، يتمثل في تحقيق التنمية في جميع القطاعات، معتبراً أنَّ الدستور المغربي ربط التنمية بأجرأة مفهوم حقوق الإنسان، وجعلهما ضمن منظومة واحدة.
الدكتور سمير أوالقاضي، اعتبر أنَّ النموذج التنموي الجديد يجب أن يُشكِّل جسراً يُعبِّد الطريق نحو الرُقي الاجتماعي، خاصة أن الخلاصات التي اعتمدها هذا النموذج، جاءت بعد لقاءات تشاورية حضورية برؤية مجالية جغرافياً وديمغرافياً، وبعد تحليل دقيق للعديد من محاوره من طرف اللجنة التي عُهد إليها بإعداده، لمستْ (اللجنة المختصة) أنَّ العديد من الإصلاحات المُعلن عنها، من قبيل التحول الاقتصادي والتربية والتكوين والصحة والحماية الاجتماعية، تعاني من بطء في التنزيل، وهو عائق يجب تجاوزه، في ظل حجم الانتظارات المجتمعية وكذا وجود إرادة سياسة صادقة ورأسمال بشري مؤهل لتنزيل مضامينه، تنزيلا عملياً سليماً.
وخلال أشغال الجلسة الثانية، التي تناولت محور«مقاربات واستراتيجيات حماية حقوق الإنسان في النموذج التنموي الجديد»، أخذ الكلمة الأستاذ الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، من خلال بسط محور «المقاربة الحقوقية لموضوع التنمية»، إذ اعتبر المُحاضر أنَّه لا يمكن القفز على مُعطى أساسي، مفاده أنَّ النموذج التنموي الجديد، ورغم قصور بعض جوانبه، حمل الكثير من الإيجابيات والآمال التي سيُمكِّن تنزيلها من القطع مع مرحلة كانت فيها التنمية مجرد شعار.
الأستاذ الحبيب بلكوش، المناضل الحقوقي والفاعل السياسي الذي راكم تجارب عديدة على المستويين الأكاديمي والعملي، اعتبر أنَّ ما يجب أن يحكمنا فيما يخص القراءة الحقوقية لهذا النموذج، هي معايير الالتزام والمسؤولية، من خلال التأكيد على دور المجتمع المدني وباقي المتدخلين، من القطاعين العام والخاص، في إنجاح هذا الورش الوطني.
وفي الشق المُعنون ب «قراءة من المنظور الشامل لحقوق الإنسان، فقد طرح الأستاذ الحبيب كمال، رئيس «المرصد المغربي للحريات العامة»، قراءة كرونولوجية لمسار حقوق الإنسان والحريات العامة بالمغرب، ابتداء من فترة مابعد الاستقلال، مرورا بسنوات الستينيات والوضع الحقوقي خلال عقد السبعينيات أو ما عُرف بسنوات الجمر والرصاص، وصولاً إلى فترة التوافقات السياسية بداية التسعينيات، وهي الفترة التي أسَّست لمرحلة جديدة في تعاطي المغرب مع مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، دُشِّنت بإطلاق هيئة الإنصاف والمصالحة، ليتم تتويجها يإقرار دستور جديد. ورغم السالف ذكره، فقد أكد الأستاذ الحبيب كمال، أنَّ بلدنا ينتظره الكثير ليقوم به حقوقيا، لأنه لا تنمية بدون الحفاظ على المكتسبات الحقوقية في سياقيها الدستوري والكوني.
الدكتور رشيد المدور، أستاذ القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية المحمدية، تناول بالدرس والتحليل موضوع «التوجهات الجديدة للمُشرِّع الدستوري المغربي في مجال حقوق الإنسان»، حيث اعتبر أن الدستور الذي صادق عليه المغاربة سنة 2011، هو دستور الحقوق بامتياز وذلك اعتبارا لما تضمَّنه من تكريس للحقوق والحريات و من مستجدات في نفس الإطار، بحيث خَصَّص لها المُشرِّع الدستوري المغربي باباً بأكمله، والذي أسماه «الحقوق والحريات الأساسية»، وهو الباب الذي يضم 21 فصلاً، مقارنة بدستور 1996 الذي تناول الشأن الحقوقي في فصول جد معدودة وبشكل عام.
الدكتور رشيد المدور، الخبير في العمل البرلماني والقانون الدستوري، طرح على أنظار الحاضرين قراءة كرونولوجية للمسار الذي قطعته الحقوق والحريات بالمملكة المغربية، في إطاره التشريعي والدستوري، ابتداء من مشروع دستور 1908الذي نُشر بمجلة «لسان المغرب»، والذي شَكَّل أول مشروع دستوري مغربي متكامل، في بُعديه الحقوقي والمؤسساتي (خاصة مسألة فصل السلط). ليُعرِّج الدكتور المدور على أهم المحطات الدستورية التي عرفها التاريخ المغربي، ابتداء من أول وثيقة دستورية مغربية عرفها المغرب سنة 1962، مروراً بدساتير 1970،1972،1992،1996، وصولاً إلى دستور 2011، الذي اعتُبر «ثورة» حقوقية دستورية في تاريخ المسار السياسي المغربي.