“من ربيع راث إلى جمر تندوف” عن رواية أشلاء الذاكرة
جواد كوفي
“…اعتقلنا صبيحة عيد الفطر ،الرصاص وجبة فطورنا، وهدية العيد ربع قرن من الأسر.” محمد فولا، رواية أشلاء الذاكرة ، ص 128 ، ف الثاني .
الرواية حمالة رسالة و قيم ، و الكاتب رسول الى العقول التي تريد الفهم ، رسول إلى الوعي الفردي و الجماعي لأمة تشترك الأرض و الذاكرة.
رواية أشلاء الذاكرة تبشر بالحرية و تحمل الأمل في الغد المشرق ، لكنها في نفس الوقت تجعلنا نضع الذاكرة أمام محكمة الواقع و التاريخ ، وحبكة الرواية المحكمة تجبرنا على طرح سؤال معنى الوطن و الأرض. فهل الوطن اضحى مجرد شعار؟ و الأرض و الحرية مجرد خدعة و شرك للبسطاء حين يحتاج تجار الحروب الى الأرواح و الدماء . كيف يتم تجاوز مأساة جيل ضحى لأجل الوطن ، اسيرا كان ، أو جندي على جبهة القتال .
من خلال فلسفة الرواية التي تكشف عن معاناة الأسرى و تسكت عن ما بعدها، حيث الأسر الكبير. تاركتا للقارئ متعة التخيل و المقارنة على ضوء حال واقع يقول كل شيء.
إن العودة الى الماضي شرط المصالحة مع الذات من جهة ومع والأخر من جهة اخرى، و من خلالهما شرط للمصالحة مع الوطن الذي يسكننا قبل أن نسكنه.
ضمير إنسان مثقف.
رواية أشلاء الذاكرة ، للأستاذ محمد فولا . إرادة موفقة من إنسان مثقف يحمل هم الذاكرة التي يعتبرها وسيلة و ألية مهمة لأجل بناء وعي أبناء هذا الوطن . فمن لا جذور له يسهل اقتلاعه ومن لا قدرات نقدية و أخلاقية تحمي كيانه يسهل اختراقه، واختزال اختياراته في التبعية و التفاهة والفردانية الموغلة في الأنانية و المادة .
إن العودة إلى الأصل خطوة أولى لفهم الحاضر و تصويب البوصلة ، ربما نجد أنفسنا في وضعيات مشابهة لما عاش الأجداد من قبل و قد تكون النتائج مؤلمة.
انشطار المتوحد.
أشلاء الذاكرة أو شظايا الماضي التي يلملمها الراوي من خلال ذاكرة السيد “علي” نموذج الجندي الأسير العائد من مخيمات الذل و العار بتندوف( الأرض الجزائرية تجاوزا) . والذي يحكي بألم ممزوج بفخر عن ما واجهه الأسرى من معاناة و سبل التكيف مع واقع يهدم البدن و يشطر العقل . هناك حيث المواجهة بين قدرات البدن المحدودة و إرادة العقل و النفس اللامتناهية .
هناك حيث تنعدم الوسيلة إلا التمسك بالحياة و حب للأرض التي ينتمون إليها وأمل العودة يوما إلى حضن الأم والأهل.
أشلاء الذاكرة ليست مجرد رواية تحكي عن وقائع مؤلمة .إنها ليست تبشيرا باليأس ..؟بل هي بلسم لجروح لا يزال البعض من حامليها بيننا اليوم يعيشون الأمل في الانصاف ، وكأن الرواية إرادة اعتذار من جيل لجيل ، إنها وكما أفصح عن ذلك الراوي حمل و دين على عاتق كل مثقف لا يعجبه حالنا اليوم حيث أضحت الرموز مفرغة من حمولتها و أمسينا على قلب القيم.
جزئيات تصنع التاريخ .
الإخلال بوعد ترسيم الحدود بين دولتين، وتراجع السلطة بالجزائر عن الوفاء بوعد كان بين زعمين وطنين ( فرحات عباس و الملك محمد الخامس) سيكون له عواقب وخيمة لاتزال اثارها مستمرة الى اليوم أهمها اشتعال حرب الرمال(1963) تم تهجير المقيمين المغاربة (1975) صبيحة عيد الأضحى من الجزائر بطرق غير لائقة وإغلاق الحدود البرية(1994) تم دعم تأسيس كيان هجين (1976)بقلب الصحراء المغربية وغيرها .
يحضر البعد التاريخي للرواية كإرادة ووعي صريح من الكاتب محمد فولا بأهمية تحديد الزمن و تأكيده لأجل ربط المضمون بالواقع والمناخ العام الذي عاشته أرض الأحداث كشاهد و مسترجع لذاكرة المكان فقد تعود نفس النتائج ببقاء نفس الجزئيات التي تحكم سيرورة العلاقة بين بلدين تجمعهما الجغرافية و تفرقهما السياسة و طموح مرضي للقادة.
تحيلنا الرواية على هذه الوقائع التاريخية ، كأسباب غير مباشرة في محنة الرجال و جزئيات تشي بمكر التاريخ.
“…وقد قدم الفرنسيون عرضا …رفض ملكنا العرض ، واتفق مع فرحات عباس زعيم جبهة التحرير الوطني ورئيس الجزائر على أن يحلا مسألة الحدود بعد الاستقلال..” أشلاء الذاكرة ص 23 ف الأول
هكذا سيكتب مصير “علي “ومعه تبدأ محنة شعبين شقيقين.
موت السلطان يؤكد الولاء و الخيانة.
“..في الجهة الغربية من دمنات ، حيث باب (اعرابن)تجمع يهود الملاح، يتقدمهم حاخامهم شمعون،…نساء يصعب معرفة أنهم يهوديات يضعن فوق رؤوسهن غطاء يستر شعرهن إلا قليلا، أطفال بأقمصة لا تختلف عن أقمصة أبناء الفلاح و القصبة. ووسطه المشاهد المشابهة لما في إكداين يرتفع صوت عبراني …” أشلاء الذاكرة ص22 ف الاول
إن الرواية محاولة جادة لإثارة الماضي، كما كان يعاش ببعض المدن المغربية ،ينقل صورة عن المشترك بين المسلمين و اليهود (دمنات العريقة نموذجا) حجم التسامح والاحترام المتبادل الذي كان عنوان مرحلة عرفت بالصعبة من تاريخ المغرب يقدم لنا الكاتب محمد فولا صورة عن يوم سماع خبر وفاة الملك و عن الحزن الذي عرفه المسلمون و اليهود المغاربة على السواء، حيث كان الولاء لسلطان مشتركا .
أغلقت أبواب دمنات و قرأ القرآن بالمساجد وتلا الحاخام اليهودي ما تلاه من التوراة ترحما على روح السلطان، الذي كان موته بداية عهد جديد معنون بالوفاء و الخيانة الدم و الغفران .