ثقافة وفنونمستجدات

في رحيل الأديبة ليلى الأطرش ورواية الحياة

مجيد مصدق

لم اصدق الخبر بداية بيد ان الكاتب واسيني الأعرج احد اصدقاءها القدامى أكد الخبر، فبدت لي الحياة مجرد مرور وعبور عبثي ينتهي بالفناء والحزن والأسى….
الأديبة الكبيرة والروائية المبدعة الأستاذة ليلى الأطرش تغادرنا فجأة وإذ نستذكر عطاءها الإبداعي الثري وإسهامها الكبير في مسيرة الرواية العربية بعامة والسرد النسوي بشكل خاص،وحضورها المؤثر والنشط في المشهد الإعلامي والثقافي العربي والمحلي وتعاونها المثمر مع برامج الكرسي وفعالياته.
الأديبة والروائية والإعلامية الفلسطينية/الأردنية ليلى الأطرش رحلت عن عمر يناهز 73 عاما،هي بنت بيت ساحور البلدة الفلسطينية الصغيرة، تبعد عن بيت لحم مسافة كيلومتر واحد إلى الشرق، وتعرف لدى المسيحيين باسم بلدة الرعاة ،وعرفت الراحلة بمشروع إبداعي، يضيء الذاكرة ويشعل المكان،من المبدعات اللواتي كرسن أنفسهن لرصد معاناة المرأة العربية بين سطور أعمالها الروائية وأعمالها الأدبية الأخرى،
والراحلة هي زوجة الأديب والمترجم الراحل الدكتور فايز الصياغ الحاصل على عديد من الجوائز في حقل الترجمة.وتحمل الأديبة الأطرش الإجازة في الحقوق والدبلوم في اللغة الفرنسية، وعملت بالتدريس في جامعات أردنية وعربية وفرنسية وأميركية، كما تم تناول أعمالها الإبداعية المختلفة في عديد من الرسائل الجامعية.
لعل ثنائية الروائي – الإعلامي ، ستضعنا أمام جدلية مثيرة ، جدلية الروائي الذي يعمل في حقل الإعلام، كيف يوظف تقنية الإعلام ولاسيما المرئي منه لخلق فضاءات جديدة للرواية، فضلاً عن إحراز التوازن المفقود ما بين لقمة العيش والكتابة الأدبية ، وبطبيعة الحال دون تجاوز الشروط الإبداعية في التجريب والتجديد، ومصالحة الفن بالحياة .. بل يمكن القول إن ما ينجزه الروائيون الإعلاميون، سيبقى لافتاً للنظر، ليس لجهة اتكائهم على موادهم الإعلامية كمعطيات لفنهم الروائي فحسب، بل لطريقتهم الخاصة بتطوير أدائهم والانفتاح على ما يحاكي الحياة بواسطة الفن، هنا يكمن جوهر تلك الجدلية، في مضاعفة وعينا الجمالي، وتعميق معرفتنا بالحياة ذاتها، في تغذيتها للفن ، وبصفتها مرجعاً لا ينضب ،لكن الروائية والإعلامية ليلى الأطرش تسجل ريادتها لتقنية الإعلام المرئي، في رواية عرفت باسم “مرافئ الوهم” والتي تضاف إلى مجموعة أعمالها منذ اولى روايتها.
وإذا كان الواقع يشكل تخوم معرفتها الأولى، خصوصاً واقع المرأة العربية ، فإن ذاكرتها ستتسع لتراجيدية حضور المرأة وصورها الظليلة، ومعها ستذهب الروائية ليلى الأطرش ” لنبش “ ذاكرتها واستنطاقها، لتشيد رؤيتها التي تستبطن مواقفها، بعمقها الدفاعي عن المرأة كقضية بامتياز .
فهي التي رأت ما يحصل للنساء في الحرب على غزة والعراق والصومال ومناطق الحروب والصراع والفقر، لتبرز المرأة في الذاكرة، فـ “نساء على المفارق” يقارب قصص بل حيوات نساء من بلاد مختلفة، وأزمان مختلفة، أثناء عملها الإعلامي، وصف بأدب الرحلات، تأسيساً على ” الوصف الجميل “ للمواقع المختلفة، أو من خلال تحليل الشخصيات وأفعالها، أو من خلال توثيق ” تاريخ معين بأحداثه ورموزه .
قالت يوما عن مسارها “صنعت نفسي بنفسي، لأنني عندما كنت في السنة الجامعية الأولى في بيت لحم عرضت علي عضوية المجلس الوطني الفلسطيني ولم أقبل؛ ففي حياتي رفضت أن أكون حزبية لأنني أؤمن بأن الإنسان المستقل يستطيع أن يكتب بحرية. ومن هنا، على الكاتب أن يكون مستقلا، فإن لم يكن كذلك سيضطر إلى تبني وجهة نظر أي حزب أو منظمة ينتمي إليها حتى لو كانت على خطأ ويدافع عن الخطأ، لذلك رأيت نفسي دائما كاتبة مستقلة لأن المستقل يستطيع مهاجمة أو انتقاد من يشاء”.
كما أن عملها في الإعلام أتاح لها مناقشة ولقاء رموز الوطن العربي، والبحث والسفر لتصوير أماكنهم، والاطلاع اليومي المباشر على الأحداث ما يذاع منها أو ما يمنع، وحصاد الشهرة الفورية.واستدركت “أما الرواية فهي أنا، رؤيتي للعالم، وهي ما سيتبقى مني؛ فالإعلام استهلاكي، أما الرواية فلو أتيح للقراءة أن تبقى فستظل بين يدي الناس ما وجدوا.. هل هذا من أحلام اليقظة؟ ربما….
دافعت الكاتبة الراحلة عن ثقافتها العربية بقوة، وشخصت الواقع الثقافي العربي من دون مواربة، وكشفت عن بعض الأسرار التي لا تزال مبهمة حتى الآن لسطوة أبطالها وتأثيرهم، وأجابت عن كثير من القضايا، مطالبة بالتحدي والصمود أمام الآخر، وليس التقوقع داخل الذات
كرست ليلى الأطرش كتاباتها للدفاع عن قضايا إنسانية واجتماعية، ورصدت معاناة المرأة العربية ومن خلال أعمالها الروائية التسعة وأعمالها الأدبية الأخرى، ومقالاتها، وتحقيقاتها الصحفية وبرامجها التلفزيونية، وأخيرا الكتابة للمسرح. دعت كمحررة للموقع الإلكتروني “حوار القلم” إلى نبذ التطرف والعنف الاجتماعي والفكري، ونشر قيم التسامح والتعايش وعدم التمييز الجنوسي، كما رصدت معاناة المرأة العربية في أوطانها، وكسرت العديد من الطابوهات بطرحها قضايا اجتماعية خلافية. ومن خلال موقعها كرئيسة لمركز “القلم الأردني”، المتفرع عن المنظمة العالمية المعروفة بهذا الاسم للدفاع عن حرية التعبير، تعمل على تغيير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين بين كتاب العالم عبر الموقع الإلكتروني حوار القلم للتقارب بين الثقافات، والتعريف بالكتاب والمفكرين والمترجمين العرب، مع التركيز على حرية الرأي والفكر، مع التصدي للتطاول على المسلمات الدينية.
أسهمت في إطلاق مشروع “مكتبة الأسرة” “والقراءة للجميع” في الأردن 2007 وكانت مسؤولة الإعلام والناطق الرسمي باسمه. اختارها تقرير التنمية الإنسانية العربية الرابع عن نهوض المرأة الكاتبات ممن تركن أثرا واضحا في المجتمع، واختارتها مجلة “سيدتي” الصادرة بالإنجليزية عام 2008 كواحدة من أنجح 60 امرأة في العالم العربي. كما اختارتها جامعة أهل البيت، ثم جامعة عمان الأهلية وحركة “شباب نحو التغيير” كشخصية العام الثقافية في الأعوام 2009- 2010-2011.
شاركت في برنامج الكاتب المقيم في جامعة أيوا الأميركية 2008، لفصل دراسي كامل، كما حاضرت في جامعة شاتام في بنسلفانيا، ونورث وست في شيكاغو، ومانشستر البريطانية، وجامعة ليون الثانية الفرنسية. ومنحت نوط الشجاعة الأمريكي. ترجمت بعض رواياتها وقصصها القصيرة ومقالاتها إلى 9 من اللغات الأجنبية، وقرر بعضها في جامعات أردنية وعربية وأمريكية، وقدمت عنها رسائل جامعية عديدة في بلدان عربية وفي إيران والصين والهند وباكستان. أسهمت في إعداد ملف الأردن في معجم الكاتبات النسويات الصادر بالفرنسية عن اليونسكو 2013. حولت بعض أعمالها الأدبية إلى مسلسلات إذاعية، ونالت برامحها الأدبية والاجتماعية جوائز في مهرجانات الإذاعة والتلفزيون.ولها عدد من المقالات والدراسات والإصدارات أهمها
“رغبات ذاك الخريف”(2010)،و”أبناء الريح”
(2012)، و”ترانيم الغواية” (2014)، و”لا تشبه ذاتها”2019…

*لروحك الرحمة والسكينة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube