أخبار المهجرمستجدات

تحسين العلاقات المغربية الإسبانية و تأثيرها على الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا.

الدكتور عبد الرفيع التليدي (جامعة ليريدا /كطالونيا/ إسبانيا)

من دون شك أن الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا قد إستبشرت خيرا بالخطاب الملكي الذي ألقاه العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى الثامنة والستون لثورة الملك والشعب و الذي خصص جزءًا مهما منه للحديث عن العلاقات المغربية الإسبانية والتي عرفت توترا و فتورا ملحوظين في الشهور الأخيرة بسبب تهور وسوء تقدير من طرف الوزيرة السابقة أرانتشا غونزاليس لايا والذي أدى إلى إقالتها وتعويضها بالوزير الحالي خوسي مانويل ألباريس و التي كان لها انعكاسات سلبية على عدة مجالات و خصوصا الجالية المغربية التي كان لها نصيبا مهما منها. و كما يعلم الجميع أن النقطة التي أفاضت الكأس في هذه العلاقات المغربية الإسبانية هي إستقبال إسبانيا للمدعو محمد بنبطوش بطريقة غريبة و مثيرة للجدل والتي جعلت المغرب يسحب سفيرته كريمة بنعيش من مدريد إحتجاجا على هذا التصرف الغير مقبول و الذي كشف الغطاء عن عدد مهم من الدوافع والمخططات الخفية التي قامت بها الوزيرة السابقة في الحكومة الإسبانية و كذلك عن نظرة و تصور غير حقيقيين لإسبانيا إتجاه المغرب.

ومن الواضح أن هذه الأزمة جعلت كل من البلدين يعيدان ترتيب أوراقهما تجاه بعضهما البعض و التركيز على الطرق والوسائل التي قد تساعد على الخروج من هذه الأزمة في اقرب وقت ممكن و بأقل الخسائر. و قد لوحظ أن المسؤولين الإسبان كانوا يحاولون بشتى الوسائل تجنب التصعيد ومحاولة الاتصال بنظرائهم المغاربة لتسوية المشكل بالطرق الديبلوماسية الملائمة. و لتحقيق هذه الغاية بادر الطرفان إلى عقد محادثات سرية و بحسن نية على أعلى مستوى تجنباً لأي ضغط أو اي تأثير من أية جهة كانت، و التي دامت لأسابيع دون تمكن أي أحد من معرفة ما يدور في الكواليس حتى جاء الخطاب الملكي الذي فتح الباب من جديد أمام هذه العلاقات المغربية الإسبانية لتبدأ في العودة إلى سابق عهدها. و قد استقبل المسؤولون الإسبان الخطاب الملكي بترحيب وتفاؤل كبيرين. و بطبيعة الحال فإن أي تحسن في هذه العلاقات المغربية الإسبانية سيكون له وقع إيجابي على الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا على عدة مستويات.

المستوى الأول يرتبط بالتعايش و تحسين نظرة المجتمع الإسباني لهذه الجالية المغربية و التي عادة ما تتأثر بالمشاكل السياسية التي تحدث بين الفينة والأخرى بين البلدين الجارين والتي من المنتظر أن تتحسن كثيراً أو على الأقل تعود إلى طبيعتها حيث سيلاحظ غياب أو إنخفاض بعض الظواهر المرتبطة بالعنصرية وخصوصا النقاشات و النزاعات التي تحدث في بعض الأحيان والتي تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. و خير دليل على هذا هو ما وقع لذلك المواطن المغربي في منطقة مورسيا و الذي ذهب ضحية جدال عقيم بينه و بين مواطن إسباني و الذي إنتهى بمقتل المواطن المغربي. كما أن العلاقة و التعامل اليومي و كذلك الأمور التي لها ارتباط بالتمييز على مستوى العمل أو السكن مثلا ستتحسن أو على الاقل سينخفظ هذا التمييز بين العمال المغاربة وباقي العمال المنتمين الى الجاليات الأخرى المقيمة بإسبانيا. و كل هذا بدون شك، سيخلق نوع جديد من التعايش و التقارب و توطيد العلاقة بين المغاربة و الإسبان المبنية عموماً على الثقة و الإحترام المتبادل.

المستوى الثاني و الذي يعتبر الأهم في هذه العلاقة و يهم إرتباط الجالية المغربية بوطنها الأم و رغبتها في قضاء العطلة بين الأهل والأحباب. و في هذا الإطار فإنه من المنتظر أن تفتح المعابر و الموانيء الإسبانية من جديد في وجه جميع أفراد الجالية المغربية المقيمة بأوربا بعدما تم إقصاؤها خلال العطلة الصيفية لهذه السنة من طرف المغرب والإقتصار فقط على مينائي سيت بفرنسا و جينوا بإيطاليا. و هذا الأمر من شأنه أن يعيد الحياة من جهة لمجموعة من الشركات الإسبانية التي تشتغل في هذا القطاع و التي تأثرت كثيرا بهذا الإقصاء و تكبدت خسائر باهضة، إضافة إلى المطاعم و الفنادق و محطات التزود بالوقود. و من جهة أخرى، ستكون الفرصة سانحة لأفراد الجالية المغربية الذين لم يتمكنوا من السفر الى المغرب خلال السنتين الماضيتين بسبب ظروف جائحة كورونا لكي يصلوا الرحم مع أهاليهم و ذويهم و يقضوا عطلتهم في احسن الأحوال كما كانوا يفعلون من قبل. و أظن أن هذا الأمر يبقى من بين أهم تطلعات معظم أفراد الجالية المغربية ليس فقط في إسبانيا بل في كل بلدان الاتحاد الأوروبي.

المستوى الثالث و الذي يرتبط بما هو سياسي و الذي قد يتحقق من خلال التحسن المتزايد في العلاقات بين البلدين و كذلك من خلال اللقاء المرتقب بين حكومتي البلدين على أعلى مستوى و الذي تأجل لمرات عديدة سواء بحجة كورونا أو بسبب المشاكل التي وقعت في الشهور الماضية، و الذي من المنتظر أن يعقد خلال الشهور القليلة المقبلة سواء في شهر أكتوبر أو نوفمبر أو في شهر ديسمبر على أبعد تقدير، و كذلك بسبب الإنتخابات التشريعية التي نظمت في الثامن من شتنبر في المغرب و إنتظار تكوين حكومة جديدة. و في هذا الاتجاه، يبقى الإتصال الأخير الذي تم بين الوزيرين بوريطة و ألباريس كبشرى سارة و التي إستحسنتها الجالية المغربية و معها معظم مكونات المجتمع الإسباني و التي تم إعتبارها كخطوة أولى في اتجاه عودة العلاقات إلى سابق عهدها، و كذلك مناسبة من أجل التطرق إلى جميع المشاكل العالقة و محاولة إيجاد الحلول المناسبة لها و بالتالي بناء و تعزيز علاقة قوية مبنية على الصراحة و الوضوح و التفاهم و تحقيق المصالح المشتركة. و الجدير بالذكر هنا أن من بين أهم النقط على المستوى السياسي و التي طال إنتظارها والتي تتطلع الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا إلى تحقيقها بفارغ الصبر هي تفعيل المشاركة السياسية عن طريق توقيع إتفاقية التعامل بالمثل و التي وقعتها الحكومات الإسبانية السابقة مع مجموعة من الدول الأخرى و التي ستمكن المواطنون المغاربة الذين ليست لهم الجنسية الإسبانية من المشاركة في الإنتخابات المحلية، و نفس الشأن بالنسبة للمواطنين الإسبان القاطنين في المغرب.

و مما لا شك فيه أن الصلح خير و أنه دائما ما يؤدي إلى توطيد العلاقات و تبديد الغيوم و تصفية الأجواء بين المتخاصمين. و لهذا فإن تحسين العلاقات المغربية الإسبانية سيكون له آثاراً إيجابية ليس فقط على الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا بل كذلك على التنمية الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية بين البلدين الجارين و اللذان يحتاجان إلى بعضهما البعض في شتى المجالات و لهما مصالح مشتركة مهمة على عدة مستويات. و لهذه الأسباب، على المغرب وإسبانيا أن يعرفا كيفية توظيف هذا التقارب الجديد و جعله أداة صلبة أمام التحديات المستقبلية و خصوصاً حكم المحكمة الأوروبية الذي قضت يوم الأربعاء الماضي ( في حكمها الابتدائي) بإلغاء الإتفاق الفلاحي بين الإتحاد الأوروبي والمغرب لكونه يشمل الأقاليم الجنوبية للمغرب. فمن الواضح أن هذا الحكم سيضع هذه العلاقة على المحك ليس فقط بين إسبانيا و المغرب بل بينه وبين باقي الدول المكونة للإتحاد الأوروبي و ربما قد تعرف بعض التغييرات وإن اقتضى الحال عقد إتفاقيات ثنائية بين الدول المستفيدة من هذه الإتفاقية والمغرب و تفادي مثل هذه التعقيدات الصادرة عن المحكمة الأوروبية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube