في المجهود العقلاني والحكيم للمغرب من أجل حل الأزمة الليبية
محمد بوبكري
لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه المغرب في السعي إلى حل الأزمة الليبية، حيث حرص المغرب دوما على تواصل مع كل الفرقاء الليبيين، كما سبق أن انعقدت اجتماعات بين هؤلاء الفرقاء على أرض المغرب…لكن لقد ضاق جنرالات الجزائر ذرعا بمجهود المغرب هذا، لأنهم يخافون من أن ينجح المغرب في إيجاد توافق بين كل الفرقاء، ما قد يؤدي إلى إقامة علاقات جيدة بين المغرب وليبيا مستقبلا. وما يثير الرعب في نفوس هؤلاء الجنرالات هو أن المغرب قد تمكن التفوق اقتصاديا على دولة جنرالات الجزائر، حيث أصبح قوة إقليمية مهمة في أفريقيا وكان رد فعل حكام الجزائر هو تقديم وعود للدولة الألمانية التزموا فيها بأنهم سيعملون على تسخير كل إمكانياتهم لخدمة الإستراتيجية الاقتصادية الألمانية والأوروبية في أفريقيا، ما يفيد أن حكام الجزائر قد أصبحوا مجرد خادمة في مطبخ القوى الاستعمارية التي ترى أن المغرب قد ألقى بظلاله عليها في أفريقيا. لذلك نجد أن حكام ألمانيا عملوا على التدخل في الشؤون الداخلية الليبية، حيث إنهم نظموا مؤتمر “برلين 1″، واستدعوا كل جيران ليبيا للمشاركة فيه، وقاموا باستثناء المغرب بهدف تقزيم دوره في حل الأزمة الليبية. بعد وقوع أزمة دبلوماسية بين المغرب وألمانيا، دعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر “برلين 2″لحل الأزمة الليبية كما يحلو لحكام ألمانيا، فحاولت تدارك الخطأ الذي ارتكبته في حق المغرب، فقامت بتوجيه الدعوة إليه للمشاركة في هذا المؤتمر، لكن المغرب خيب ظنها، لأنه أعلن رسميا عن مقاطعته، حيث عبر وزير الخارجية المغربي السيد “ناصر بوريطة: إنه لا يمكن حل الأزمة الليبية بالمؤتمرات، ولا بالتدخل في الشؤون الداخلية الليبية”. لماذا حرصت كل من المانيا وجنرالات الجزائر على التدخل في الشؤون الداخلية الليبية؟ يعود ذلك إلى طمع ألمانيا في الخيرات الليبية، كما أنها تسعى إلى جعل ليبيا قاعدة لاكتساح أفريقيا.أما بالنسبة لجنرالات الجزائر، فإنهم يلجؤون، كعادتهم، إلى تغليب فريق على فريق من أجل التمكن من تنصيب فريقهم من الهيمنة على ليبيا، حيث سيتمكن هؤلاء الجنرالات من التوسع على حساب ليبيا، والاستيلاء على خيراتها، والحال أن الجزائر قد توغلت خمسين كلم في الصحراء الليبية، ولا تزال تحتل جزءا من التراب الليبي. ويرى بعض الخبراء الدوليين أن جنرالات الجزائر لا يشتغلون لصالح حكام ألمانيا وحدهم، ولكنهم يشتغلون، في الآن نفسه، لصاح حكام إيران. لذلك، يؤكد هؤلاء الخبراء أنه ليس مستبعدا أن يلجأ حكام الجزائر إلى الاستعانة بـ”حزب الله اللبناني لممارسة الإرهاب في كل من ليبيا وتونس، حيث سبق أن مارسوا ذلك في كل من تونس و مالي، وكان هدفهم من وراء ذلك هو زعزعة استقرار هذه البلدان بهدف تركيعها واستتباعها ونهب خيراتها، والتوسع على حسابها. وهذا ما فعله “هواري بومدين”مع المرحوم “الحبيب بورقيبة”، حيث قام بترهيبه حتى لا يستمر في المطالبة بالأراضي التونسية التي يحتلها حكام الجزائر التي يحتلها حكام الجزائر. ومادامت حاضرة مع جنرالات الجزائر في كل مؤامراتهم، فإن حكام الجزائر لن يلعبوا دور التوحيد، لأنهم لا يعيشون إلا من التفرقة، وذلك سيرا على نهج حكام إيران، الذين لمًا تدعوا في القضية الفلسطينية ضربوا وحدة الصف الفلسطيني، ووظفوا حركة حماس ضد السلطة الفلسطينية… كما أن إيران لا تتوقف عن نشر المذهب الشيعي في أفريقيا بغية الهيمنة على البلدان الأفريقية والتحكم فيها، ونهب خيراتها.ومن المحتمل جدا أن تنشر إيران الإرهاب في أفريقيا، لأن حزب حاضر أينما حضر جنرالات الجزائر. وعلى عكس كل من حكام إيران وحكام الجزائر، الذين لا يقتاتون إلا من التفرقة، فإن المغرب لا يطمع في أي شيء في ليبيا، ما جعله لا يتدخل في الشؤن الداخلية الليبية، وإنما هدفه هو مساعدة مختلف الفرقاء الليبيين على إيجاد توافق بينهم، بغية الوصول إلى حل الأزمة الليبية من أجل سيادة السلام والاستقرار في هذا البلد الشقيق، لأن ما يهم المغرب هو الوحدة الوطنية والترابية لهذا البلد الذي يرغب المغاربة في أن يصير بلدا آمنا. هكذا، فإن المغرب يعارض مبدئيا تفتيت الأوطان عبر ضرب وحدتها الوطنية، الأمر الذي يقود إلى ضرب وحدتها الترابية. لذلك، حاول المغرب أن يقنع كل الفرقاء الليبيين بأن الديمقراطية هي الحل الأمثل للأزمة الليبية، لأنه مقننا بأن الشرعية تنهض على صناديق الاقتراع. ولحسن الحظ ، فإن جميع الفرقاء الليبيين قد اتفقوا على إجراء انتخابات ديمقراطية في شهر دجنبر المقبل.فالمغرب يجمع كل الفرقاء الليبيين، ولا ينحاز إلى هذه الجهة، أو تلك، وإنما يوفر لهم إطارا للتشاور في ما بينهم، كما أنه يسعى إلى تقريب وجهات النظر في حالة تباينها، أو تعارضها، رغبة منه في تحقيق الوحدة الوطنية الليبية، التي هي إسمنت الوحدة الترابية. فضلا عن ذلك، فإن المغرب يدعوهم دوما إلى اتخاذ كل ما توافقوا أرضية للتقدم اماما.لهذا، فإنه دعاهم إلى تنظيم انتخابات في المستقبل القريب، لأنه لا يمكن انتظار التوافق التام لتنظيمها، لأن أي تأخير سيمنح الذين لهم أطماع في ليبيا إلى الإكثار من الأيادي المتدخلة في الشؤون الداخلية الليبية، ما سيعرقل إيجاد حل للأزمة الليبية، الأمر الذي قد يعصف بالكيان الليبي. تبعا لذلك، فقد أصبح المغرب محط إجماع من قبل كل الفرقاء الليبيين، حيث صار الليبيون يثقون في كل مبادراته لحل الأزمة الليبية… وإذا تمكن المغرب من إنجاز توافق بين كل الفرقاء، فإن ذلك سيفضي إلى الاستقرار.وبذلك سيتحقق ما يخاف منه جنرالات الجزائر، حيث إنه إذا تم الاستقرار، فإن ليبيا ستعترف بشرعية المغرب على صحرائه، كما أنه من المحتمل جدا أن تفتح ليبيا قنصلية لها في إحدى مدن الصحراء المغربية. وهذا ما يسعى حكام كل من الجزائر وإيران إلى الحيلولة دون حصوله، لكن حكمة المغرب قادرة على تجاوز كل العوائق التي توضع في طريق ليبيا نحو السلام والاستقرار والازدهار…