بياناتمستجدات

مثقفون من الضفتين يعبرون عن الحاجة إلى إعادة احياء العلاقات الإسبانية المغربية

بيان

أدت الأزمة الإسبانية-المغربية الحالية إلى تصعيد كلامي مقلق سمته العتاب والاختلافات، مما عاد بنا إلى حقب غابرة، مختلفة تماما عن حيثيات عالم معولم من جهة وعن العلاقات الثنائية التي تربط ضفتي مضيق جبل طارق منذ زمن بعيد من جهة أخرى. فطوال أسابيع عديدة، انتشرت في الضفتين خطابات وإحالات وأفكار مسبقة قديمة، لم نكن نعتقد أن بإمكانها البروز مجددا على الساحة العامة. وقد سمح اتساع الفضاء الإعلامي، ولاسيما في شبكات التواصل الاجتماعي، بانتشار هذه الخطابات كالنار في الهشيم، مما جعل التعايش بين شعبين شقيقين وصديقين في مهب الريح وعرضة للمخاطر، بما يتجاوز حتى الطبيعة الدبلوماسية للنزاع الحالي، وصولا إلى مواجهة وطنية لا مبرر لها تماما ولا محل لها من الإعراب.

إن استحضار فترات الحروب في تاريخنا المشترك وإبراز أوجه العداء فقط طريق خطير يتعارض مع المنطق الإنساني ومع موروث التعايش الديني والتبادل الثقافي التي بنيناها، نحن شعبا الضفتين، طوال الحقب الماضية. إننا أمام خطاب راديكالي وغير ضروري يرمي إلى القضاء على جهود الحوار والبحث والفهم المتبادل التي يبذلها المجتمع المدني والطبقة المثقفة في إسبانيا والمغرب.

ولا تنسجم الوضعية الحالية مطلقا، من منظور علمي، مع نتائج سنوات من الأبحاث في مجال العلوم الإنسانية في الجامعات المغربية والإسبانية، والتي منحتنا تصورا جديدا لهذه العلاقة المشتركة القائمة على التداخلات والتفاعلات الخصبة بين الحضارتين الإيبيرية والمغربية. وقد مكن الجهد الأكاديمي الجبار في تخصصات كالتاريخ والآداب واللغة وعلم المخطوطات من تعزيز الروابط الفكرية والثقافية ومن ترسيخ القيم المشتركة في ضفتي مضيق جبل طارق. إن الأمر متعلق بواقع تاريخي مثبت، لدرجة أنه تجلى في الدستور المغربي الحالي الساري المفعول منذ سنة 2011، حيث أقر أن الثقافة الأندلسية أحد روافد هوية المملكة المغربية على غرار الرافدين العربي والعبري السيفاردي.

على النحو ذاته، تقوى التعاون الثقافي والفني والإبداعي بين المغاربة والإسبان خلال السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق. وقد تأتت روح الإخاء المذكورة بفضل العلاقات الشخصية المتينة بين المكونات المدنية. لذلك نؤمن أن السياسة لا يمكن أن تتحول إلى عقبة تعرقل استمرار هذه الدينامية، على العكس من ذلك، ينبغي أن تكون أداة من أجل تطويرها أكثر فأكثر.

ينبغي أن تسود روح التوافق والتعايش دائما بين بلدينا، ويتعين أن تكون في صلب أي حوار سياسي من أجل ضمان سيادة واستقرار المغرب وإسبانيا على حد سواء. لذلك ندعو المجتمع المدني في ضفتي مضيق جبل طارق إلى تسخير قدراته الفكرية وحسه الإبداعي من أجل بناء بدائل تعايش جديدة وتقديم إسهامات بناءة من أجل موروث خصب فيه الخير العميم للمجتمعين معا.

وندعو الأشخاص ذوي النوايا الحسنة في الضفتين إلى الانضمام إلى جهود استرجاع علاقات إسبانية-مغربية قائمة على الثقة المتبادلة والاحترام، علاقات تدفعنا نحو مستقبل ينبغي أن يسود فيه السلم والتعاون والازدهار. لذلك، يتعين علينا معا، مغاربة وإسبان، رفض هذا الخطاب الخاطئ والمسموم الذي تستعمله بعض الجماعات الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي، القائم على الأخبار الزائفة والتلاعبات الكيدية، التي لا تسعى سوى إلى إحياء النزعات المعادية للأجانب والأحاسيس التي سبق لنا أن استأصلناها.

أخيرا، نراهن على التعاون المتين بين منظمات المجتمع المدني في ضفتي مضيق جبل طارق، حتى يكون إسهامنا توافقيا وجماعيا ومفيدا لشريحة واسعة من مواطني الضفتين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube