ثقافة وفنونمستجدات

“القديسات” قصة جوني هايتوتي ،فتيات تشيبوك بإفريقيا وعصابات بوكو حرام

جوني هايتوتي .

الشاعر ة و الكاتبة المغربية الأندلسية نادية بوشلوش عمران

من قلب إفريقيا ، و خصوصا في نيجيريا ، في بلدة تشيبوك بدأت قصة جوني هايتوتي ، قصة المعاناة و التشرد و الضياع، ففي سنة 2014 ، إقتحمت بوكوا حرام الإرهابية المدرسة بالبلدة و خطفت عددا من التلميذات ، ما بين سن عشر سنوات و إثنا عشر سنة ، قادوهم على السيارات التجيب الرباعية العجلات إلى غابات و جبال نيجيريا المتوحشة في معسكراتهم الإرهابية ، قبل الإقتياد إلى عين المكان ، قتلوا المدرسين و بعض من الأهالي ، و قد صادف بأن يقتلوا عائلة جوني هايتوتي ….
كان منظر العائلات ،شيء يدمي له القلب ، حيث قتلوا بوحشية ، أمام الفتيات
صراخ و عويل و توسلات ، بدون جدوى
لقد شاهدت الطفلة الصغيرة جوني هايتوتي ذلك ، و كانت كغيرها من الفتيات تصرخ و تبكي ، تحاول اللإنفلات من قبضة الإرهابيين ،و هم يحملون أسلحة نارية من الرشاشات و المسدسات و بعض من قدائف الهاون.
فعلا منظر مرعب للكل ، و لحظات لا تحسد عليها ، خوف عميق بقي راسها في عقل جوني هايتوتي الطفلة ذات التانية عشر ربيعا ، طفلة في عمر الزهور ، عمر البنفسج و الأقحوان الإفريقية ،و غدير أخضر في صحراء قاحلة لماما أفريقيا….

في الغول المعسكر الإرهابي ،تم إنزاله الفتيات تحث وطأة الضرب و الإرهاب و الصرامة مع طلقات نارية في الهواء ، لإخافة الفتيات الصغيرات ، و في إحدى الغرف الطويلة بداخل المعسكر ، ادخلوا البنات ، بينما تقدم الكونوليل النجيري الإرهابي
زوكافوا بوكتوا ، الجاحظ العينين و في وجهه قسمات من أثار السلاح الأبيض ،منظره يثير القشعريرة و الخوف ، تقدم إلى الغرفة مع رجاله حاملين قنينات من خمر في زجاج أخضر ، مما أثاروا الرعب في الفتايات الصغيرات ، و بالعنف شدوا على معاصمهن الصغيرات التي لا قوة و لا حيلة ،و أخدن للساحات ، و بالعنف تم إغتصابهن ، تحث وطأة التعذيب و التحرش بالكلمات ، و الصراخ و البكاء ، و قد تم تقاسمهن ، لم تكن هناك رحمة .
صغيرتنا جوني هايتوتي ،لقد كان لها نصيب من العذاب و الألم و الإغتصاب ، إغتصاب طفلة قاصر ،لم تعرف من الحياة شيء ، غير اللعب و الدراسة و حنان الأبوين ،
يا لهذا العار ، الذي وشم في جبين ماما إفريقيا ، عار لم يتأثر له أبنائها لحد الآن ، فالعصابات لبوكو حرام ، قد تمكنت من نجيريا و من كل قراها …
مكتت جوني هايتوتي في العذاب المبين ما بين كل مرة إغتصاب و الإرغام على تلبية طلبات زوكافوا بوكتوا ،من رغباته الجنسية المتيرة ، و كانت كلما تحاول التملص و الهروب منه ،كان يلقي بها في حفرة في الأرض مغطاة بدون اكل و لا شرب لمدة يوم كامل .
نعم عذاب جهنم بالنسبة لطفلة لها الحق في الحياة بكرامة و لو كانت في ماما إفريقيا . و كغيرها من الفتيات النجيريات من بلدة تشبوك قد لقين العذاب الأكبر.
مع مرور خمس سنينا عددا ، و في المعسكر الإرهابي ، قد تعرف عليها ، جندي إرهابي ضئيل الحجم أسمه :
مولولوا هولامي ، و تقرب منها لأغراضه الخاصة كغيره ، حيث كان يغتصبها تقريبا يوميا ، و لكنه كان يسرق من المطبخ بعض من شراب النخيل و بعض من السكاكر و يقدمها لها ، كعربون محبته الكاذبة….
لم تشعر جوني هايتوتو ،و إلا بنفسها 🤰 حامل ، لم تعرف ،ماذا ،ستفعل ، و هي الآن تبلغ الخامسة عشر ، و في شهرها الثالت ، و كغيرها من الفتيات النجيريات من شبوك ، قد وقعت في الحمل و في الإغتصاب ، قررت أن تبوح لمولولوا هولامي بالأمر ، و هو يعرف جيدا ، ماذا الذي يقع لهؤلاء الفتايات ، يجهضن بركلهم على البطن ، حتى الموت ، او الإجهاض ، شيء مؤلم جدا ، و بشاعة تفوق التصور ، و من حبه لها حوال ، مولوالوا هولامي التكتم على الأمر ، و مر شهر آخر ، لكن بطنها فضحتها …
و كان اليوم المشهود و شاهد و مشهود في معسكرات الإرهاب بوكو حرام ، العذاب و الإرهاب ، إذ ، في الصبح ، أوتي بعشر فتايات الحاملات و من بينهن جوني هايتوتي ، و تقدم عساكر ، لإجهاضهن بالركل و بوضع أقدامهم فوق بطون الفتايات ، في وحشية ، منظر مؤلم لم تحن إليه روح و لا إنسانية….
و الفتايات في ألم شديد و كرب مربع ، باكيات يستجدن ،هن لا ذنبا لهن ، أجهضن و من قتلت ،قد قتلت و كأنهم يقتلون حشرة ، تسحق
أما ما كان من نصيب جوني هايتوتي ، فقد أجهضت كذلك بالعصي و تألمت كثيرا و بكت و إستعطفت ، و حتى صاحبها لم يغثها ، فقد كان هناك واقفا يشاهد المنظر بصمت رهيب يذكر….
حملت من تبقىين على الحياة من الفتايات للنهر ، للإغتسال من الدم المسكوب و الآلم يمزق أجسادهن الصغيرات …
و بأي ذنب قتلن الأخريات ، و بأي ذنب قد أجهضن ، و بأي ذنب قد حملن….

تماسكت جوني هايتوتوا و هي تحاول جمع فخديها على النهر و بألم كانت تبكي و الألم ،بينما صاحبها مولوالوا هولامي ،قد قرر في نفسه مساعدتها على الهروب من هذا المعسكر و من هذا الجحيم ، و بينما ليلا ، أخدها من يدها و تسللا في جنح الظلام ، إلى خارج المعسكر الإرهابي ،و هناك في الخارج كان ينتظره ما ،عربة ذات عجلات رباعية الدفع ، ركبت فيها و قد إنطلقوا بسرعة….
أربعة أيام قد عبروا الحدود إلى دولة نايمي ،و من بعدها لدولة مالي ،حتى مروا بموريتانيا و من تم إلى الصحراء الغربية للبوليزاريوا ،و بعد عدة أيام ، دخلوا الصحراء المغربية ، أكيد كانت رحلة شاقة جدا على طفلة بريئة و رحلة عذاب آخرى ،لكنها في قرارة نفسها كانت لربما سعيدة من الخروج من المعسكر الإرهابي بتشبوك ، من خلال الرحلة ، لقد بين لها مولولوا هولامي بعضا من الحب ، و هي بكل حنان بادلته الثقة ،و لم تعرف ماذا كانت تخبأ لها الأيام القادمة….
بعد أسبوع من الرحلة و أخيرا وصلوا لطنجة بالمغرب ، حينها حاولوا اللجوء لغابة الرهراه بمساعدة بعض الأشخاص ( البزناسة , الحراكة ) ،بعد أن إقتنوا بعضا من الأكل و بعض من الفواكه من التين و الموز و التفاح ،لجأوا لجدع شجرة مع عدد من الأفارقة و في راحة و إبتسام ، تناولوا أكلهم ،بعد ماكان قد أنهكهم الجوع و التعب
قال مولولوا هولامي لجوني هايتوتي ، بعد أيام نقطع الضفة الأخرى ، أقصد لأوربا ، سندهب لهناك …
و تبسم و هي كذلك تبسمت ،لعلها أول إبتسامة من بعد عذاب طويللللل طويلللل ، و أسدلوا أهدابهم للنوم العميق ، لم يستفيقوا إلا بعد ليلة بكاملها من التعب و الإرهاق .
و هكذا ذواليك ، مرت الأيام ، إلى أن جاءت ليلة الولوج للبحر ،في ليلة خالية من القمر مع عدة أصدقاء أفارقة ، صعد مولوالوا هولامي و جوني هايتوتوا القارب المطاطي (الزودياك )و بعض من المغاربة ، و في جنح الظلام إنطلاق القارب برئاسة الحراݣ علال بوشتى إلى الضفة الأخرى….
و في عرض البحر و بالسرعة ، و في الفجر ، و فجأة ، إنقلب القارب ،و فزع خوف ،صياح و موت ، لقد مات غرقا بعض من الأفارقة و المغاربة و حتى نفسه الريس بوشتة قد غرق، غرقوا الذين لا يعرفون فن العوم ، و مات كذلك مولوالوا هولامي غرق ، بينما جوني هايتوتوا ،كانت قبل أن يركبان القارب ،ارتدي سترة النجاة ،قد إشتراها لها مولولوا هولامي من بزارات طنجة السرية التي تبيع قوارب المطاطي و مستلزماته …..
كان الحظ بجانبها ، لم تغرق ،و لكن قاب قوسين كادت ، لولا تدخل القوات البحرية الإسبانية la Guardia civil , و الصليب الأحمر الدولي للمساعدة ،قد نجت من دون الكل بأعجوبة ….
و في قاارب النجاة مدت ماريا المتطوع في الصليب الأحمر ،غطاء أحمر دترتها به ، و بعض من الأكل و الشراب لجوني هايتوتو ، حيث هذه الأخيرة كانت شاردة كليا ،تبكي على مصير مولولوا الذي غرق و قد كانت تلمس له نوعا من الحب العذري ،بالرغمزمن كل من أفعله الشنيعة معها ، لكنه قد غرق ،قد مات ،قد إنتهى من حياتها ،و لم تعرف بأيتها لغة ستحكي لماريا عن مآساتها منذ البداية….
كان الصمت في المركز بالجزيرة الخضراء في إسبانيا يخيم على الأجواء ،حزن لم تستطع جوني هايتوتي الخروج منه ، بالرغم من المساعدات و الوجوه الأوربية اللطيفة و الأيادي الناعمة البيضاء التي كانت تحاول مشاهدتها بلطف ، فجوني هايتوتوا لم ترى في حياتها قط ، إنسان أبيض ، أشقر و لو حتى في المغرب فالمغاربة يختلفون بسحنتهم عن الأوربيين أكيد و عن الأفارقة كذلك .
مرت أيام ،إلى أن أخدت المنظمة للصليب الأحمر جوني هايتوتي ،للمركز القاصرين بالجزيرة الخضراء ، هنالك حيث ضمنوا لهم مستقر إلى حين ، آمن لا خوف ،لا برد لا قهر لا موت ،فيه سلاما سلاما سلاما ،Paz
و قليلا قليلا ،بدأت جوني هايتوتي الخروج من عزلتها و من ألمها ،تعلمت اللغة الإسبانية
و اليوم ،و أمام التلفزة الإسبانية RTV1، و أمام كل الصحافة الإسبانية و أمام الكل ، سمح لجوني هايتوتي بحكاية قصتها و قصة بنات تشبوك الحزينة المؤلمة القاسية التي تعرضت له من طرف العصابة الإجرامية بوكو حرام
قالت جوني هايتوتي ،و عينها تدمع ،أمام الكاميرات:

لقد مررت بتجربة من حياتي صعبة جدا ، فقدت فيها أهلي أمام المدرسة بطريقة وحشية جدا بالقتل ، و أنا طفلة لم أتجاوز التانية عشر من عمري ، و أسرنا من طرف العصابة الإجرامية بوكو حرام ، و في المعسكر قاسينا نحن الفتايات الويل و العذاب إغتصبنا و قتلنا و لازالت هنالك فتايات تقتل و تؤد و تقطع أطرافهن ، أجهضن و لم تستطع دولتنا نيجيريا من الحد من هاته العصابات الارهابية و لم يستطع المجتمع الدولي ذلك .
بنات تشبوك أمانة في أعناق المجتمع الدولي ككل ، لابد من التحرك و من كسر الصمت و كل الطابوهات التي تقتل كيان البراءة و الطفولة في كل البلدان….
إننا نحن الفتايات لبريئات مما كان يقع لنا ، إننا قديسات.

صمت الكل و إنهالت التصفيقات من كل حدب و صوب ،إهتزت إسبانيا بكاملها و دار العالم رأسه لجوني هايتوتو و لقصتها الحزينة ، فلعل التاريخ يطوي صفحة كبرى من الألم…
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube