محمد بوبكريمستجدات

نتائج الانتخابات التشريعية مزورة وفاقدة لأية شرعية سياسية‎

‎محمد بوبكري

يجمع المتتبعون للشأن العام الجزائري على أن الانتخابات التشريعية الجزائرية، التي نظمت يوم 12يونيو الجاري، قد زور نتائجها جنرالات الجزائر، وهذا ما تؤكده المؤشرات التالية:‎تفيدنا قراءة قانون الانتخابات الذي وضعه حكام الجزائر أن هذا القانون يدل مسبقا على أن الهدف منه هو الحيلولة دون وجود حياة سياسية ديمقراطية طبيعية؛ لأنه يحول دون وجود أغلبية سياسية داخل البرلمان، حيث يسعى إلى أن تكون أغلبية أعضائه مكونة من أشخاص لا انتماء سياسي لهم، ما يفيد أن هذا “البرلمان” سيكون عاجزا عن تطوير أية مشاريع، ولا عن المناقشة والاقتراح، لأنه سيولد عاقرا فاقدا لأية قدرة على الإنتاج، الأمر الذي سيمكن الجنرالات من تحريكه من الخلف، حيث سيتمكنون من اتخاذ ما يشاؤون من قرارات وتشريعات بالإجماع، دون إخضاعها للمناقشة، ولا حتى تعديلها، لأن هؤلاء الجنرالات يرفضون ذلك…. هكذا سيكون البرلمان أداة طيعة في يد حكام الجزائر، يهابهم، ويحبس أنفاسه أمامهم، ولا يستطيع الجهر بأي صوت لا يسايرهم…‎أضف إلى ذلك أن هؤلاء الحكام قد وعدوا الشباب دون سن الأربعين بأنهم سيمنحونهم ثلاثين مليون جزائرية لتغطية مصاريف الحملة الانتخابية إذا ترشحوا ضمن لوائح انتخابية، علما أن عليهم أن ينفقوا مسبقا من مالهم الخاص، وبعد ذلك يقدمون وثائق تثبت ما أنفقوه، ليتم تعويضهم عما أنفقوه لاحقا، شريطة ألا يتجاوز الإنفاق المبلغ المحدد. وهذا ما يؤكد أنه ليس الهدف من وراء هذا التعويض هو دعم الشباب للانخراط في السياسة؛ بل يرمي حكام الجزائر من وراء ذلك إلى دفع أعضاء اللوائح إلى البحث عن المصوتين لصالحهم، حيث يأملون أن ترتفع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، لأن ارتفاع نسبة مقاطعتها يرعب الجنرالات، إذ سيفسد عليهم مخططاتهم الرامية إلى استمرار بقائهم في السلطة ونهب أموال الشعب الجزائري.‎لقد نجم عن إغراء الشباب بمبلغ مالي أن قوائم المترشحين قد صارت كثيرة، ما جعل “تبون” عاجزا عن جمعها، لأنه وجد نفسه أمام قوائم كثيرة يصعب عليه الاطلاع عليها جميعها، والتمييز بينها واختيار أحسنها… وإذا كان تبون قد عجز عن تدبير ذلك الكم من القوائم، فكيف يمكن للمصوتين أن يتصرفوا معها؟! وهذا ما يؤكد أن الجنرالات قد عملوا على تمييع الانتخابات بكثرة قوائم “المترشحين المستقلين”، ما يعني أن الهدف من ذلك هو السعي للرفع من نسبة المشاركة في هذه الانتخابات. لكن الواقع كان مخيبا لمسعى هؤلاء الحكام، لأن المقاطعة كانت جد مرتفعة. وكما كانت نتائج الانتخابات الجزائرية السابقة، فإن مقاطعة هذه الانتخابات الأخيرة كاد أن يكون كليا في ولايات منطقة ” القبايل”؛ أي في “بجاية “والبيرة” و”تيزي وزو، حيث لم تصل نسبة المشاركة %1. كما أن معظم مكاتب الاقتراع لم تفتح في هذه المنطقة الرافضة تاريخيا للتسلط في كل من عهدي الاستعمار والاستقلال. وتجدر الإشارة إلى اندلاع اشتباكات في عدة بلديات، مع تكسير صناديق الاقتراع. ووفقاً للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان واللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، فقد تم في يوم الاقتراع اعتقال العشرات اضف إلى ذلك أن صحيفة “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية قد نشرت على صدر صفحتها الأولى أن “موجة المقاطعة قد كانت واسعة”. واعتبرت هذه الصحيفة أنه “كما كان متوقعاً، فقد قاطع أغلبية الجزائريين صناديق الاقتراع، واستنتجت أن نسبة المشاركة الضعيفة تؤكد التوجه العام لرفض هذه الانتخابات، لأن الشعب الجزائري حكم عليها مسبقا بأنها ستكون مزورة كسابقاتها، ما يفيد أن هذا الشعب لم يعد يثق في نظام العسكر، الذي طالب برحيله من خلال الشعارات التي رفعها في حراكه السلمي الحضاري.‎وقد ندد هذا الحراك الشعبي، قبل الانتخابات، بـ”المهزلة الانتخابية” و”تهور” نظام العسكر. ومهما يكن من أمر، يبدو أن الجنرالات عازمون على فرض “قائمة البرلمانيين التي أعدوها سلفا”، وتجاهلوا مطالب الحراك، التي يمكن تلخيصها في: اقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة…‎وجدير بالذكر أن هذه الانتخابات كانت هي أول مرة يترشح فيها عدد كبير من المستقلين ضد مرشحين تؤيدهم أحزاب سياسّية فقدت مصداقيتها وحُملت مسؤولّية الأزمات السياسّية والاقتصادّية والاجتماعّية التي تعاني منها الجزائر. وهذه هي عادة الجنرالات، الذين تعودوا على استعمال الأحزاب، والتخلي عنها بعد فقدانها لشعبيتها بسببهم. أما الفائزون في الانتخابات التشريعية لسنة 2017؛ أي المنتمون إلى “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديموقراطي”، الحزبان الشريكان في التحالف الرئاسي الذي دعم الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، فقد فقدا مصداقيتيهما، وأصبحا مجرد هيكلين فارغين ليست لهما أي امتدادات مجتمعية، حيث قام العسكر بتوظيفهما، وتخلوا عنهما بعد انتهاء مدة صلاحيتيهما…‎هكذا، فقد وُجهت الدعوة لما يقارب 24 مليون ناخب لانتخاب 407 نّواب جدد في مجلس الشعب الوطني (البرلمان) لمدة خمس سنوات. وطلب منهم الاختيار بين 2288 قائمة -أكثر من نصفها “مستقلة”- أي أكثر من 22 ألف مرشحا. كما أن حكام الجزائر عملوا على قمع الحراك وحظر التظاهرات وتصعيد الملاحقات القضائية والاعتقالات، التي استهدفت المعارضين ونشطاء الحراك والصحافيين والمحامين. ويعتبر هؤلاء الحكام أنهم استجابوا للمطالب الرئيسية للحراك عبر تنظيم هذه الانتخابات التي يعتقدون أنها ستأتي بحل كل المشاكل، كما أنهم اعتقدوا أنه لم تعد للحراك أي شرعية، حيث يتوهمون أنهم مصدر الشرعية الوحيد، ما يكشف عن استبدادهم، كما أنهم اتهموا النشطاء بأنهم في خدمة “أطراف أجنبية” معادية للجزائر. هكذا لا يمكن للعسكر أن يشكلوا مصدرا لشرعية الحراك، كما أنهم يتوهمون أنهم استطاعوا إيقافه. إنهم يتجاهلون أن الحراك هو من أجل حرية الشعب الجزائري، ما يفيد أنه يحمل قضية لا يمكن أن يخمد النضال من أجلها بما يمارسه العسكر من عنف وقمع واعتقال…‎و تؤكد منظمات حقوق الإنسان الجزائرية أنه يوجد اليوم خلف القضبان في الجزائر ما يقارب 214 من سجناء الرأي، بسبب نشاطهم في الحراك أو الدفاع عن الحريات …‎ونظرا إلى أن “عبد المجيد تبون” يدرك أن الجنرالات قادرون على التصرف في نتائج الاقتراع، فإنه صرح بعد مغادرته لمكتب الاقتراع بأن نسبة المشاركة “لا تهم”، حيث قال في هذا الصدد: لقد سبق أن قلت إن نسبة المشاركة لا تكتسي أي أهمية بالنسبة لي، وما يهمني هو أن من سيتم التصويت عليهم من قبل “الشعب” ستكون لهم الشرعية الكافية لممارسة السلطة التشريعية”. ‎كما أوضح رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات “محمد الشرفي” أن الإعلان عن الكتل التي ستشكل “المجلس الشعبي الوطني” المقبل سيعلن عنها، بصفة عامة، خلال يوم الأحد، ولكن نظرا إلى تعقد العملية الحسابية، فإنه لا يمكن إعلان النتائج الرسمية قبل 96 ساعة، وإذا كانت الثورة المعلوماتية تمكن الدول من الإعلان عن نتائج الانتخابات بسرعة فائقة، فإن جنرالات الجزائر لم يستطيعوا الإعلان عن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، ما دفعهم إلى تأخير ذلك، لأنهم يتخوفون من الإعلان عنها خوفا من انتفاض الشعب الجزائري ضدها، وما يمكن أن ينجم عن ذلك من عواقب وخيمة. ‎لقد تأكدت صحة اعتراض الحراك الشعبي على هذه الانتخابات، لأنه لم يطالب بتنظيمها، وإنما لجأ العسكر إلى ذلك، لترميم البكارة السياسية لنظامهم، لكن يؤكد استمرار الاحتجاجات الشعبية ضد هذه الانتخابات، وما ستفرزه من نتائج مزورة، لأنهم لن يستطيعوا إسكات الشعب الجزائري المتمسك برحيل نظام العسكر.‎وللتدليل على خوف العسكر من الإعلان عن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، فقد أعلنوا في الساعة العاشرة من يوم الاقتراع أن نسبة المشاركة 10,02 .%، كما بلغت هذه النسبة رسميا %16 في الساعة الرابعة زوالا. وبعدها توقفوا عن الإعلان عن نسب المشاركة. وبعد إغلاق مكاتب الاقتراع، أعلن “محمد الشرفي” أن نسبة المشاركة بلغت حوالي 30%، الأمر الذي يؤكد تلاعب الجنرالات بهذه النسبة، لأنه لا يمكن أن يتم التعبير عن نسبة %14من الأصوات في ظرف أربع ساعات؛ أي من الساعة الرابعة إلى الساعة الثامنة زوالا، علما أنه جرت العادة أن تصوت الولايات الجنوبية في الصباح. أضف إلى ذلك أن منطقة “القبايل” وولايات أخرى قد قاطعت هذه الانتخابات، كما لا حظ متتبعون أن مكاتب الاقتراع ظلت فارغة، ما يفيد تزوير الجنرالات لنسبة المقاطعة، لأنهم يخافون من عدم اعتراف كل من الرأي العام الوطني والدولي بها، الأمر الذي سيجعل حكام الجزائر في مأزق. لذلك، على هؤلاء الجنرالات أن يقوموا بإلغاء نتائج هذه الانتخابات، ويعودوا إلى ثكناتهم، تاركين الشأن السياسي للشعب الجزائري الذي يطالب برحيلهم…‎علاوة على ذلك، لقد أعلن “عبد العالي رزاقي” عن نفس الإحصائيات على شاشة قناة “فرانس 24″، ما تسبب في سحب اعتماد هذه القناة. وهذا ما يؤكد أن الجنرالات قد قاموا بتزوير نسبة المشاركة فيها، خوفا من أن يتم الطعن في نتائجها. ورغم ذلك، فإن هذه النسبة المزورة تفيد فقدان هذه الانتخابات لأية شرعية سياسية، ما يدل على أن الحراك قد انتصر على الجنرالات، الأمر الذي سيحفز الشعب الجزائري على الاستمرار في حراكه السلمي الذي قهر العسكر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube