أخبار دوليةمستجدات

النفور السياسي وأدب الإقتصاد!

بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

إن طيبة المغاربة تتجلى في حسن خلقهم وحسن معاشرة جيرانهم. والعلاقات الإنسانية وما لها من أبعاد تفرض نسج الثقة المتبادلة للعيش الافضل.
فلم يكن الاقتصاد أبدًا علمًا تحتكره الأرقام والمالية والحسابات الاقتصادية فحسب، بل شمل العديد من الجوانب الحياتية المؤثرة في اتخاذ القرارات.
إن وجود الجالية المغربية باوروبا وتفاعلها الايجابي مع قرارات تمس السيادة الوطنية لخير دليل على حسن خلقها وادب معاشرتها في بلاد المهجر. ورغم اشتعال الأزمة السياسية في العلاقات مع الجارة الشمالية، منذ استقبالها الزعيم الانفصالي إبراهيم غالي، نهاية أبريل الماضي، ومسارعة سلطات مدريد إلى إعلان فتح حدودها أمام السياح المغاربة بتقديم شهادة التلقيح أو فحص سلبي، ما اعتبره محللون سعيا إسبانيا للالتفاف على الخسائر المرتقبة جراء القرار المغربي، الا ان ذلك لن يثني جاليتنا على الالتفاف حول القرار السيادي الوطني بالعودة إلى أرض الوطن مهما كلف ذلك ماديا ومهما صعب حاله.
فالمغرب قد أبان عن حنكة دبلوماسية مميزة و صعَّد في إعلان المواقف بوضوح حينما كان الأمر يستدعي ذلك. ثم أحبط محاولات إسبانيا الرامية إلى أوربة المشكل وتعويم الأزمة بإثارة مشكل الهجرة، لينتقل إلى ورقة الاستثناءات.
والرباط سرعان ما وضعت مدريد في موقع الدفاع، وقلبت عليها الطاولة، فلم يتوقع ساسة إسبانيا أن يتصرف المغرب بهذا الذهاء السياسي، حيث لم يذهب نحو الإضرار بالالتزامات الثنائية الدولية، لكنه اجتهد في استعمال أوراق غير نمطية.
والسياسة الإسبانية ابانت عداءها للمغرب فاساءت التقدير فيما يخص ملف زعيم البوليساريو إبراهيم غالي. و المواقف المغربية التي لم يتوقعها الإسبان، بعد استثناء البلاد من عمليتي العبور والمناورات العسكرية،
اختار المغرب بها التصعيد كرد فعل طبيعي على البادرة الإسبانية السيئة. والسؤال المطروح حاليا في دوائر القرار الإسباني، يتعلق بسقف هذا التصعيد ومداه ومتى سيتوقف؟
وبالعودة إلى لغة الأرقام، كانت قد صادقت اسبانيا قبل اسابيع على منح المغرب 30 مليون أورو، في إطار شراكة بين البلدين، خلافا لما تروجه أوساط سياسية إسبانية عن كونه مساعدات، إضافة إلى 200 مليون أورو يمنحها الاتحاد الأوروبي للمغرب أيضا، موزعة حسب شراكة يقدم فيها المغرب خدمات كثيرة للاتحاد.
وهذه المنح لا علاقة لها بالمشكل المفتعل، و أرباح عملية مرحبا، بحسب صحف إسبانية، تقدر بمليار و150 مليون أورو سنويا، وهو ما يجعل إسبانيا هي الرابح الأساسي من العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي. و المغرب من حقه، أن يوظف جميع الأوراق، للقطع مع الذهنية الاستعمارية لدى الإسبان اتجاه المغرب، وإعادة النظر في الأرباح والخسائر.
إن الاقتصاد المزدهر يتطلب أرضية ثقة بين الشركاء، وهي أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يبعث برسائل طمأنة إلى المستثمر الأجنبي أو الوطني. وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في منطقتنا المتوسطية الغربية سيؤثر سلبا على النمو الاقتصادي لبلدينا المغرب وإسبانيا. فكل تغير في المشهد السياسي له عواقبه إتجاه رأس المال الوطني أو الأجنبي. ووضوح الرؤية السياسية والاستقرار في المواقف الداعمة لسيادة الدول سيبعث رسائل طمأنة لدول العالم بحسن جوار البلدين و أهميته في بناء اقتصاد قوي في المنطقة المتوسطية الغربية وجعله من دعائم التنمية التجارية الدولية. إلا أنه والى حد الان، ورغم القرار السيادي الذي اتخذه المغرب لبيان حسن الجوار، و اعادة جميع الأطفال الغير المرفوقين من المهجر، وبدون مد يد المصالحة من طرف الاسبان، فلن تشهد منطقتنا استقراراً ولا وضوحاً في الأفق السياسي الحالي، مما سيجعل وضعها الاقتصادي في تدهور لافت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube